إني أختنق، أختنق 1/2
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
«إني أختنق» لم تكن العبارة، لجورج فلويد وهو يعاني صعوبة التنفس تحت ثقل الشرطي العنصري، عبارته وحده، في زمن عنوانه الكبير وصفة ينقصها الهواء، فقد بدا أنها صرخة الكثيرين في أرجاء العالم كله، تتصادى ارتداداتها عبر الجبال والشوارع والقاعات والبيوت في جهات الكون الأربع، مع حشرجته الأخيرة.
كان الحجر العالمي، على الحركة واللقاء بالهواء في الرصيف العام أو الحدائق تكبيرا للشعور الشامل بالاختناق.
وهذه العبارة قد تسمع في الجوار القريب، تقولها السيدة التي لم تجد رخصة للخروج، كما يقولها الطالب الذي يقبع في ركن غرفته، بلا مغامرات ولا تعويض كاف عن العزلة، ويقولها الخبير الذي اعتاد التجول بين العوالم الافتراضية لكنه شعر بأن نصفها الآخر، الواقعي، هو الأهم للهواء النظيف الذي يحتاجه في اختناقه الصحي.
هي عبارة، تسمعها في أفواه الأطفال، وفي صفحات الكتاب المفتوح للبشرية التي تجلس حذرة، حائرة في كيفية التعامل مع… الهواء؟ هل تخاف منه، لأنه ينقل العدوى، أم تركن إليه لأنه دليل حياة؟
الأخبار لا تشفي العليل: نقص الأكسجين يتهدد البلدان الأكثر فقرا في معركتها ضد كورونا، في البلدان الفقيرة في إفريقيا وجنوب آسيا، يفتقر الأطباء للعنصر الأساسي المطلوب أي الأكسجين، وصعوبات المعركة تتعلق بأجهزة التنفس الاصطناعي،الأكسجين الطبي الذي يشكل مكونا رئيسيا في وحدات العناية الفائقة، بدوره موضع خوف.
الاختناق يتربص بالمرضى، وبالأصحاء أيضا. والمرض يهاجم الرئتين، ويفرض الحجر، ويكون الاختناق في البيوت، مع طول مدة الحجر، هو العلاج!
الشعوب تختار حد السيف، مرتين، الموت بالاختناق في سرير المستشفى أو في سرير في البيت: فالفيروس يهاجم الرئتين متسببا بأشكال حادة من الضيق التنفسي كما يؤدي إلى تراجع خطير في مستوى الأكسجين في الدم…
الأغنياء، على عكسنا، لهم فائض من الأكسجين في المستشفيات، ولهم صعوبة في التنفس في المجتمعات.
كان للخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام أثر الأحجية، والخيال، يقول خبر وكالات الأنباء إن أسرة عالم الفيزياء البريطاني الشهير ستيفن هوكينغ تبرعت بجهاز التنفس الاصطناعي الذي كان يستخدمه، للمساعدة في معالجة مرضى كوفيد، هوكينغ الذي توفي في عام 2018 كرس حياته لاكتشاف أسرار الكون، رغم معاناته طيلة حياته من مرض التصلب الذي لم يعقه عن العالمية والتفوق العلمي،اختار أن يترك للعالم أبحاثه وذكاءه العلمي… وجهاز التنفس كما لو أن العالم يسير بالعقل والهواء. وقالت ابنته لوسي، إن جهاز التنفس الاصطناعي الذي استخدمه هوكينغ قدم لمستشفى رويال بابوورث في كامبريدج في شرق إنكلترا حيث تلقى رعاية طبية خلال حياته، وقرر بعدها أن يساعد العالم من «الما وراء».
هي قضية هواء إذن وتنفس اصطناعي لاستمرار الحياة.
ومن طرائف الهواء، في الآونة الأخيرة، أنه لم يعد يكشف عن جبن العنصريين، وقادر على تحريك عواصف اجتماعية كبيرة في أوروبا والغرب، إنه يتحسن أيضا في ظل الجائحة..
هكذا يقول خبراؤه..
كلما نقص الهواء لنا تحسن.. ياااااه في المغرب، نحن أيضا جزء من هذا التحسن العام.
نشرت قصاصة في وكالة «لاماب» تفيدنا أن الحجر الصحي ساهم في جودة الهواء في… الخارج، أي خارج البيوت.
وسجلت معدلات انخفاض في الملوثات الهوائية، مما أثر بشكل إيجابي على جودة الهواء بالمغرب خلال فترة حالة الطوارئ الصحية.
التقييم الأولي لجودة الهواء تم إنجازه استنادا إلى معطيات محطة رصد جودة الهواء لمدينة مراكش خلال الفترة الممتدة من نونبر 2019 إلى 8 أبريل الجاري، سجل انخفاضا بنسبة 55 في المئة لثنائي أكسيد الأزوت، وبـ70 في المئة في أحادي أكسيد الكربون، و67 في المئة من الجسيمات العالقة …
سيكون لهذا الرصد ما بعده أكيد!
نحن أمام تجربة غير مسبوقة: كيفية التفكير في العالم وفلسفته ووضع تصوراته من خلال التنفس..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 16/06/2020