مسار نخبة أدبية من القوات الشعبية

الحسين بوخرطة

قد يتساءل القارئ فور إطلاعه على عنوان هذا النص عن تركيبته المصطلحية (التي تشمل كلمات مسار، نخبة، أدبية، القوات، الشعبية). لقد اخترت هذا العنوان كتعبير عن قراءتي للديوان الشعري باللغة الفرنسية للأخ والصديق عبد اللطيف فوزي، من مدينة سيدي سليمان، تحت عنوان «Le sourire des regrets». إنها القراءة التي قدمتها بمناسبة الحفل الذي نظمته جمعية أفق للثقافة والإبداع بمدينة سيدي سليمان، تخليدا لليوم العالمي للشعر، يوم 25 مارس 2017 على الساعة الخامسة والنصف زوالا.
لقد استنتجت من خلال تأملي في قصائد الشاعر رسالة قوية، بمدلولها الثقافي والأدبي والسياسي، رسالة أبرزت كيف ناضلت أجيال الخمسينات والستينات لتغيير أوضاعها المعيشية من قلب الأحياء الشعبية الهشة، لتعانق بوعي ثقافي شديد عالم الفكر والأدب والثقافة والسياسة بمنظور حداثي. لم تستسلم لليأس والانغلاق والتطرف في مسار حياتها، بل ساهمت، من مرحلة الطفولة والشباب، في تنشيط الحياة الثقافية والسياسية في الأحياء الشعبية، لتتحول بعد ذلك إلى رموز لم تقو عليها، ولم تهزمها، أوضاع المآسي والفقر والحاجة. وهذا المسار النضالي، بكل منعطفاته، يكاد يكون نموذجا، اليوم، لأغلبية النخب المغربية الفاعلة في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية ببلادنا.
إضاءات حول ديوان الشاعر عبد اللطيف فوزي
(…) أود في البداية أن أعبر لكم أن ما تقوم به الجمعية اليوم، في هذا الزمن الصعب، وفي هذه المدينة المناضلة، هو في حقيقة الأمر إصرار على المقاومة الثقافية. فأمام هذا الأداء، لا يملك الفاعل المحلي إلا التنويه والاعتزاز بما تقومون به، وما تبذلونه من جهد للحفاظ على شمعة الثقافة والأدب والشعر مشتعلة في هذه المدينة الجميلة، العزيزة علينا جميعا.
أما عن سؤال ما نحن بصدده؟ أقول، نحن نحيي حفل اعتراف بطاقة أدبية من مدينة البرتقال، طاقة كنا نجهلها لولا أن جمعتنا الأقدار ونحن نؤسس لجمعية الحكامة والتنمية المستدامة في نفس المدينة. إنها طاقة بدأت مشوار حياتها انطلاقا من حي شعبي.
وتذكيرا بحي الطفولة والشباب، نعتز اليوم، كامل الاعتزاز، لكوننا نقتسم مع هذا الرجل الجميل الانتماء إلى نفس الحي الشعبي «حي أولاد الغازي».
بالفعل، لقد قرأت بإمعان ما كتبه صديقنا الحميم، وجالسته لمرات عديدة، وتلذذت حلاوة كلماته، وعمقها الإنساني والنضالي. لقد عبر الشاعر، ابن حينا، في معظم قصائده عن تاريخ شخصية من القوات الشعبية، في مدينة فلاحية في سهول الغرب، وفي عمق قبائل بني احسن. لقد سجل في ديوانه مرورا سلسا، في الزمان والمكان، من الأحياء الغربية بالمدينة إلى شرقها (من السكن غير الصحي الهش إلى السكن الصحي في حي راق من أحياء المدينة). لقد عبر بكلماته عن كينونة الطفولة، التي انطلقت من أوساط الجماهير الشعبية، لتستقر، بعد جهد مضني، في الأحياء الشرقية.
أكثر من ذلك، لقد صاحب هذا المرور بوصف دقيق لأهوال السجون من خلال ذكرى له، وجد نفسه من خلالها، أمام سجن منتصب في وسط حي شعبي، ووصفه بالقوة المستبدة في المكان والزمان.
لقد لمست في كتابه هذا واقع الطفل الشعبي، الذي ترعرع في عالم المآسي، كما ترعرعنا نحن جميعا، وواقع الشاب اليافع الذي لازمه حلم تغيير الواقع، ليستطيع في نهاية المطاف العبور إلى الضفة الأخرى، ليعانق حياة أخرى فيها الأم، والحبيبة، والزوجة، ثم الأسرة.
لقد عبر كذلك أن هذا المسار، أي مسار نخبة من القوات الشعبية، من مواليد الخمسينات والستينات، تحول، بفعل الإصرار والتراكم، إلى قيم تزخر بالحداثة. إنها حداثة في العيش والحياة، وحداثة في التمثلات اتجاه الأم والزوجة والأسرة، وحداثة اتجاه المرأة والقيم بشكل عام. لقد كان لعمر بن جلون مكانة بارزة في بناءه الشعري. (…)

الكاتب : الحسين بوخرطة - بتاريخ : 29/03/2017