هل تدفع كورونا شكيب بنموسي لإعادة النظر في التقارير ووضع مشروع تنموي
ينهض بمغرب أغلب فئاته «عطاشة»
كشفت كورونا عن أن فئات عريضة من المجتمع المغربي (عطاشة) ويعيشون حالة هشاشة، أغلبهم يعتمد على الاقتصاد غير المهيكل، ويعيشون بمنطق(كل يوم ورزقه)
اذا كان هؤلاء في الايام العادية يتدبرون حال يومهم وعيشهم، فإنه اليوم ، وفي زمن الحجر استفاقوا على واقع (الله كريم)، وجها لوجه مع واقع كانوا يهربون منه للخارج .
شرائح واسعة من مجتمعنا تعيش في زمن كورونا اياما من الجحيم، حيث يتكالب الفقروالحجروضيق المكان وضيق ذات اليد والإدمان والعجز و..،ليحيل حياتهم لصراخ وعنف وألم يتجرعونه صمتا خلف الابواب الموصدة.
حاولنا أن نخترق هذه الابواب المغلقة بالهاتف، لنترصد جانبا من معاناة، تتنوع اشكالها واسبابها وألوان العنف فيها في جهات اخرى.
40 فردا في بيت واحد و18 يتناوبون على مرحاض
في زقاق آهل بالسكان في المدينة القديمة بالدار البيضاء، وبالضبط في بيت يتكون من ثلاث طوابق،يعيش اكثر من 40 فردا،كل طابق به ثلاث غرف ومطبخ ومرحاض وفي كل غرفة تعيش اسرة تضم من 5 الى 8 افراد وحتى السطح به غرفتان عشوائيتان، تقطن في غرفة ام عازبة بطفل والثانية اختان يشتغلان بأحد المعامل.
في الايام العادية، يهيم اغلب ساكنة البيت للبحث عن مصدر الرزق ، اغلب الشباب يشتغلون في المرسى ،في حين يعمد اغلب الرجال (للبيع والشرا) باعة متجولون ،خصوصا وان المنطقة تشهد حركة رواج تجاري جيد (الحركة دايرة) اغلب نساء البيت يشتغلن اما خادمات بيوت او عاملات نظافة بالشركات او بائعات المسمن وغيره،والاطفال بالطبع في المدارس، وحتى حين يعودون مساء يكون التعب قد انهكهم ليخلد الجميع للنوم، الا الشباب يمكثون في الشارع حتى ساعات متأخرة من الليل.يتحينون فرصة ان ينام الجميع فيتسللوا لركن ما بالغرفة يرمون فيه اجسادهم حتى الصباح.
اليوم في زمن كورونا ،لاخروج ولا شوارع ولامعمل ولامدارس، 40 فردا عليهم ملازمة فضاء واحد، وكل 6 أو 8 منهم عليهم المكوث في غرفة قد لاتتعدى 3 امتار، يتناوبون على مطبخ واحد ومرحاض في كل طابق.
تقول اسماء (طالبة) أن اصعب اللحظات عندها هي عندما تريد الدخول للمرحاض فتجده دائما مشغولا ،بل هناك من (شاد الصف) ينتظر دوره قبلها.
مرحاض واحد لـ 18 فردا في البيت الذي تسكن اسماء إحدى غرفه هي ووالديها و4 من اخوانها، «لايعرف حالة سكون ابدا ،كثيرا ما ينشب الصراخ بسبب المرحاض ويأخذون في طرق ابوابه بشدة وبالشتم اذا ما اطال احد المكوث وضاق الحال بآخر.»قد يبدو الوضع غريبا ولكنها معاناة حقيقية تقول اسماء.» مشكلتنا الكبيرة تكمن في اننا نرغب في الاستحمام في المرحاض،فبعد اغلاق الحمامات لم يعد لنا مكان اخر للاستحمام غير المرحاض، وهو الامر الذي اضحى مستحيلا، ويتطلب منا الانتظار حتى ينام الجميع.
«النوبة على الكوزينة»قد تنقلب قبل الافطار لمعركة
اليوم كل من في البيت يستفيق في وقت واحد وينامون في وقت واحد وفي رمضان طبعا يفطرون في وقت واحد، فكيف لهذا العدد ان يحضر وجباته ويغسل أوانيه في وقت واحد وسط مطبخ واحد لايتعدى المترين والنصف.
معاناة يومية تنتهي بالشتم والسب وتتشابك فيها الايادي بين النسوة، ينزل سكان الطابق الثاني لفض الصراع، لكن صوت الشتيمة يصلك من خلف الجدران .بعد الافطار يبدأ السباق على من تستولي على حوض غسيل الاواني.
تختلط روائح الطبيخ فتخترق الغرف، هناك من يكتفون بالشم فقط ويقتسمون ماتيسر في صمت وحسرة، ليصبحوا بعدها موضوعا يتقاسمه النسوة على السلالم في الصباح.
الدراسة عن بعد وسط
الضجيج عن قرب
«لا أستطيع الدراسة في هذا الجو، تقول اسماء،ننهض صباحا على الشجار اليومي لوالدي «نوض جيب مانطيب» «منين غانجيب ليك» «اشنو غانوكل هادو» ترتفع الاصوات، فجأة يطالعك صراخ من الغرفة المجاورة، مليكة جارتنا يضربها زوجها ،تهرع لغرفتنا في الوقت الذي بدأت فيه حصة الدرس،أضع السماعات في اذني واحاول ان اتابع بالكاد ما تبقى من الدرس.
