النرجسية السياسية القاتلة…

عبد السلام الرجواني

من يتمعن تاريخ الاتحاد قد ينتهي إلى أن هذا الحزب كان ولايزال « راس المحاين» في هذا البلد. فكم هي المحن التي حلت به منذ التأسيس حتى الآن، زمن السجون الرهيبة والاغتيالات المنظمة ومحاولات الاجتثاث، مرورا بزمن تزوير الإرادة الشعبية والتشهير الإعلامي، إلى محاولات  تفجيره من الداخل. كثيرا ما  تمكن الاتحاد من تجاوز المحن بفضل صمود مناضليه وحكمة قياداته والتفاف شرفاء الوطن من حوله.
غير أن أصعب المحن هي تلك التي مست وحدته، وأضعفت تماسكه الداخلي، وزرعت الشك في صفوفه، وأصابت الجذوة النضالية في نفوس أبنائه وبناته، وأساءت لصورته لدى الشعب. إن اكبر محنة وأقساها على النفس، وتصعب مواجهتها، هي التصدع الداخلي جراء صراعات مفتعلة أو لنقل لخلافات يتم تضخيمها لاعتبارات غالبا ما تكون ذاتية، غايتها الإساءة لمن ننافسه الزعامة أو القيادة. وقد مر الحزب بأكثر من محنة من هذا النوع اواسط الستينات وبداية الثمانينات، وفي التسعينات من القرن الماضي، وكذلك في بداية القرن الواحد والعشرين إلى اليوم. لم نخرج من المحن أقوياء بل خرجنا في كثير منها بخسارات فادحة ومنهكة، تجلت في انشقاقات متفاوتة من حيث الحجم  والمدى التنظيمي، لكنها جميعها أسهمت في تفتيت الحركة الاتحادية، ورسخت ثقافة الانشطار في المشهد السياسي المغربي وفي صفوف اليسار عامة. ومن المؤسف حقا، إن الأ زمات الداخلية ظاهرة محايثة للعمل السياسي اليساري في بلادنا كما في كل البلدان الديمقراطية، والأمثلة عديدة وبادية للعيان، ولا يجد من هم وراءها من مبررات سوى اتهام  القيادة بالانحراف عن الخط السياسي والاديولوجي، والفساد الأخلاقي، والاستبداد التنظيمي، وعدم احترام قواعد الديمقراطية الداخلية، والتعامل مع النظام، وغيرها من «سهام النقد» القاتلة التي تكتسي طابع العنف اللفظي إلى حد التعيير والقذف في الأعراض. اتهم سي عبد الرحيم بالانحراف عن الخط الثوري الجماهيري لما تشبث باختيار النضال الديمقراطي رغم التزوير المنهجي للانتخابات، واتهم سي عبد الرحمان من قبل بقايا البلانكية بالخيانة لما لبى نداء الوطن وقاد حكومة التناوب التوافقي، وتعرض سي محمد اليازغي لحملات شعواء وظالمة بسبب حزمه التنظيمي ووضوح مواقفه السياسية، فكان من الطبيعي ألا يسلم ادريس لشكر من سهام من تشبعوا بثقافة الإساءة للقيادة في كل زمن، لا تحركهم سوى نزواتهم المنفلتة من عقال العقل وأهواؤهم الدفينة التي تشرط مواقفهم بنصيبهم من غنيمة متوهمة. لا أنزه القيادات الاتحادية التاريخية والحالية عن الخطأ، لان السياسة عمل إنساني تحكمه النسبية في تقدير الظرف بكل حيثياته، وفي بلورة المواقف. ولا أعيب على احد ممارسة حقه في نقد القيادة. لكن للنقد والنقد الذاتي في لوائحنا التنظيمية قواعد إجرائية وقنوات، وله في ثقافتنا الحزبية معايير أخلاقية. أما أن يتحول النقد إلى سباب وتعيير ومطالبة بقطع الرؤوس، فهو عمل لا يمكن القبول به آيا كان مصدره وأيا كان المستهدف. ويحز في النفس حينما تنخرط وجوه قيادية، ولها نصيب من المعرفة والخبرة السياسية والرصيد النضالي، في مثل هذه السلوكات المخلة بقيم المناضل الاتحادي وبالعلاقات الإنسانية. ويحار المرء في تفسير هذه الرعونة في السلوك والإسفاف في القول.
ورفعا لكل لبس أو تأويل سيء، لابد من توضيحات ليس خشية من دأبوا على السباب، وإنما احتراما لكل اتحادي واتحادية يومن بجدوى الحوار وان الاخوة الاتحادية هي التي يجب أن تنتصر، وتوضيحاتي هي
– القيادة، أية قيادة، يمكن أن تصيب ويمكن أن تخطىء،
ومن  حق المناضلين والمناضلات نقدها ومحاسبتها إن أخطات، ومن حقها عليهم الثناء عل  انجازاتها ودعم مبادراتها؛ويجب أن يتم ذلك في الزمن والمكان و المؤسسات المناسبة؛ مع العلم أن الرضى أو السخط ما كان يوما ولن يكون ابدا يشمل كل المناضلين والمناضلات، ولذلك فان القرارات تخضع لمنطق الأغلبية والأقلية وليس لنزوات أقلية الأقلية التي تسعى لفرض ديكتاتورية الأقلية عن طريق ادعاء النزاهة والفضيلة والأصالة وغيرها من الادعاءات…
– النقد ممارسة بناءة حينما يقوم على المعرفة والفهم والتحليل والتقييم، ولكنه يتحول إلى عويل وصراخ وسباب بناء على الإشاعة والخبر الناقص والفهم السطحي والتأويل المغرض.
– لا أتحدث عن أي شخص بعينه ولا عن حدث معين، وإن فهم بعضنا ذلك فإني أعتبر الشخص والحدث مناسبة للخوض في أشكال حقيقي تعاني منه الأسرة الاتحادية بل اليسارية عموما، مفاده النزوع إلى بناء المجد الذاتي ولو على جثة الأخ والرفيق، والجموح إلى تزعم سربة الخيالة ولو على ظهر حمار. إنها النرجسية القاتلة التي مآلها الخروج عن السكة والبحث عن ملاذات أخرى تفتقد لشروط الحياة.
– الحاجة إلى نقاش هادئ وجدي لخطة عمل ما بعد كورونا، وفي هذا الصدد اقترح على المكتب السياسي ورئيس المجلس الوطني الإعداد لمجلس وطني متميز يدوم يومين وينصب على ثلاث قضايا: الأوضاع الوطنية في ظل الوباء وآفاق المغرب،  الأداء الحكومي وتقييم مشاركتنا، الإعداد للانتخابات المقبلة. على أن نعتمد صيغة الأوراش لإتاحة الفرصة لنقاش معمق.

الكاتب : عبد السلام الرجواني - بتاريخ : 20/05/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *