حالة الطوارئ الصحية و سؤال المصطلح الجنائي: الكمامة الواقية نموذجا
محمد الامين *
بتاريخ 6 ابريل 2020 صدر بلاغ مشترك بين وزارات الداخلية، الصحة و التجارة يقضي بإلزامية وضع الكمامات الواقية بالنسبة للأشخاص المسموح لهم استثنائيا بالتنقل خارج محل سكناهم، مما يجعل من عدم وضعها جنحة يعاقب عليها بمقتضى العقوبة الواردة في المادة الرابعة من مرسوم 24 مارس 2020 وهي الحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر والغرامة من 300 درهم إلى 1300 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
إن محور هذه الجريمة يدور وجودا وعدما حول مصطلح الكمامة، مما يطرح إشكال المقصود بالكمامة التي يجب وضعها،فالإجابة عنه من الناحية الجنائية تعتبر ذات أهمية قصوى، فهي التي ستمكننا من معرفة متى يمكن القول بأن الشخص قد ارتكب الجريمة من عدمه.
لكن قبل الدخول فيما يتعلق بالمصطلح جنائيا نرى أن نحيط به لغويا، وعلى هذا الأساس فهي تسمى الكِمَامَةِ والكِمَام والجمع كمامات وكمائم، ومنه يقال كَمَّمَ النَّخْلَةَ أي غَطَّاهَا لِتُرْطِب وكَمَّمَ فَمَ الْحَيَوَانِ يعني سَدَّهُ بِالكِمَامَةِ.من خلال كل هذه التعاريف يتضح بأن الكمامة هي ما يوضع على الشيء لتغطيته أو ما يوضع على الفم أو نحوه لذات الغرض.
فإذا استثنينا الشيء، فإنه بخصوص الإنسان أو الحيوان ففي الغالب يكون موضعها واحداهو الأنف والفم، لكن من حيث نوعيتها وغاياتها فهي مختلفة، فبالنسبة للحيوان فهي توضع على فمه لمنعه من الأكل أو العض، و بالنسبة للإنسان فهي توضع على الأنف والفم لاتقاء الغازات السامة أو غيرها، وبذلك فهي تستعمل من قبل الجنود أو من قبل العمال الذين يشتغلون في المناجم، ويستعملها الأطباء،وقد يستعملها أي شخص لأغراض أخرى عادية…
أما من الناحية القانونية وفي غياب تعريف جنائي لها، فإن ذلك قد يطرح مسألة التكييف لدى القاضي في حال عرضت عليه قضية شخص يضع نوعا من الغطاء على أنفه وفمه، فهل سيعتبرها كمامة من عدمه؟
إن مثل هذا السؤال قد يبدو غير ذي جدوى و مجرد ترف فكري- قانوني، لكن سرعان ما ستتبدد هذه الفكرة سريعا لسببين؛يتعلق الأول، بالغاية التي جعلت منظمة الصحة العالمية ومن بعدها أغلب دول العالم ومنها السلطات المغربية تقرر إلزامية وضع الكمامة والتي لا تخرج جميعها عن هدف واحد هو الرغبة في محاصرة وباء كورونا. ويتعلق الثاني بالأولوية التي يعطيها القانون بصفة عامة والجنائي بصفة خاصة للمصطلح؛ فأهمية التمييز بين المصطلحات ومراعاة دقتها بالنسبة له هي ذات أبعاد زجرية، ففعل واحد قد ينطوي على جريمتين مختلفتين بحسب من ارتكبه، وعلى أساسه مثلا يتم التمييز بين جريمة الفساد والخيانة الزوجية.