لا يستطيع التلاميذ في هذا البيت متابعة دراستهم عن بعد . «التلفزيون للتفراج ماشي لقراية»تقول جدة سمير في الخامس ابتدائي وهي تتابع فيلمها التركي المفضل. في حين تسمع صهيل احمد مراهق مدمن على المخدرات، «وطفيوا التلفزة الله يلعن….. خليونا نعسو «
قليلون هم الاطفال الذين يتابعون دراساتهم عن بعد في البيوت المكدسة التي لا تصلها كاميرات التلفزيون، أما أنا تقول اسماء، فأستكين لليل لأراجع مايبعث لنا به الاساتذة من دروس.
الشبان لايمتثلون
للحجر… مكرهين
شباب البيت الذي نقطن فيه ،تقول اسماء،لايجلسون معنا في البيت يتحلقون في الزقاق رفقة اصدقائهم من الحي،لايدخلون حتى ساعة متأخرة وينام جميع من في البيت.
قد يعيب البعض الذين لايعيشون نفس الاوضاع على الشباب لكونهم متهورين وغير منضبطين ،لكن الواقع ان هؤلاء الشباب يرون انه من غير اللائق ان يضايقوا النسوة والفتيات وهن يقمن بأشغال البيت، او يتزاحموا معهن على المرحاض او يستحملوا صراخ الاباء او ضرب الامهات ،انهم ينأوون عن انفسهم من مواقف فيها الكثير من الاحراج لرجولتهم.
اضافة الى ان اغلبهم يتناولون السجائر والمخدرات وهي اشياء بالطبع لايمكن ان يقوموا بها وسط الاهل في غرفة واحدة.
النساء يتعرضن يوميا
للتعنيف والضرب والشتم
لايخلو يوم واحد دون ان تعنف احدى نساء البيت ،يعلو صراخهن ثم ينهمرن بالبكاء، يجر احمد (بائع متجول) سعيدة من شعرها حتى خارج البيت ويركلها على مستوى الظهر ،يصرخ الاطفال يلطم اكبرهم سنا ،يتدخل الجيران بسرعة لحماية المرأة، ويهرع هو للشارع يسب ويشتم ويجلجل ،دائما تتعرض سعيدة للضرب ،لكنها لا تريد ان تبوح لأحد بالسبب الذي يجعله يبرحها ضربا، وكأنها تخفي سرا أو أن الامر يتعلق بأشياء خاصة بينهما ،هكذا يتهامس نسوة البيت، تبكي بحرقة تحتضن اطفالها وتعود للغرفة.
حال سعيدة كثير في هذا الحي،فأغلب الرجال مدمنين ومقطوعين في رمضان وما خدامينش، يفجروا غضبهم على اجساد زوجاتهم اللواتي يتجرعن في الم هذا العنف في زمن لايستطعن فيه الخروج من البيت حماية من فيروس كورونا، بينما يعشن يوميا فيروسات اخرىينشرها الادمان والعنف والفقر.
حال هذا البيت في المدينة القديمة بالبيضاء، مثله كثير في كل الاحياء الشعبية التي تشهد تكدسا بشريا،مثله في درب السلطان ،درب غلف ،الحي المحمدي بل في كل ربوع الوطن ،قد تختلف الامكنة وبعض التفاصيل، لكن المعاناة واحدة في كل النفوس البشرية.
الوضع نفسه يعيشه اغلب قاطني السكن الاقتصادي، فضيق هذه المساكن التي تضم في أغلبها عدة افراد، بل منها من تتعداها للاقارب، يجعل الحياة صعبة خصوصا بالنسبة للمراهقين والشباب ،وايضا للتلاميذ والطلبة الذين عليهم متابعة الدراسة في جو يطبعه الهدوء والتركيز، اضافة لضيق ذات اليد، خصوصا وان اغلب ساكنة هذه الدور منحدرين من دور الصفيح ويعتمدون على العمل اليومي في تدبير أمور عيشهم.
وهناك بيوت معدمة،تعيلها نساء ارامل او امهات عازبات يعشن من بيع الفطائر او كسالات في الحمام أو خادمات في البيوت ، او فراشات في القيساريات، تجد نفسها اليوم وهي خلف أبوابموصدة في حالة املاق شديد .
لقد كشفت كوروناوبالأرقامعن حالة الهشاشة الكبيرة التي يعيشها المجتمع المغربي، ولم يعد بإمكان الدولة تغطية الشمس بالغربال ، يجب النهوض بوضعية الانسان المغربي ووضع استراتيجية لحمايته وضمان عيش كريم له، يغنيه عن مد اليد في كل مرة لأخذ قفة المواد الغذائية مع الحرص على تصويره ونشر صورته للعموم امعانا في إذلاله.
على السيد شكيب بنموسي ان يعيد بناء مشروع تنموي للنهوض بوضعية المغاربة بناء على الواقع الذي عرته كورونا بالأرقام، وليس على تقارير مكتوبة.