كارلوس فوينتس: سعيد بطفولتي وأشعر بامتنان كبير لها

كارلوس فوينتس، روائي وكاتب قصة قصيرة ومؤلف مسرحي وناقد أدبي ودبلوماسي وأستاذ جامعي مكسيكي. كان لرواياته التجريبية أثر كبير في جلب تقدير أدبي عالمي لفنه الروائي..
يعدّ فوينتس أحد الكتّاب المكسيكيين والعالميين المبرزين في القرن العشرين وقد ساهم المدى الواسع لاهتماماته الأدبية والفكرية معاً مترافقة مع حسه الإنساني العالي في تأكيد تأثيره في الحلقات الأدبية في أمريكا اللاتينية بخاصة، وثمة سمة كوسموبوليتية نلمحها في معظم رواياته التي تقيم حوارا بين الثقافة المكسيكية والثقافات العالمية.

 

p كيف تصف طفولتك وأنت تنشأ ابناً لموظف دبلوماسيذ؟
n كانت تحدياً كبيراً لقدرتي على التكيف والمواءمة مع محيطي. عندما تكون ابناً لدبلوماسي تكون مرغماً كطفل وبعدها كيافع أن تغير مدرستك ولغتك وأصدقاءك واجواءك كل سنتين أو ثلاث، لذا كان عليّ أن اتنقل بين الثقافات الإسبانية والإنجليزية والبرتغالية ثم عدت أخيراً إلى الإسبانية وهذا تحدّ كبير حتماً لكنه يجعل منك في النهاية شخصية منفتحة. أنا سعيد بطفولتي وأشعر بامتنان كبير لها.

p أي نوع من الأطفال كنت؟
n كنت مواظباً جداً و كنت أقرأ كثيراً وربما كان ذلك فريداً لكوني أدرك أن أصدقائي لن يدوموا أكثر من سنتين أو ثلاثة بالكثير ويتوجب عليّ بعدها أن أنشئ صداقات جديدة لذا كنت أعوض عن الأصدقاء بخلق عالمي الجوّاني من خلال القراءة وصحبة الكتب والأفلام وسماع المذياع الذي كان مهماً للغاية للأطفال في ثلاثينات القرن الماضي عندما كنت أقيم مع عائلتي في الولايات المتحدة.

p هل تستطيع أن تعدّد لنا بعضاً من الكتب وبرامج المذياع والأفلام التي رأيتها مهمة إبان نشوئك؟
n أنتمي- كما تعلمون – إلى ثقافتين: الثقافة الإنجلوساكسونية والثقافة الأمريكية اللاتينية. لذا كنت أقرأ وأنا صبي كتباً لم يعرفها أحد في الولايات المتحدة مثل قصص الكاتب الإيطالي (أميليو سالكاري) وبعض من الحكايات الفرنسية. في الولايات المتحدة حيث كنت صبياً كان شائعاً قراءة أعمال (نانسي درو) إلى جانب كلاسيكيات الكتّاب الشائعة في كل الثقافات: جول فيرن، ألكساندر دوماس، روبرت لويس ستيفنسون، مارك توين. كان ثمة آنذاك عشق طاغ للسينما في حقبة الثلاثينات، حيث كنّا نقيم في الولايات المتحدة، وكان والدي معتاداً أن يرافقنا كل أسبوع لمشاهدة فلم جديد وشيئاً فشيئاً صرت مهووساً بالأفلام وبالممثّلاث والممثّلين النجوم من أمثال: جوان كراوفورد وكاترين هيبورن. أما بالنسبة للمذياع فكنت أتمارض أحياناً لكي أقدر على الاستماع إلى بعض من أفضل البرامج المحبّبة لي مثل: تيري والقرصان، وكانت أمثال هذه البرامج مخصّصة لإمتاع ربّات البيوت وهن يعكفن على القيام بأعمالهنّ المنزلية؟

