“تجفيف منابع الإرهاب” للدكتور محمد شحرور 24- أي تجديد لا يسمى تجديدا إلا إذا اخترق الأصول علماء يقرنون  الحرمان من الرزق بالعقل

كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور ، كتاب يضع من خلال فصوله ، الأصبع على الجرح بشكل  مباشر .
العنوان قد يراه البعض أنه مستفز، انتبه إليه الدكتور شحرور وأجاب عنه بوضوح  تام، حيث يؤكد أن اختيار هذا العنوان جاء  لقناعة منه، بأن الحل الأمني فى معالجة ظاهرة الإرهاب المنتشرة فى العالم لا يكفي،  وإنما هى مرتبطة بأمرين اثنين وهما، الثقافة المنتشرة فى مجتمع ما، والاستبداد.
في ثنايا هذا المؤلف المهم ،تطرق  الفقيد الدكتور محمد شحرور إلى  مواضيع  عدة ويتساءل أيضأ، هل الإسلام حقا مسؤول عن  الإرهاب  ،أم المسؤول هو الفقه الإسلامي التاريخي، الذى صنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟،كما تطرق إلى سؤال آخر ، هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة يتم  بمكافحة الإرهاب، وهل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب،  أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟.
لم يتوقف الكتاب عند  طرح  الأسئلة  فقط، بل يجيب عنها بعقلانية أيضا،كما وقف بالتفصيل على تفاسير  معاني العديد من الآيات القرآنية  الكريمة،ويؤكد أن تفسيرها غير الصحيح،سبب  انحرافا ملحوظا عن الرسالة التى حملها الرسول (ص)، لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والكفر والردة.
الطبعة الثانية الصادرة عن دار الساقي،جاءت، لأن المنهح كما يقول المفكر محمد شحرور،  فرض علينا تعديل بعض المفاهيم التي وردت في الطبعة الأولى،  ولاسيما أن هذه التعديلات أجابت عن تساؤلات كثيرة كانت لاتزال  عالقة.
لايحمل الكتاب فقهاء تلك العصور وزر مانحن فيه كاملا، بل حمل المسؤولية من أتى بعدهم وزر الوقوف عند رؤيتهم بصحيحها وخطئها، داعيا إلى الخروج من القوقعة التي نحن فيها.
ونبه الكتاب إلى ضرورة ألا نضع أنفسنا كمسلمين في موضع الاتهام بكل مايعيشه العالم من تطرف وإرهاب، في نفس الآن، يرى أنه لزاما علينا  إعادة النظر في أدبياتنا وماتراكم من فقه،فالعالم لايتهمنا دائما بغير وجه حق، ويخلص إلى أن الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية ليسوا مجرمين في الأساس، بل هم  غالبا ضحايا تزوير الدين وتشويهه، فهم من وجهة نظره، نشأوا على تمجيد الموت، والنظر إلى القتل كالقتال والشهادة، والآخر المختلف كافر يجب القضاء عليه.وتعلم أن الجهاد في سبيل الله هو قتل الكافرين، بغض النظر عن مقياس الكفر والإيمان. 

 

ويناقش أيضا محمد شحرور  الأمر في الحديث الثاني، ويقول ،هناك أمور لاتقل عجبا من الحديث الأول، أولها، أنه يتعارض مع قصة الخلق كما وردت في آيات التنزيل الحكيم، ومع قصة الخلق التي رواها المفسرون أخذا من كتب الأثر المليئة بالإسرائيليات،وكذلك زعمه أن الله أهبط آدم إلى الأرض، فإن سأله سائل، فأين كان آدم قبلها؟،قال، في جنة الخلد وهذا ما أقره القرآن الكريم، ناسيا أن جنة الخلد لم تكن موجودة في زمن الخلق الأول، ولا في زمن نزول الآيات، ولا الآن، لأن الجنة والنار مرتبطتان وجودا بيوم القيامة، بدليل قوله تعالى من أول سورة التكوير في وصف ماسيحدث من تكوير الشمس وانكدار النجوم وتسيير الجبال وحشر الوحوش ونشر الصحف إلى أن يقول “وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت”، أما ثالثها،زعمه أن آدم قبل الهبوط إلى الأرض مر بتجربة قاسية فشل فيها  وتعرض لامتحان صعب رسب فيه، فعصى أمر ربه وغوى، وتساءل محمد شحرور، هل كان آدم خلال ذلك كله بلا عقل؟ورابعها، يضيف، إن كان آدم بلا عقل قبل أن يأتيه جبريل، فكيف صح عنده أن العقل هو أفضل الخصال الثلاث المعروضة عليه؟.
وبخصوص الحديث الثالث، يقول الدكتور محمد شحرور، فهو إما من تأليف جبري جاهل، أو وضع مغرض خبيث عالم، ولايقل أحدهما عن الآخر إضرارا بالفكر وإضلالا للخلق، فأول الحديث افتراء على الله، ووسطه حض على الأخذ بالجهل، وآخره دعوة وقحة إلى ترك العمل، وهو بجملته كاف إن تم تطبيقه عمليا، لإهلاك وتدمير ألف أمة وأمة.
ويرى  الدكتور شحرور، أن قائل الحديث يزعم أن لله سبحانه، قرن الحرمان من الرزق بالعقل  وجعل العقلاء محرومين،وقرن سعة الرزق بالجهل وجعل الجهلة مرزوقين، فأوكل هذا بهذا وذاك بذلك، ثم بين أن القصد الإلهي من ذلك هو تعليم العقلاء أن لاحيلة لهم في الرزق لأن الرزق مقسوم كما هو شائع عند الجبرين من العوام في قولهم “لو تجري جري الوحوش غير رزقك ماتحوش”. متسائلا، من أين استقى قائل الحديث هذه المعلومة الخطيرة في أهميتها، فلم نجد ظلا  لهذا الافتراء، بل على العكس تماما وجدناه سبحانه  في عشرات المواضيع يرفع من شان العمل ويأمر به، ووجدناه-يضيف-يحط من شأن الجهل ويذم الذين لايعملون. ويستشهد الدكتور محمد شحرور في هذا المجال بقوله تعالى “كل امرىء بما كسب رهين” و”لايكلف لله نفسا إلا وسعها  لها ماكسبت وعليها ما اكتسبت”، أي لها أجر ما عملت من عمل صالح مفيد ومنتج، وعليها عقاب ما عملت من عمل طالح ضار هدام ويستشهد  دائما  بآيات من القرآن “ربنا وآتنا ماوعدتنا على رسلك ولاتحزنا يوم القيامة إنك لاتخلف الميعاد “وقوله تعالى “فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى بعضكم من بعض “.
الأهم من ذلك كله،  يقول المفكر السوري، إن لله يربط الدخول إلى الجنة بالعمل فيقول “الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ” وقوله “ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب” وقوله تعالى “تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون” هذه الآيات يقول الدكتور محمد شحرور، تدحض مااعتاد العلماء ترديده على مسامعنا في دروسهم وندواتهم وبرامجهم ليل نهار على شاشات الفضائيات والقول إن الإنسان لايدخل الجنة إلا برحمة لله، وكأن مهمة النبي عندهم أن يكذب لله ورسوله.


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 22/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *