«رقص المرايا» للقاصة نعيمة القضيوي الإدريسي الهم النسائي وتعرية الواقع

 

في هذه المجموعة القصصية «رقص المرا» للقاصة نعيمة القضيوي الإدريسي تتجلى مقدرة القاصة على الإفادة من التراث السردي الغني، حيث اللغة متسقة مع مادتها نفسيا واجتماعيا، كتبت بقلم متمرس ورقيق الحساسية وقد تبدو بسيطة في سياق تعرية واقع بكتابة لها نكهة الماضي، وراهنية الحاضر في تحقيق علائق جدلية بين الشخوص واللغة وطريقة السرد التي تخترق حاجز المنتظر المتوقع للوصول إلى الإدهاش وقيمة الصدمة، حيث الكشف بهذه الصيغ التعبيرية عن تسلط مفردات سردها الإخباري، ورؤيتها الواقعية لشريحة من النساء تتلاقى في خوفها وقلقها وشعورها الخانق بالعزلة والاستفراد. فتناول حيثيات النصوص وملاحقة انعكاساتها لم يكن ليخلو من الأسئلة التي يتناولها التصاعد الدرامي لبنية القصص عبر لغة حافلة بالتشويق، وأسلوب مراوغ وهي تواصل استحضار الهم النسائي عبر هذه النصوص التي كانت في مستوى القدرة المدهشة على استخدام مستوى التحليل في مناقشة ما يبدو موضوعا عاديا مع القدرة المماثلة على الوصول إلى رصد دقيق لأبعاد هذه الظاهرة .. القاصة نعيمة القضيوي، رغم قصر عمرها الأدبي، إلا أن أضاف الكثير من العمق لتجربتها القصصية القصيرة جدا من حيث تكنيك الكتابة، وأسلوب التقاط الفكرة واللقطة التي تبني وتشيد عليها عالم قصصها، مستخدمة لغة مقتصدة للغاية ومشحونة بالعواطف والانفعالات وبالأسلوب المختصر، جاءت ملتهبة بالتيار النفسي الداخلي الذي يوتر المتلقي / القارئ لدرجة كبيرة. فدقة القاصة في استبطان رقص المرايا وشدة توتراتها، وفي عمق معرفتها القصصية القصيرة جدا المتمثلة في الطاقة التخييلية المركبة في عمق جملها القصيرة حيث َشْكل الكتابة الدرامية لهذه النصوص هو سر قوتها في تجريبيتها، وشكل انبنائها هو السر الكامن وراء جرأتها في استنطاق المحظور.
وتأسيسا على ذلك، لا يمكن للصور القصصية التي أنتجتها القاصة إلا أن تكون آلية جمالية راجحة في رسم مفارقة الحدود المسكوكة للشخصية الغريزية المغرقة في البدائية التي تعكس النهم الأزلي للذات الأنثوية وامتلاكها.
* أصالة التجربة القصصية القصيرة جدا: الكشف عن مقدرة القاصة ،القصصية القصيرة جدا من حيث امتلاكها لأدوات القص القصير جدا بكل ما تتضمنه من زاوية الالتقاط وبناء الشخصية ووضوح وسيلة التعبير الحامل لعنصر المفاجأة الذي يشد القارئ ويجعله متعلقا بأحداث القصة. ..
* الإيجاز هو القصر الأقصى، والاختصار الممكن الذي يمس النص ويجعل جمله المكونة له، تشكل المعنى بأقل الكلمات ويتم الاستغناء عن كل ما يطيل النص من إطناب ووصف وتوصيف ، وإضافات ومن ثم يصبح النص يتميز بالإيماض، والإبراق المكثف، والقصر، والسرعة ، والإيقاع السريع، والحركة والدينامية، والاكتفاء بالأساسي لتأدية المعنى .. والإيجاز يؤدي إلى التكثيف ، وهو ما يدفع القارئ/ المتلقي إلى التأويل والبحث عن جعل النص له معنى، والقصة القصيرة جدا كتابة إيجاز وهذا يمنحها جمالية وقوة إيحائية ، تحفز القارئ على بذل الجهد للوصول إلى المعنى من خلال اعتماده على التأويل .. وضع السيناريوهات )استراتيجية القراءة والتأويل) .. وهذا كله ناتج عن ظاهرة تتميز بها القصة القصيرة جدا وهي : ظاهرة يسميها الدكتور علي الشرع ب(ظاهرة التأزم والانفراج) أو(التحفز والتفريغ) والتي يعني بها أن النص الإبداعي في القصة القصيرة جدا يتشكل من تركيبين لغويين: الأول يستثير المبدع «توقع القارئ أو تحفزه، وفي الثاني يشبع هذا الشعور بالتحفز»1 .

قصة «قوس قزح»

«تتقلب ذات اليمين وذات اليسار. في إحدى المناسبات ألقت خطبة التفتت لها الرؤوس مشرئبة، في اليوم التالي شاهدوها ترقص وهي عارية. بعد شهور اعتلت منصة البرلمان منددة بالفساد.

قصة «أطعمة»

«بطعم الحلاوة استساغت كلامه ، بطعم الملوحة وقع لذته وغاب، بطعم المرارة ابتلعت غصتها، وبطعم سكرة الموت، استسلمت للقدر.»

قصة «مزاد»

« في مزاد علني، وفي سابقة من نوعها، يعرض قميص امرأة كتب عليه: « قميص للبيع لم يخلعه رجل بعد…»

قصة «حالة تلبس»

«ضبطته متلبسا في حضن الخادمة، وقفت ذاهلة وصرخت ما هذا؟ رد عليها: ( أو ما ملكت أيمانكم)».

في هذo النصوص القصصية القصيرة جدا، نجد التركيز على الإيجاز والتكثيف، حيث أن القارئ أمامه يكون في حالة تأزم لما يعتريه من ارتباك وقلق أمام المعنى الناقص والذي أصبح ضمنيا عليه البحث عنه، إذ أنه يصطدم بما لم يكن يتوقعه وهنا تحدث المفارقة حيث أن فعل التجسس والتلصص أصبح اعتياديا، والموقف المشاهد أصبح صورة أو مشهدا اعتياديا ويوميا ، وهذا يخيب توقع أفق انتظار المتلقي، ويولد لديه كما قلنا نوعا من التأزم يدفعه إلى طرح مجموعة من الأسئلة ، والتي يبدأ في البحث لها عن جواب، ومن ثمة يلجأ إلى التأويل ومحاولة سد كل الفراغات. وعندما يستوي المعنى لديه، يشعر بنوع من الرضا وهو في مدلوله انفراج وتحفز ينتج عنه حكم قيمي…
المجموعة القصصية «رقص المرايا» تعبر عن معان تهيمن على اتجاهات متعددة لشخصيات ذات أقنعة، حيث التباين والتناقض رغبة في اصطياد الطريدة بأسلوب القص القصير جدا، خصوصا حين يميل إلى روح المفاجأة والذي تمتلك ناصيته ومقوماته القاصة، حيث التفاعل المبهج بين اللغة والأسلوب والتقنية والإيقاع والرؤية.
هامش:

– محمد الجزائر، آلة الكلام (النقدية) منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، (د.ط) 1999 ،ص: 17


الكاتب : محمد محقق

  

بتاريخ : 18/05/2020