«ويكاند» التوازن غير المستقر أو المشي على صراط الشعر

التوازن غير المستقر ينتفي أمام أية حركة بينما التوازن المستقر يعود لوضعه حين نحركه
« ما هو دائم هو العابر» هايدغر
« الإقامة في الشعر إقامة في الأبدية « هولدرين

يطل علينا الصديقان توفيق ومان ( الجزائر) ويونس تاهوش ( المغرب) عبر عمل زجلي مشترك ، هو نص معنون ب» ويكاند» عن فيسيرا للنشر وضع مقدمته الدكتور مراد القادري ولوحة غلافه ورسوماته الفنان المغربي عبد الكريم الأزهر. نص مشترك كتب ما بين ابريل ودجنبر 2017 وصدر في طبعة أنيقة في الأسدس الأول من سنة 2018 . هو تجربة ثانية بعد تجربة « الثلجنار» للشاعرين عادل لطفي ( المغرب) وعبد الرزاق بوكبة ( الجزائر) هذان العملان هما ثمرة التبادل الثقافي وعلاقات التثاقف والمثاقفة التي مكنت منها دبلوماسية الملتقيات والمهرجانات الثقافية بكل من الجزائر والمغرب .
مغامرة مقاربة هذا العمل مقامرة، بعد المقدمة التي أنجزها الدكتور الباحث والشاعر مراد القادري والتي غاصت في جل تفاصيل الاشتغال والانشغال. مع ذلك سأغامر بحوار مع النص من منطلق ممارس للكتابة الشعرية ومهتم بالتجربة الحداثية التي يمثلها نفس جديد في الكتابة الزجلية أو الشعر المحكي أو الشعر الشعبي بكل الأقطار المغاربية .
عنونته استلهاما لوضع جسم فزيائي وتوازنه ، حيث أعتبر في تقديري الشعر حالة توازن هشة ليس هينا القبض عليها هي رهينة بهلوانية الشاعر وهو يرقص على حبل الشعرية أو يحاول الوقوف على كرة .

ويكاند: التوازن
غير المستقر أو المشي على صراط الشعر

يونس القادم من كتابة تتغيى الإنصات والقراءة المتعددة للقبض على الرؤيا أكثر مما تتوخى المسك بالمعنى، إنصات لقلق الروح والجسد والرغبة في توليد الدلالات خارج منطق الذوق الجمعي، يحمل مأزق القصيدة الزجلية وآفاقها ويكتب النص المتشظي الذي ينفلت كلما حاولنا لم أشلائه. كلما اقتربنا منه يبتعد ليمنحنا، بزئبقيته هذه، لذة تأويل مضاعفة .
يقول يونس :
يا استواء
بغيت – نكون –
نشيد بوهيمي ، ملحة طعام ، ديونيزوس سارد ، parfum حنين
……
– منين تفرح الكصبة –
نخلّي ( بّور بوار)
ل : بيّاع الورد، سالفادور دالي، وتوبقال . (ص47 )
توفيق القادم من الثقافة الجماهيرية ،المسكون بثورة المليون نصف شهيد التي تحضر بثقلها في كل مناحي الثقافة الجزائرية. توفيق الفاعل الجمعوي المتعدد ، المشتغل على القصيدة الشعبية والمبادر لتحوّلٍ تجريبي لمقاربة نص جديد يفتح نافذة حداثية خارج تجربة الشعر الشعبي. مغامرة شجاعة ستؤثر على المشهد الزجلي بالجزائر وستولّد إلى جانب مغامرات شبابية أخرى، أفقا نجني ثماره الآن .

