الخوف الوراثي في مزبلة التاريخ
سعيد رحيم
توارى اليوم الأحد حادي عشر يونيو 2017، والى الابد، الخوف الوراثي الذي سكن فئات وطبقات عريضة من المغاربة، منذ أزمنة غامرة.
فقد أكدت المغربيات والمغاربة، الذين شاركوا تلقائيا اليوم في المسيرة الوطنية الوحدوية بوسط مدينة الرباط، استجابة لنداء القوى الحية الديمقراطية والسياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية، تحت شعار “وطن واحد، شعب واحد ضد الحكرة”، أن عهد الرعب والخوف الذي زرعته ممارسات السلطة المخزنية -على مر العصور – قد تم إلقاؤه بمزبلة التاريخ.
فعلاوة على أن هذه المسيرة الاحتجاجية التي شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين من مختلف أنحاء البلاد للمطالبة أساسا بإطلاق سراح قادة انتفاضة الريف وإيقاف المقاربة الأمنية في التعامل مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية للمنطقة ولكل مدن وجهات المغرب، فإنها استطاعت بقوة شعاراتها وسلاسة تنظيمها أن تقلب صفحة جديدة من صفحات تاريخ المغرب الحديث المليء بالصفحات سوداء ومن صور القمع والاضطهاد الجاثم على الذاكرة الوراثية للمغاربة.
فعلى الرغم من المحطات التاريخية التي جسدت جسارة المغاربة في الدفاع عن حوزة الوطن – منذ عهود غابرة وطردهم لمختلف أشكال الاستعمار والتصدي لتجاوزات بعض “خدام الدولة” او لقرارات الدولة بعينها – إلا أن تاريخ القمع الداخلي ظل، وإلى حين قريب جدآ، مانعا من التحرك والتضامن الجماعي لأجل رفع هذا القمع المسلط من طرف المخزن وآلياته الجهنمية على عموما المواطنين، ماديا ومعنويا.
ذلك أنه من الصواب جدا التذكير بمحطات الرعب هذه والخوف التي زرعها جهاز الدولة التقليدية في نفوس وفي ذاكرة المغاربة، حتى جعلت الكثيرين منهم يتراجعون عن المطالبة بحقوقهم المشروعة كلما تذكروا الحملات القمعية المنظمة حيال أناس سابقين، لم يكن مصيرهم سالما.
وتجاوزا لما شهده مطلع انتشار الإسلام من المشرق إلى المغرب، حيث لا زالت واقعة رحلة القيادي العسكري الأمازيغي “كسيلة” من المغرب الى تونس لقتل القائد عقبة بن نافع تثير الكثير من الأسئلة والاستغراب حول فضاعة ما يحتمل اقترافه من طرف ابن نافع في حق المغاربة،
آنذاك، لتجعل كسيلة يتحمل مشاق وأعباء الطريق ليقوم بفعلته تلك!.
وتجاوزا كذلك لما يحتمل اقترافه من قبل الجيش الذي استقدمه، من اليمن، قادة الدولة الموحدية من فضاعات قبل حوالي ألف عام جعلت المغاربة القاطنين بالسواحل يفرون هلعا للاحتماء بالمناطق الجبلية ؟!
تجاوزا لكل هذا “يحكى” أن أحد السلاطين المغاربة قطع رأس أحد العبيد بسبب انزياح المظل الكبير، الذي كان يحمله، واقتحام أشعة الشمس رأس السلطان على حصانه مما جعله يسل سيفه ويطيح برأس العبد! “.
إن تذكر حبس قارة الرهيب و الغريب الأطوار في مدينة مكناس الذي لا يعثر على إثر لمن ألقي بداخله تجعل رواية قطع رأس العبد بهذه الصورة البشعة، أقرب إلى الحقيقة !.
فعلى امتداد التاريخ “التقليدي” القديم للمغرب تجسد العديد من المآثر التاريخية خصوصا قصبات القواد، دائعي الصيت، الذي كانوا يحكمون المناطق والقبائل بالحديد والنار، شهادة حية على الفضاعات المرتكبة في حق الأهالي.
والمقصود بالضبط من ذلك المطامير التي كان يحفرها القواد(على عمق بئر بدون درج) بداخل مقرات إقامتهم بالقصبات، حيت يلقون بالسجناء ومعارضيهم بداخلها في انتظار العفو أو الموت بداخلها.
كما يتردد لدى الكثيرين في تلك الفترات قبل دخول عهد الحماية والاستعمار أن هؤلاء الحكام قواد المناطق كانوا يدفنون السجناء والمعارضين لسياستهم بداخل الأسوار العريضة للمدن أو البنايات الكبيرة.
وحتى فيما بعد الاستقلال، وخلال ما أطلق عليه سنوات الرصاص. يتذكر المغاربة بقرف واشمئزاز مواقع الرعب المنظم، السيئة الذكر، في كل من “تازمامات” و”درب مولاي الشريف”” وقلعة مكونة ” و”دار المقري” والدار الحمراء” و”الكوربيس” وغيرها من الأماكن السرية والمعروفة آنذاك.
وكل هذه المواقع في عهد سنوات الرصاص لم تكن تختلف عن مواقع الرعب التي شيدها الحاكمون قواد المناطق والقبائل، والذين لا زالت الكثير من أسمائهم تتردد في أوساط العامة بتلك المناطق، وظل تأثيرهم النفسي على الساكنة ممتدا لزمان!
لقد شكلت كل هذه المحطات، التي نستعرضها باختصار اليوم، جزءا رهيبا من الذاكرة الجماعية الموروثة، التي جعلت فئات مهمة وكبيرة من المغاربة تنظر في مناسبات عدة بتشاؤم إلى المستقبل، قبل أن تتحطم هذه الصورة في المسيرة الوطنية الوحدوية ليوم أمس الأحد من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.
إن ظاهرة من هذا الحجم المؤثر في الفعل الجماعي وفي تشكيل النفسية الجماعية الوراثية تستحق بالفعل دراسة أكاديمية على مستوى علم النفس الاجتماعي، من أجل فهم أكثر لمجتمعنا المغربي التواق إلى الارتقاء بسلوكه الحضاري والتربوي، حيث يمكن سد الخصاص في هذا المجال.
الكاتب : سعيد رحيم - بتاريخ : 22/06/2017