في الحاجة إلى استلهام دروس التاريخ

محمد مموحي

من نافلة التذكير أن التحولات الكبرى التي تنجزها الأمم في مسار تطورها التاريخي تكون بفضل عبقرية رجالاتها الذين يقدرون شروطها الموضوعية ، يعبؤون كل قوى الأمة نحو تحقيق أحلامها في الحرية و الكرامة .
ومناسبة التذكير بهذه البديهية ، هي اللحظة الفارقة التي يعيشها مجتمعنا مع سائر المجتمعات الإنسانية في الحرب الكونية القاءمة منذ مطلع هذه السنة ضد الوباء الفتاك Covid 19 الذي يفتك بآلاف البشر و أصاب عجلة الاقتصاد و الإنتاج بشلل.غير مسبوق لم تشهد البشرية مثيلا له إلا في حالات الحروب الكبرى .
و قد واجهت بلادنا هذا الوضع برؤية استباقية استثنائية و بلحمة وطنية شعبية و مؤسساتية قادها عاهل البلاد بإسناد شعبي عارم جنبنا العديد من الكوارث .
في هذا السياق الوطني الاستثنائي والذي يتطلب منا الحاجة إلى المزيد من صيانة الوحدة الشعبية، هل كان من الضروري على الحكومة ان تطرح على الشعب وهو يضع يده على قلبه و يتابع أرقام الموت اليومي واتساع رقعة الفقر و الهشاشة و البؤس من جراء تداعيات آثار جائحة Covid 19 . ان تطرح ما يسمى مشروع قانون الخاص بالمنصات الاجتماعية ؟؟

******
بداية أود أن أعلن ان هذا القانون هو ضد المصلحة الوطنية ، لأنه نسف الوحدة الوطنية التي نشأت لمواجهة آثار و تداعيات وباء كورونا وكانت و لاتزال وحدة صادقة و داعمة لكل الإجراءات الاحترازية التي أعلنتها الدولة و انخرطت فيها وشكلت لإنجاحها لجان شعبية لليقظة و للتطوع و الإسناد والتبرع من أجل مصلحة المغرب .
و هو قانون أيضا ضد المكتسبات الديمقراطية التي تحققت بالنضالات المريرة و التضحيات الكبيرة لمختلف القوى التقدمية و المناضلة من أجل الحرية و الكرامة .
ثم إن هذا القانون جاء خارج سياق الشرعية الدستورية التي تؤكد على أن الاختيار الديمقراطي للبلاد هو اختيار لا رجعة فيه .
فهل تتحمل الحكومة الشجاعة الفكرية والإرادة السياسية القوية و يقوم السيد رئيس الحكومة و كل الوزراء السياسيين ليعلنوا سحبهم لهذا المشروع من أجندة التشريع و يجنبوا بلادنا و الرأي العام الوطني شر هذه الفتنة التي أوقعهم فيها هذا القانون الذي ولد ميتا من بدايته و مشؤوما حتى بتسميته Covid2.22.

و لنتعلم من دروس التاريخ:
الدرس الأول :
خلال ثمانينيات القرن الماضي حيث كان المغرب في أزمة عميقة من جراء سياسة التقويم الهيكلي لصندوق النقد الدولي ، كانت قد تفتقت عبقرية الرجل القوي آنذاك و أصدر قانونا يلزم المغاربة بضريبة سنوية قدرها 5…ده عن البرابول لمن يرغب في متابعة القنوات الفضائية الدولية، و كانت هذه الضريبة وقتذاك مثار تنكيت شعبي كبير إلى درجة أن الناس للتنصل من هذه الضريبة استعاضوا عن البرابول بالكسكاس المغربي للتعبير عن سخريتهم من سياسة حكومتهم آنذاك .
فما كان من المرحوم الحسن الثاني إلا أن يأخذ المبادرة و يقرر إلغاء هذه الضريبة تفاعلا من أعلى سلطة في هرم الدولة مع تطلعات الشعب.

الدرس الثاني :
حدث أيضا أنه بسبب أخطاء في إدارة وزارة العدل على عهد الوزير الأستاذ مصطفى الرميد و الإدارة العامة السجون، أن تمتع مسجونا بالعفو الملكي و هو البدوفيلي الاسباني الذي كان أدانه قضاء المملكة من أجل جرائم اغتصاب الأطفال ، وغادر الحدود، و قد خلف قرار العفو أيضا استياء شعبيا عارما لدى عموم الرأي العام الوطني و أسر الضحايا والمنظمات الحقوقية وجمعيات الطفولة و الأسرة .
و أيضا صان عاهل البلاد مشاعر الناس من أي إهانة، و تقرر إلغاء قرار العفو الملكي، وباشرت الدولة مسطرة إعادة اعتقال ذلك السجين حفاظا على كرامة الناس وشرفهم و شرف بلدهم .
الآن و أمام هذه الدروس السياسية الكبيرة في الذاكرة الوطنية و غيرها كثير و منها أيضا المبادرة التي أقدم عليها الأستاذ اليوسفي عندما باشر مساطر إلغاء ظهائر كل ما من شأنه لتقوية المسار الديمقراطي الناشئ آنذاك .
فمن النباهة السياسية أن يبادر السيد رئيس الحكومة ويتجاوب مع نداءات الرأي العام ومع مطالب مناضلي الأحزاب المشكلة لهذه الحكومة ويعلن عن تخلي الحكومة عن هذا المشروع الذي أجمع المغاربة على أنه قانون ضد حريات التعبير والرأي ومخالف للقواعد الدستورية، و لأنه يشوش على اللحظة الوطنية التي تستوجب المزيد من اللحمة و الانسجام، وليطمئن الناس على حرياتهم التي ناضلوا من أجلها وقدموا في سبيل ذلك تضحيات كبيرة ليس هذا مقام التفصيل فيها و في سياقاتها وعذاباتها .
إن مسار تقوية الدولة الديمقراطية الحديثة يقوم أساسا على تقوية الحريات و توسيعها ، في مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالحرية والكرامة و الأمان كما ينص على ذلك دستور المملكة المغربية .
عاش المغرب حرا آمنا ومستقرا .

الكاتب : محمد مموحي - بتاريخ : 04/05/2020