الناقدة والروائية زهور كرام في «حديث الخميس»: لأول مرة، نعيش التحول وننتمي إلى زمنه ونفكر فيه : العالم تأويل مستمر بموجب التحولات ونحن اليوم شركاء في هذا التأويل

حلت الناقدة والروائية المغربية زهور كرام يوم الخميس الماضي، ضيفة على حلقة «حديث الخميس» الذي أطلقته كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ، كمنصة لتفاعل العلوم والمعارف من أجل إنتاج رؤى وتصورات حول هذه اللحظة المفصلية التي يعيشها العالم، والمغرب ضمنه، في سياق التبدلات والتحولات التي مست مجموعة من المفاهيم التي كانت سائدة ماقبل الجائحة، والتي اختارت مقاربة هذه التحولات من باب التكنولوجيا واللايقين.

 

اعتبرت الناقدة والأكاديمية زهور كرام أن العلوم الإنسانية مطالبة اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بالانخراط في القضايا الراهنة لإنتاج معنى وتصور حول ما يحدث اليوم في العالم لأن انخراطها من شأنه أن يطور مناهجها، ويجعلها رهن الاستجابة للتحولات التي يعرفها العالم، مؤكدة أن العلوم اليوم لم تعد تعيش التخصصات الدقيقة بل أصبحت مطالبة بالانفتاح على بعضها لتكون شريكة في إنتاج المعنى في الوجود والعالم والطبيعة.
وعن اختيارها مقاربة موضوع «اللايقين» من زاوية التكنولوجيا ، الذي تبدى بشكل واضح خلال الجائحة، اعتبرت صاحبة «ربات الخدور: مقاربة في القول النسائي» أن الاختيار فرضته الحاجة الملحة، اليوم وما بعد كورونا، إلى توضيح علاقتنا وتمثلنا لهذه المستجدات بالاعتماد على توسيع مفهوم الاحتمال الذي يوسع بدوره معنى وجود الإنسان باعتباره ذاتا عاقلة ومفكرة ومؤثرة ومتأثرة بما حولها، مضيفة أن الانتصار للإنساني يسمح بإدراك التحولات الممكنة من قبل الإنساني وأيضا العلمي.
وتساءلت زهور كرام أن إدراك هذه التحولات لابد أن ينطلق من أربع محطات أجملتها في:
كيف نقترب من تفكيرنا.
2 ملاحظات في منهجيات التفكير.
3- نحن والرقميات.
4- الرقميات والعلوم الإنسانية وتحديات المواجهة ما بعد كورونا.

التفكير باستدعاء
الجديد والمختلف
إن الاقتراب من طرائق تفكيرنا، يقتضي حسب مؤلفة رواية «قلادة قرنفل»، التوقف للانتباه والتأمل في طريقة التفكير وما يتغير من حولنا وهو ما يسمح لنا بتفكير مختلف وجديد، مضيفة أن بناء تصور معين للأشياء والعالم والظواهر لا يتحقق في غياب إدراك الإنسان لموقعه كذات مفكرة لأن التفكير يتغير ويتطور بوجود عناصر جديدة ومجاورة للعناصر المألوفة والموجودة سلفا، كما أننا لا نتمثل الأشياء في استمراريتها واستمرار فعلها في تفكيرنا إلا باستدعاء عنصر جديد ومختلف.
وأضافت صاحبة» في ضيافة الرقابة» بهذا الخصوص أن الوعي بما يحدث اليوم ، خاصة مع الثورة الرقمية الرابعة وبداية ظهور ملامح الثورة الرقمية الخامسة، لا يتحقق إلا بالوعي بما سبق من أجل إدراك معرفي وفلسفي بين الفاعل التكنولوجي التقني والفعل الاجتماعي، والوعي بطبيعة التغير الاجتماعي.

كيف سنُقرأ
ونُفهم مستقبلا؟
ترى د. كرام أن التفكير في زمن الجائحة وما بعدها يتميز اليوم بكونه يتم من داخل الحدث، لأننا لازلنا نعيش هذه المرحلة بكل أسئلتها وإكراهاتها، وما تحدثه على مستوى علاقة الذات بالمجتمع والعالم، مثيرة ما يصاحب هذه المرحلة من انزياحات على مستوى المفاهيم التي شكلت حياتنا وتصوراتنا للذات والعالم والإنسان قبل الجائحة، مشيرة إلى أننا نرى اليوم هذه المفاهيم وقد انزاحت عن دلالاتها التي ألفناها في زمن الحداثة.
وأكدت كرام بهذا الخصوص أن تفكيرنا اليوم يبدأ من الانتباه إلى هذا التحول الذي يبدأ منا وفينا ومن حولنا، ما يدل على أننا نعيش هذه الحركية التاريخية عن قرب بل من الداخل، وأننا نفكر في موضوع ننتمي إليه بعد كنا مستقبلين لمجموعة من المفاهيم والتصورات التي بنينا فهومنا وفق الشكل الذي قُدمت به إلينا من طرف مجموعة من المفكرين والمنظرين كمفاهيم الحداثة، الفرد، الآخر، العولمة، المرأة، الرجل… فبعد أن كنا نتواصل مع هذه المعارف باعتبارها تمثلا وتأويلا تم من طرف الغير، أصبحنا اليوم نعيش الموضوع والحدث وننتمي إلى زمنه ونفكر فيه.
إن الأهم في عملية التفكير هاته، تقول د. كرام، هو أننا نحن الذين نصوغ اليوم هذه التمثلات بموجب انتمائنا الى زمن التحول، أي أنننا نبني وجودنا مستقبلا، بمعنى كيف سنُقرأ ونُفهم ونتواصل مع الأجيال القادمة، ومن هنا ضرورة صياغة تمثلنا لما يحدث لنا وللعالم من حولنا.
وخلصت الباحثة والناقدة إلى أن العالم تأويل مستمر بموجب التحولات التاريخية، «ونحن اليوم شركاء في هذا التأويل»، متسائلة عن مرجعيات هذا التأويل: هل سنعتمد مرجعيات سابقة، أم أن عصر ما بعد كورونا سيفرض مرجعيات جديدة لقراءته وتأويله وكيف ستكون؟

