جائحة فيروس كورونا أكدت الحاجة إلى منظومة صحية ببعد وقائي لا علاجي

 

دروسها بيّنت على أنه لا سقف يجب أن يعلو على سقف الوطن

 

إذا كانت للجائحة الوبائية لفيروس كورونا المستجد كلفة صحية واقتصادية واجتماعية وإنسانية أيضا، بالنظر لحالة التباعد الاجتماعي والحجر الصحي التي تعرفها بلادنا، فإنها بالمقابل جعلت عددا من معالم مغرب الغد تتضح، وتبيّن للجميع برنامج العمل الذي يجب الانكباب عليه من أجل مستقبل وطننا، سواء تعلق الأمر بالمنظومة الصحية، أو بمجالات أخرى، كتشجيع الصناعة الوطنية ودعم الاقتصاد الوطني وغيره.
عناوين مختلفة لمغرب الغد، يسلط الضوء على بعضها، الدكتور محمد شهبي، الاختصاصي في طب وجراحة العيون وتصحيح النظر، الذي التقته “الاتحاد الاشتراكي” وأجرت معه الحوار التالي:


n بناء على الخلاصات الأولية لجائحة فيروس كورونا المستجد، ما الذي تحتاجه منظومتنا الصحية؟
pp إن الجائحة الوبائية لفيروس كورونا المستجد، تعتبر درسا يجب استخلاص عبره المتعددة في مختلف مناحي الحياة، الفردية والجماعية، الصحية والاقتصادية والاجتماعية، والمواطناتية بالأساس. هذه الأزمة الصحية التي أصابت العالم بأسره وبلادنا، تكرّس ما كنا دوما نلفت إليه الانتباه ونطالب به، من أجل تجويد المنظومة الصحية حتى تستجيب للاحتياجات والانتظارات الصحية للمواطنين، بالنظر إلى أنها تعاني من جملة من الأعطاب، على مستوى التشريعي والاستراتيجي، وفي الشقّ المرتبط بالموارد البشرية والبنيات والتجهيزات، وكذا الهوّة بين القطاعات الصحية بناء على التصنيفات.
إن أي منظومة صحية اليوم تتجه نحو المنحى العلاجي لن تكون إلا منظومة فاشلة، لأن توجهها واهتمامها ومجهوداتها يجب أن تنصب أكثر من أي وقت مضى على البعد الوقائي.

n كيف لمنظومة لصحية تقوم على الوقاية أن تتميز بالنجاعة؟
pp إن الوقاية من الأمراض هي الهدف الأساسي الذي يجب أن يكون محور أية سياسة صحية لتفاديها وتجنب كلفتها ومضاعفاتها المختلفة، فإذا ما أخذنا مرض السكري نموذجا، سنجد أن اتباع حمية غذائية واعتماد نظام غذائي متوازن، مع التقيد بمواعيد الأكل في وقتها، وممارسة النشاط البدني، سيمكّن من تفادي الإصابة بالداء أولا، وحتى بالنسبة للمريض الذي أصيب يمكنه ألا يصل إلى مرحلة استعمال الأنسولين، وألا يجد نفسه مكرها على بتر أصابع أو قدمه، وتفادي التعرض للضغط الدموي، والخضوع لحصص تصفية الكلي أو ما يعرف بـ “الدياليز”، وهي كلها تبعات صعبة ومؤلمة.

n ما هو تصوركم لتفعيل منظومة من هذا القبيل؟
pp لا بد من إشراك جميع القطاعات في هذه الاستراتيجية، وعلى رأسها التعليم والإعلام والشغل، من خلال تلقين كل السبل الوقائية الصحية في المناهج التعليمية والمقررات، وأن يتم الحرص على الالتزام بمواعيد الرياضة البدنية، التي يجب أن تكون أساسية، في المدرسة وفي فضاءات العمل، وأن تكون مدتها محتسبة غير مستقطعة، وألا تعتبر شأنا خاصا، وأن يتم منع التدخين فعليا في الأماكن العمومية وغيرها من التدابير الوقائية الأخرى، وأن يساهم الإعلام بدوره بكثافة وفعالية ونجاعة في هذا المخطط، بمختلف أنواعه، فالابتعاد عن العديد من العادات السيئة، سيجنّب المواطنين الكثير من الأمراض والعلل، باهظة الكلفة والتي تعتبر أمراضا مترابطة فيما بينها، كما هو الحال للسكري والضغط الدموي والسمنة وأمراض القلب والشرايين والأمراض التنفسية وغيرها.

n هل استطاعت دول أخرى أن تنجح في هذا التحدي الصحي؟
pp بالفعل، ويمكن في هذا الصدد أن نستدل بالنموذج النرويجي، التي بخطوة واحدة تمكّنت من تقليص نسبة الأمراض المزمنة بـ 25 في المئة، والتي تتمثل في تضريب السكر، إذ رفعت من قيمة الضرائب التي لها صلة بهذه المادة، وأصبحت المتنوجات السكرية باهظة الثمن، مما أدى إلى تراجع الإقبال عليها وأصبح استعمالها يتم بكيفية “معقلنة” تختلف عن السابق، فتراجعت معدلات العديد من الأمراض سواء السرطانية أو غيرها، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، وتمكن هذا البلد من تحقيق أهداف المنظمة المسطرة والتي تدعو لتحقيقها في 2025 ، قبل الموعد المحدد كسقف عالمي لذلك.

n ما هي الدروس الأخرى التي يجب استخلاصها من الجائحة فيروس كورونا المستجد؟
pp لقد تبيّن بالملموس أنه لا سقف فوق سقف الوطن، وبأن مستقبل بلادنا على مختلف الأصعدة وهو رهين وجود إرادة فعلية وحقيقية للنهوض به، وهو ما يتطلب اتخاذ جملة من القرارات الحاسمة للقطع مع عدد من التجاوزات ومظاهر الاستهتار والتبخيس التي ميزت المراحل السابقة.
تبخيس يطال الأطباء ومهنيي الصحة ويمس بجوهر الثقة بين المريض والمعالج، ولا يقف عند حدود ذلك فهو يمسّ قطاعات ومجالات متعددة ومختلفة، أفقيا وعموديا، في ظل ضعف عدد السواعد الحقيقية القادرة على المساهمة في بناء الوطن والنهوض به. إننا اليوم وخلال الـ 20 سنة المقبلة، نحتاج إلى برنامج عمل موحد يشكّل موضوع إجماع بين كافة الفرقاء، وأن يلتف حوله المواطنون، برنامج وطني بأولويات عملية بعيدا عن كل انتمائية ضيّقة، وبالتالي فنحن في حاجة إلى تغيير منهجية العمل، وأن نجعل من الجهوية عنوانا للتقدم، من خلال التفاعل مع المتغيرات وموازين القوى في العالم بكثير من السلاسة والذكاء، وأن نجعل من الإيجابيات التي تحققت في زمن الجائحة الوبائية مقدمة لما يجب القيام به، ومعزّزا للروح الوطنية الجامعة التي يجب على الجميع التحلي بها.


الكاتب : n حاوره: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 05/05/2020