يقول توفيق ومان:
« كي ندير نرتاح
الليل طاح
والأوراس يشكي
جرجره والونشريس
صبح شعر محكي
ما بقى ف القيس قيس
كلام البارود
زند مشدود
والمليون ونص
ما زالت الأمة عليهم تبكي . « ( ص 82 )
يلتقي إذن قادمان من سبيلين مختلفين ليصبا في نهر جديد، في تحد للأسوار والحدود المنغلقة التي يتوهمها القابعون في ركنهم والخائفون من مغامرة التجريب والتجديد ، المتوجسون من الهدم لبناء صرح جمالي أو فتوحات تجريبية حالمة .
نص « ويكاند « قصيدة نهرية تشتغل على رؤى بدل تيمات، هي استجابة لنداء الشعر. جمع تجربتين، قل رغبتين، هربتا من ضيق النص وثباته لأفق ومتغير وأرحب. هو عصف ذهني تواتري، رقص ارتجالي يبذل فيه الراقصان / الشاعران مجهودا لمسايرة بعضيهما وتتبع إيقاع الحرف وهو يسافر بهما في لقاء مفتوح عابرٍ للحدود الجغرافية «جوج ابغال» لمعانقة الوحدة الثقافية بحدود أخرى « جوج ازجال» على حد تعبير الشاعر الكبير أحمد لمسيح في تقديمه للتجربة الزجلية المشتركة « الثلجنار» لكل من عبد الرزاق بوكبة وعادل لطفي.
«ويكاند «عنوان يحيل على مداخل متعددة .هو مصطلح إنجليزي دخل قواميس لغوية متعددة وأضحى مصطلحا مستقلا يتجاوز وصف نهاية الأسبوع، هو يحيل على المدينة والتمدن، على الثقافة الصناعية، هو فاصلة استراحة بين أتعاب العمل وضغط المدينة، هو فرصة التحرر من ثقل اليومي والاهتمام بالذات، هو لحظة مواعد، لحظة ثمالة، هو كسل وخمول الصباحات أحيانا….
ديوان «ويكاند» لقاء بهلوانين يلعبان في فضاءين متماسين أحدهما يلعب على حبل معلق في الهواء وآخر يرقص على ركح، يشكلان لقاء بين السماء والأرض، يلاعب أحدهما الماء والتراب ويلاعب الآخر الهواء والنار ليصنعا من عناصر الحياة نصا/ قصيدة . كأني بأحدهما يشد الآخر ويجره ليشكلا توازنا غير مستقر في لعبة الكتابة.
«ويكاند» نص واحد لذاتين مبدعتين، لا يشتغل على تيمة معينة بل على رؤيا، هو رقص ارتجالي يلزم كل راقص تتبع خطوات الآخر وإيقاعه ومجاراته وتفاعله في كل التيمات، لا هوية غير الاستجابة للشعر وبحث عن أفق جديد، عن نص ينزعج من الثابت وضيق الفضاء . فضاء النص تحول جدلي مستمر، النص الزجلي جعله الشاعران نصا غير مقدس، قابلا للتحريف والهدم والتجاوز، هو فتح أفق اللامتناهي ليتحقق الشعر ولا شيء غير الشعر.
على تماس « جوج ازجال» ضدا في «جوج ابغال» يفتح الشعر أفق تواصل مضاد لانغلاق فضاء المرور البري بين قطرين مغاربين. التفاعل والتكامل الذي استفاد منه النص المشترك جعله تفاعلا بتقنيات الترابط والحوار، الشد والجذب، الأخذ والعطاء،الغوص والتحليق، الصمت والصخب، المراوغات الجمالية في رقعة البياض. هكذا سيسبران أغوار ال»ويكاند» كمكان / كفضاء / كزمن / كبدء/ كنفي.

«الويكاند / المكان/ الفضاء »

« على جناب الويكاند
كبرت :
(صاكة) ، جامع ، انثى .
شجرة توت
تحتها
كنا صدفة . رغبة. نطفة.
يناير. موسم للرما
كنا جوج د لخوت” (ص18 / 19)

الفضاء الذي جمع الشاعرين يمكّن من استحضار رموز لتأويل ممكن. دلالة شجرة التوت / نطفة/ يناير .. كدلالة البدايات ، أوراق شجرة التوت في المخيال الديني هي التي سترت “ عورة آدم وحواء” . النطفة /الخلق المتجدد / يناير بداية السنة وتأريخ الموسم ألفلاحي في العرف الآمازيغي . “جوج د الخوت” تحيل حسب ما سبق لبداية أواصر الأخوة وصراعها أيضا من خلال رمز هابيل وقابيل؟ فمن هي القصيدة الأخت التي سيتصارعان حولها أو سيغيران مسار حكايتها؟
“ نرضعو
نتحابو
نصيدو بلارج، نتبعو الواد، عرف الزيتون
سالف لونجة” (ص 19)

«الويكاند /الزمن » :
“ لنا يقول الفلاح
انتما جوج فصول
تلاقحت فيكم
شمس، حكاية ، فياكرا
ساكسفون حمدوشي” ص20

+”الويكاند /البدء “
“ تقول لنا حواء:
انتما زوج ظلال
جامعاكم
سرة ، براد، تيفناغ،
حزب سبح
باب الليسي” (ص21)
ف”حواء” رمز الخلق / البداية و”السرة “ رمز الولادة و”تيفناغ” رمز الانتماء الجغرافي والهوية المشتركة.