الانتماء إلى الشرط التكنولوجي
إن الفورة الرقمية التي حصلت في العقدين الأخيرين، فرضت على البشرية الانتقال من العيش المادي الواقعي إلى العيش الافتراضي، بالنظر إلى الاستخدام المفرط والمتزايد للوسائط التكنولوجية وتأثير الذكاء الاصطناعي في مجالات الصحة والتعليم والسياسة، إلا أن الجائحة التي أجبرت البشرية على تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي والاعتكاف بالبيوت، أظهرت فعالية ودور التكنولوجيا باعتبارها المنقذ من الأزمة حيث ظهر التعليم والعمل عن بعد، ما يدفع إلى القول بأن هذا الواقع الجديد، وإن كان مفروضا، سينقل البشرية الى واقع مجتمعي جديد تكون فيه التكنولوجيا شرطا اجتماعيا واقتصاديا ،وأيضا ثقافيا.
وترى كرام أن الانتماء إلى هذا النسق من الثورة الرقمية قد غير، جذريا، علاقة الإنسان بالعالم وطريقته في الإدراك ما يعني أننا أمام «لايقين» يكبر بتغير وتطور هذه الوسائط الرقمية.
لا يقف التغير عند استخدام التكنولوجيا أو استثمار تطبيقات جديدة في الخدمات التواصلية ، بل يتعلق حسب الدكتورة زهور كرام بوجود جديد للإنسان في نسق مختلف، يسمح له بإدراك جديد لذاته وللعالم، مقدمة أمثلة لذلك بتوجه معظم الدول إلى تطبيقات ترصد حركات وتنقلات المواطنين لرصد الحالات لكنها في نفس الوقت تعتبر إجراء مقيدا لحرية الأفراد وتدخلا في خصوصياتهم، ما سيجعل الفرد يعيد النظر في سلوكه مع المكان والزمان والإنسان.
إن الجائحة جعلتنا نلمس هذا التغيير، بل وضعتنا أمام سؤال مهم : كيف سنوجد بعد كورونا؟ ومنه تتفرع أسئلة عديدة تنتظر الإجابة من قبيل: ما الذي ضاع منا زمن كورونا؟ ما الذي ستأخذه الجائحة معها ،وهي تودع العالم بعد أن ألقت بالإنسان في حيرة فلسفية حول معنى وجوده اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وأخلاقيا؟

هل من أخلاقيات للتكنولوجيا؟
لم يعد اعتماد التكنولوجيا خيارا استراتيجيا في أفق تحقيق التنمية فقط، بل تحول إلى حاجة آنية لمواجهة مرحلة الوباء وما بعدها، حيث أن الجائحة أقحمت الدول، بغض النظر عن مستوى ومؤشر التنمية فيها، أقحمتها في الشرط التكنولوجي الذي فرض اليوم منطقه وشروطه بوصفه المنقذ، إلا أن هذه السلطة الإنقاذية أو الدفاعية قد تمس في مرحلة ما بعد الجائحة بحرية الأفراد، وبالتالي بوضعية حقوق الإنسان ما سيطرح معه سؤال الديمقراطية بشكل أكثر حدة من ذي قبل، وهو ما دفع الناقدة كرام إلى طرح العديد من الأسئلة في هذا السياق: هل ستقود الثورة الرقمية الخامسة التي على الأبواب إلى تشييء الإنسان بطريقة جديدة كما حدث مع الثورة الصناعية، وهل ستتحول التكنولوجيا بفعل سلطتها الإنقاذية إلى موضوع للمحاكمة بفعل تدخلها في حرية الأفراد؟ هل يمكن الحديث عن أخلاقيات التكنولوجيا؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تضعنا أمام نقاش فلسفي ينفتح بقوة على تأثير التكنولوجيا على مفهوم الإنسان، وحقه في الخصوصية وأمن معلوماته وكرامته، وهو ما حدث في فترات سابقة وجدت الإنسانية نفسها على المحك مثلما يحدث اليوم، وهو ما يدعو إلى الانخراط في هذه الثورة الرقمية بالوعي باستخدامها واستثمار خدماتها، وأيضا بالوعي بتحدياتها في مساسها بإنسانية الإنسان وهذا يتطلب – حسب الروائية زهور كرام – انخراط العلوم الإنسانية في التفكير في التكنولوجيا وتحليل تأثيرها على الحياة والمجتمع والإنسان.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 08/06/2020