لقد جرت العادة على أن المشرع الجنائي في الغالب يهتم بتبيان أركان أو شروط أو تعداد ما يعتبره جريمة ، فنادرا ما يتدخل لإعطاء التعاريف إلا إذا اقتضت الضرورة القصوى ذلك ولغايات تتطلبها المصالح أو القيم التي يحميها. ومن بين الحالات التي يتدخل فيها لوضع التعاريف سنعرض لمصطلحين على سبيل المثال من أجل فهم فلسفة المشرع الجنائي في التعريف.يتعلق الأمر بمصطلح الموظف العمومي ومصطلح المسكن، فمعروف أن لكل من هذين المصطلحين تعريف آخر؛ الموظف العمومي له تعريف إداري منصوص عليه في الفصل الثاني من الظهير بمثابة قانون الوظيفة العمومية وهو تعريف ضيق مقارنة مع التعريف الواسع الذي يعطيه له الفصل 224 من القانون الجنائي. ونفس الأمر فيما يتعلق بتعريف المسكن المنصوص عليه في المادة511من مجموعةالقانون الجنائي، فالتوسع في التعاريف ليس اعتباطيا بل لغايات حمائية يستهدفها المشرع الجنائي.
من خلال هذين المثالين تظهرغاية المشرع الجنائي، ففي المثال الأول الغاية هي حماية الوظيفة العمومية بمحاربة كل الجرائم المرتبطة بهامن أجل منع عدم الإفلات من العقاب لبعض الأشخاص الذين قد لا تتوفر فيهم شروط الموظف العمومي بالمفهوم الإداري، أما في المثال الثاني فالغاية هي حماية المسكن في أقصى صوره. من هذا المنطلق فالتعريف الواسع يخدم هذه المصالح والقيم العليا.
وتبعا لهذا المنهج، يحق لنا أن نستفسر عن المعيار الذي سيُؤخذ به لتعريف الكمامة، هل التعريف الموسع أم الضيق؟ الجواب – في نظرنا – و لأول وهلة قد يبدوسهلا وبسيطا للغاية فكل ما يوضع على الأنف و الفم يعتبر كمامة ويبعد صاحبها عن نطاق التجريم وما يستتبعه من عقوبة حبسية، لكن سرعان ما نستدرك الأمر ونقف لحظة للتفكير، فالأمر يستدعي قليلا من التأني، خصوصا مع بروز أخبار تتحدث عن قضية صناعة وبيع ما اصطلح عليه في عالم الصحافة بالكمامات القاتلة، وما تبعه من تدخل للقضاء من أجل متابعة المتورطين في قضية ترويج تلك الكمامات والذي قد توجه إليهم تهم تزييف كمامات واقية والنصب وتحضير وبيع أشياء مضرة بالصحة العامة.
و بالإضافة إلى هذا المبرر، فإن الأمر يجب النظر إليه من زاوية الهدف من وضع الكمامة الواقية والمتمثل في منع انتقال وباء كورونا من وإلى الأشخاص. وفي هذا الصدد فإن قرار وزير الصناعة والتجارة الصادر في 8 أبريل 2020، قد اعتبر بأن الكمامة الواقية الموجهة للاستعمال غير الطبي هي تلك المصنوعة من الثوب غير المنسوج انطلاق من مادة بولي بروبلين (polypropylènespundbondvierge) والتي تغطي الفم والأنف والذقن وتشكل حاجزا يمكن من الحد من الانتقال المباشر للعوامل المعدية. هذه الكمامة يجب أن تكون خاضعة من حيث مكوناتها للخصائص المنصوص عليها في المادة 4 من ذات القرار.
يتبين من هذا القرار أن الكمامة الواقية لا يجب صنعها بثوب منسوج على اعتبار أنه قد يسرب الميكروبات، فالثوب يجب أن يكون من النوع الذي تتوفر فيه المعايير المعتمدة لصنع الكمامة بطريقة علمية وتقنية دقيقة تضمن فلترة الفيروسات، وما عدا ذلك فالكمامة تعتبر ضارة بصحة المواطن.
وعليه فإنه بالأخذ بمفهوم الغاية من وضعها والمتمثل في حفظ الصحة، فإن تعريف الكمامة الواقية يجب أن يبقى في حدود التعريف الوارد في قرار وزارة الصناعة والتجارة، بمعنى المفهوم الضيق لها.
* استاذ باحث في القانون الخاص والعلوم الجنائية
الكلية متعدد التخصصات تازة
جامعة سيدي محمد بن عبد الله
الكاتب : محمد الامين * - بتاريخ : 02/05/2020