“تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور 40- أي تجديد لا يسمى تجديدا إلا إذا اخترق الأصول دولة بعيدة عن المشايخ من أكبر النعم

“تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور  ، كتاب يضع من خلال فصوله، الأصبع على الجرح بشكل  مباشر .
العنوان قد يراه البعض أنه مستفز، انتبه إليه الدكتور شحرور وأجاب عنه بوضوح  تام، حيث يؤكد أن اختيار هذا العنوان جاء  لقناعة منه، بأن الحل الأمني فى معالجة ظاهرة الإرهاب المنتشرة فى العالم لا يكفي،  وإنما هى مرتبطة بأمرين اثنين وهما، الثقافة المنتشرة فى مجتمع ما، والاستبداد.
في ثنايا هذا المؤلف المهم ،تطرق  الفقيد الدكتور محمد شحرور إلى  مواضيع  عدة ويتساءل أيضأ، هل الإسلام حقا مسؤول عن  الإرهاب  ،أم المسؤول هو الفقه الإسلامي التاريخي، الذى صنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟، كما تطرق إلى سؤال آخر ، هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة يتم  بمكافحة الإرهاب، وهل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب،  أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟.
لم يتوقف الكتاب عند  طرح  الأسئلة  فقط، بل يجيب عنها بعقلانية أيضا،كما وقف بالتفصيل على تفاسير  معاني العديد من الآيات القرآنية  الكريمة، ويؤكد أن تفسيرها غير الصحيح،سبب  انحرافا ملحوظا عن الرسالة التى حملها الرسول (ص)، لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والكفر والردة.
الطبعة الثانية الصادرة عن دار الساقي،جاءت، لأن المنهح كما يقول المفكر محمد شحرور،  فرض علينا تعديل بعض المفاهيم التي وردت في الطبعة الأولى،  ولاسيما أن هذه التعديلات أجابت عن تساؤلات كثيرة كانت لاتزال  عالقة.
لايحمل الكتاب فقهاء تلك العصور وزر مانحن فيه كاملا، بل حمل المسؤولية من أتى بعدهم وزر الوقوف عند رؤيتهم بصحيحها وخطئها، داعيا إلى الخروج من القوقعة التي نحن فيها.
ونبه الكتاب إلى ضرورة ألا نضع أنفسنا كمسلمين في موضع الاتهام بكل مايعيشه العالم من تطرف وإرهاب، في نفس الآن، يرى أنه لزاما علينا  إعادة النظر في أدبياتنا وماتراكم من فقه،فالعالم لايتهمنا دائما بغير وجه حق، ويخلص إلى أن الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية ليسوا مجرمين في الأساس، بل هم  غالبا ضحايا تزوير الدين وتشويهه، فهم من وجهة نظره، نشأوا على تمجيد الموت، والنظر إلى القتل كالقتال والشهادة، والآخر المختلف كافر يجب القضاء عليه.وتعلم أن الجهاد في سبيل الله هو قتل الكافرين، بغض النظر عن مقياس الكفر والإيمان. 

 

يؤكد الدكتور محمد شحرور، وهو يستعرض محاور ومواضبع كتابه «تجفيف منابع الإرهاب»، أنه حرص على احترام عقل القارىء أكثر من عواطفه، ومن ثمة يشدد المفكر محمد شحرور، على أننا في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في الثقافة الموروثة.
ويختم كتابه بالتأكيد على أن الفقه الإسلامي كما صاغه الفقهاء في القرنين الثاني والثالث الهجريين، فكذلك علوم القرآن بحاجة ملحة إلى إعادة النظر وخاصة كما يقول في مايسمى بالثوابت أو الأصول.
ويرى الدكتور شحرور، أننا اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة تأصيل الأصول نفسها، وإعادة النظر في ما يسمى حسب وصفه بالأحكام الشرعية وأدلتها، ويدعو أيضا إلى التفكير في صياغة شرعية جديدة بعد شرعية الخلافة، إذ لايزال التخبط في نظرية الدولة والسلطة كما يرى، والشرعية السياسية قائما، كما أن وجود دولة وسلطة بعيدة عن المشايخ ويقصد بهم العلماء، هو من أكبر نعم لله تعالى على عباده.
الطبعة الجديدة والمنقحة ،تضمنت تعديلات وإضافات مهمة، خاصة موضوع سورة التوبة وموقعها من الرسالة المحمدية، وقد خص رحمه لله، بالذكر مواضيع الولاء والبراء والجهاد والقتال والكفر والردة،
وكما تتبع القارىء، فقد طرح الدكتور محمد شحرور، أسئلة عميقة ومحددة ومركزة، كانت منطلقا في خروج هذا المؤلف المهم، والذي أجاب فيه بالتفصيل عن هذه الأسئلة، والمتمثلة في، هل الإسلام حقيقة مسؤول عن الإرهاب أو هو الفقه الإسلامي التاريخي الذي صُنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟ هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة سيفي بمكافحة الإرهاب؟ هل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟
كما ألقى الكتاب الضوء على معان كثيرة لمفاهيم وردت فى القرآن، سبب تفسيرها غير الصحيح انحرافا ملحوظا عن الرسالة التي حملها الرسول صلى الله عليه وسلم، لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء والبراء.
الجهد الكبير الذي قام به الدكتور محمد شحرور رحمه لله، من خلال كتابه «تجفيف منابع الإرهاب « كما شهد له بذلك علماء كثيرون ،أكيد يشكل أثرا في تجفيف منابع الإرهاب، ويعالج هذه الظاهرة فكريا بدلا من القضاء عليها مرحليا.
(انتهى)


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 12/06/2020