”الويكاند /النفي”

“ يقول لنا الطين:
خرجو مني
بنيو من عرايا جغرافيا
يعاني أفلاطون فيها وجع الهاردروك
و (كن) متوسطي” ص22
النفي تاريخ الحياة على البسيطة. في نظرية التطور، البر نفي من البحر، الكائنات البرية نفي للأصل الكائنات البحرية ،الإنسان نفي للديناصورات . في العرف الديني الأرض نفي من الجنة . كما القصيدة نفي للشاعر.
ليونس انزياحات ذهنية، ألعاب سحرية تعتمد الإيهام (illusions) . إنها شعرية (الهواء والنار) ولتوفيق انزياحات فيزيقية، بهلوان يصنع من كراته لوحات فنية إنها شعرية ( التراب والماء) .مشترك النص اندماج لمتخيلين شعريين أحدهما مثقل بالتاريخ وآخر حالم بالمستقبل. يلتقي الشاعران في بعد خارج زمكاني ليُدخِلانا لشعرية العناصر الأربعة للوجود حسب الرؤية الأرسطية. ( عبر النص سنقف عند رموزها: الاشتعال / الريح/ الحريق/ الحياة والموت/ التحليق / التحرر والسمو/ الطين/ الخصوبة / التطهر/ التمظهر المادي/ الصلابة / الهشاشة …)
في شعرية «التراب والماء» أحيل على نماذج :
« الطين اخضر
……..
ف اطريق
اخضر
يحني ممشانا
بنا يكثر
يعنق- خيال- الصغر» ( ص 24)
الطين إحالة للتكوين / التراب، سطرا نقط الحذف، هذا المضمر فيه يحيل على بلاغة الحذف أو الكتابة ببلاغة الفراغ، بين الطين والطريق كم مسافة تلزمنا؟
في شعرية الماء يقول ومان:

« الما تعثر كي شاف عينيك
ونشف ريقه ، كي غاص ف اهدابك
عشق نجوم السما فيك
وتغطى باشفارك» (ص13)
«يا يونس
انا
الطين شعل رجليا
شكى للبركان
وقدمني للبكارة قربان» (ص 36)
في شعرية الهواء والنار أحيل على نماذج:
يقول يونس:
« كنت شيخة أو جوكندا
شعليني عفاك من صهد احلامك
الجنة متهمنيش
ايلا تولدت من نارك» ( ص 32)
« يا توفيق
راه
توجعت في السما،
حفيانة
طلات الخطوة،
والإستعارة
بايتة عندي على وتر الجڇاز» ( ص 37)
«يا هوا
لو كان تعلمني نعجن تمثال
ننفخ فيه من خطوط الطول … من خطوط العرض
……
نكَّافة وحدة
وبزاف د الفراغ» ( ص 42)
النص كما أسلفت سفر شعري حواري يحمل فيه الواحد الآخر لتيسير قلق الإبداع / الطريق ( يذكرني بحكاية وافق شن طبقة في سؤال : أتحملني أم أحملك؟)
يقول توفيق: « يا يونس
نال مني التعب
شفت الطريق تعاتب فيّ
خمّلت خطواتي
ف قمر الليل
والنهار كشف رجليّ» ( ص 78)
يجيبه يونس:
« وا توفيق،
الحمّى طويلة ، النبوءة تدردك بلا خاطر
والرقاد فاتح المدارس « ( ص 79 )
ويضيف :
قال الواد:
محتاج تعنيقة حارة، كادو دافي، صورة حنينة، وباراسيطامول « (ص 85)
حوارية تربط الطريق بالقلق / الحمى التي تحتاج تفاعلا دافئا ومهدئات (paracetamol ).
لا ولن أدعي أني كتبت نقدا بمعناه الأكاديمي، لكن أقول بكل العشق الإبداعي هو سفر مواز وحالم في بعض النوافذ التي انفتحت لي وأنا أسامر العمل طيلة أيام قل طيلة أشهر وليس فقط «ويكاندات « حيث كلما قبضت على «راس الخيط» تنفلت مني «الكبة» لأعود للبداية ، للبحث عن منفذ آخر يمكنني من استجلاء فكرة أخرى ل
أ
غ
و
ص
في البحر الذي نسجه يونس وتوفيق في «ويكاندهم» .
كان ممكنا أن أنطلق في القراءة التقليدية عبر النص الموازي الذي شكلته عتبة العنوان ولوحة الغلاف والرسوم الداخلية للفنان التشكيلي المغربي الصديق عبد الكريم الأزهر، غير أن هذا يتطلب معرفة بصرية تليق بحجم الفنان وعيونه المشرئبة لآفاق مستقبلية رحبة.

* (شاعر )


الكاتب : احميدة بلبالي*

  

بتاريخ : 08/05/2020