p قرأنا أنك كنت تقضي إجازاتك الصيفية عند جدّتك المكسيكية وهي أساساً راوية حكايات بارعة. ما الذي علق بذاكرتك من هذه التجربة؟
n كانت لي جدّتان والاثنتان كانتا حكّاءتين بارعتين، وكانت إحداهنّ تقيم عند خليج المكسيك والأخرى قريباً من الساحل الباسيفيكي، وأظنّ أنني أصبحت كاتباً بسبب إدماني الاستماع لحكايات جدّتيّ البارعتين اللتين تعلمت منهما كل ما يتعلق بالمكسيك وأرى الآن أنهما كانتا مخزن حكايات مكسيكية مدهشاً فيما يخصّ موضوعات: المهاجرين، الثورة، السرقات على الطرق السريعة، قصص الحب، قطّاع الطرق، عادات الاكل والملبس… باختصار كان ثمة خزين هائل من الحكايات المشوقة في مخزن الماضي الكامن في رأسيهما وقلبيهما وأشعر بمروءة وصدق أنهما كانتا المؤلّفتين الحقيقيّتين لأعمالي .

p كانت البرامج الإذاعية في صباك نوعاً من الحكي الروائي الذي استلزم شحذ خيالك . هل تظنّ أنك أفدت من هذه البرامج؟
n بالتأكيد فقد كان يتوجّب تشغيل جهاز التخييل لديك بينما الان يمكننا مشاهدة هبوط الإنسان على القمر أو قصف بغداد بالقنابل الذكية وهذا لا يستوجب منك أي تخييل على الإطلاق. أذكر كيف كنّا نستمع إلى أحاديث (فرانكلين روزفلت) وكيف كان يتوجّب علينا أن نتخيل كلمات الرجل الدافئة التي كان يلفظها بجمال أخّاذ .

p هل سبّب لك كونك مكسيكياً أية مصاعب في الولايات المتحدة؟
n كلّا كلّا، باستثناء بعض الشكوك أو تساؤلات البعض من نوع “من هذا الشاب؟ كنّا نظنّه مثلنا!! إنه يبدو مختلفاً عنّا و من بلاد أخرى”، وهو ما أراه الآن أمراً مفيداً لأنه أتاح لي الفرصة للتوغّل في السؤال عن هويتي المكسيكية مبكراً.

p ما الموضوعات التي كنت تحبها اكثر من سواها من الموضوعات في المدرسة؟
n عندما كنت في الولايات المتحدة أحببت مدرّستي ولا زلت اذكر اسمها: الآنسة فلورنس بنتر في مدرسة هنري دي. كوك العامة في الجادة رقم 13 في واشنطن العاصمة، وقد درّست لنا هذه المعلمة- على غير العادة السائدة آنذاك- كل الدروس: الحساب، الجغرافية، التاريخ، اللغة واعتقد ان المدرسة كانت ممتازة رغم كونها عمومية. النظام التعليمي العام انحدر كثيراً هذه الأيام لكنني أعتقد أنني أفدت منها فائدة عظيمة لاتقدّر بثمن وأنا ممتن كثيراً لمدرّستي التي حبّبت لي كل الموضوعات التي كنّا ندرسها حينذاك .

p ألم تعانِ من أية صعوبات وأنت تتنقل بين الثقافات واللغات المختلفة؟
n لا لا أبداً فقد تكيّفت معها بسهولة كبيرة. كنت في صباي طفلاً لا يتمتع بأية عطلات فعندما كانت العطلة الصيفية تبدأ في الولايات المتحدة كنت أسافر لقضاء الصيف عند جدّتي وكذلك كنت أذهب يومياً إلى المدرسة لان العطلة هناك كانت تمتد بين شهري كانون الأول وكانون الثاني من كل عام- حيث أكون حينذاك في الولايات المتحدة- وهذا أتاح لي التواصل مع اللغة الإسبانية، ورغم أنني كنت أشعر أحياناً بمرارة كبيرة وأتساءل “ها هم أصدقائي في الولايات المتحدة يستمتعون بالصيد ولعب البيسبول في حين أدرس أنا الأفعال هنا في المكسيك!!”. لكن هذا علّمني الجلَد وأدركت لاحقاً أنه كان شيئاً ملائماً لي من حيث لم أكن أعي.


الكاتب : ترجمة: لطفية الدليمي

  

بتاريخ : 11/06/2020