كتب لها وقع .. العنف والسياسة في المجتمعات العربية المعاصرة 2/1

يكاد أستاذ علم النفس الاجتماعي ستيفن بينكر، يقف في مواجهة كل الذرائع التي يسوقها في الغرب باحثون ومثقفون وناشطون وسياسيون يساريون ويمينيون حين يتفقون على شيء واحد: العالم يزداد سوءاً.

يضم كتاب العنف والسياسة في المجتمعات العربية المعاصرة: ثنائية الثقافة والخطاب، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (527 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا)، ثلاثة عشر فصلًا من أصل سبعة وعشرين بحثًا جرى اختيارها من بين البحوث المقدمة في المؤتمر الرابع لقضايا التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي (تونس، 12 و13 أيلول/ سبتمبر 2015)، بعنوان «العنف والسياسة في المجتمعات العربية المعاصرة»، تناولت ثقافة العنف السياسي والهوية في المجتمعات العربية، إضافةً إلى خطاب العنف ولغته في الفضاءات الحضرية العربية. سبق هذا الجزءَ، وهو الثاني، جزء أول عُني بالمقاربات السوسيولوجية وبعض الحالات.
ثقافة العنف السياسي في المجتمعات العربية وخطاب العنف
انتظمت الدراسات الثلاث عشرة في هذا الكتاب في قسمين: الأول، ثقافة العنف السياسي والهوية في المجتمعات العربية؛ والثاني، خطاب العنف ولغته في الفضاءات الحضرية العربية. يحوي القسم الأول سبعة فصول؛ في الفصل الأول، «ثقافة النحر وحرفة قطع الرؤوس … أي معقولية؟ مقاربة تحليلية نقدية»، يطرح الباحث التونسي علي صالح مولى سؤالًا مركزيًا: كيف يمكن فهم ثقافة النحر وحرفة قطع الرؤوس عند بعض الجماعات المقاتلة؟ محاولًا التعمّق في مسألة العنف عمومًا وقطع الرؤوس خصوصًا من خلال مقاربة تحليلية نقدية للسياقات والمسارات التي تتحرك فيها هذه الظاهرة، والبحث عن إمكان تفسير منطقي لها، معولًا على مداخل تاريخية وأنثروبولوجية ودينية وسياسية للإحاطة بها. يجد مولى أن الإنسان لا يبني وجوده على القتل كعقيدة، لكن لا مراء في كونه كائنًا مسكونًا بالعنف. وتاريخُه يؤكّد ذلك.
تشريع العنف: النص في خدمة السلطة
في الفصل الثاني، «تشريع العنف: النص في خدمة السلطة»، يناقش الباحث المغربي إحسان الحافظي فكرة تشريع العنف مفككًا العلاقة بين السياسة الأمنية والسياسة الجنائية في تدبير العنف السياسي. يرى أن النص شكل مرجعية لإدارة العنف السياسي في العالم العربي، فجاءت السياسات الجنائية، كونها تُعنى بالجريمة والعقوبة، انعكاسًا لسياسات أمنية سلطوية. واستخدمت التشريعات وسيلة لفرض النظام العام وتحقيق الأمن، من منظور السلطة، ووظّفت القوانين لشرعنة عنف الدولة في قمع المعارضة السياسية، لتشكّل السياسات الأمنية والتشريعات الجنائية سياقات للانتهاكات، من حيث حوادثها وتاريخها والفاعلون فيها.
أواليات ثقافة العنف السياسي الناعم وتجذرها
في الفصل الثالث، «أواليات ثقافة العنف السياسي الناعم وتجذرها: الحالة المغربية أنموذجًا»، يدرس الباحث المغربي رشيد شريت فرادة الحالة المغربية في تدبيرها العنف السياسي الناعم، «حيث إنها لا تعتمد على أساليب وطرائق فحسب، بل تزخر بمنظومة متكاملة لهذا النوع من العنف؛ منه ما هو موجه إلى الخصوم المعارضين، والأكبر ما هو موجه إلى المجتمع ترويضًا واحتواء وتدجينًا». ينطلق الباحث من فرضية مفادها أنه لا توجد قوة عنف ناعمة واحدة، بل هناك منظومة عنف ناعمة مركبة من ثلاثة أقسام: القوة الناعمة والأجهزة الأيديولوجية للدولة/ النظام، ودينامية التوازنات والتناقضات.
إشكالية العنف الهوياتي في ضوء الحراك الاجتماعي في المنطقة العربية
في الفصل الرابع، «إشكالية العنف الهوياتي في ضوء الحراك الاجتماعي في المنطقة العربية: المغرب أنموذجًا»، بحث المغربي عبد الحميد بنخطاب في مسألة العنف الهوياتي والمطالب السياسية المرتبطة به في أعقاب الثورات العربية. فتناول في بحثه إشكالية العنف الهوياتي في ضوء الحراك الاجتماعي في المنطقة العربية، بوصفها إشكالية متعددة الأبعاد. ويفترض في زوايا معالجته النظرية والمنهجية لهذه الإشكالية الاستجابة الفورية للمطالب السياسية المتعلقة بالاعتراف بالهويات الجماعية والفردية المتصلة باحترام الحقوق الأساسية الفردية والجماعية وتدبير المخاطر الأمنية والسياسية الناجمة عن ذلك.
الدولة المتصدعة والمواطنة غير الأكيدة
في الفصل الخامس، «الدولة المتصدعة والمواطنة غير الأكيدة: بحث في التأطير الإثنو ثقافي للنزاعات في السودان»، يتناول السوداني أشرف عثمان الحسن مسائل الانبعاث الإثني في علاقته بحالة النزاعات التي يعانيها السودان الدولة/ السودان المجتمع، في ما يبدو كتصدع في العلاقة بين الدولة وما جرى تصويره في مرحلة البناء الوطني على أنه الأمة، بحيث أثار انفصال جنوب السودان والنزاعات في دارفور وجبال النوبة وولاية النيل الأزرق، أسئلة حرجة من بينها: هل كانت النزاعات احتجاجات مجموعات المحيط على مجموعة المركز المهيمنة وعلى أيديولوجيا إثنو قومية سعت، وظلّت تسعى، إلى اجتثاث الاختلاف؟
التكيف الاجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب
في الفصل السادس، «التكيف الاجتماعي والهوية العرقية لدى فئة الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا: حين يكون العنف إستراتيجيا هوياتية»، يؤكد السوري عزام أمين أهمية العلاقة بين تصنيف الذات على أساس عرقي، والتصور الاجتماعي واتجاهات التثاقف عند فئة الشباب الفرنسي من أصول مغاربية، والعلاقة بين العنف البنيوي الذي تمارسه السلطات الفرنسية من خلال سياسة التماهي والتمييز، والعنف الدفاعي الذي تلجأ إليه فئة الشباب من أصول مهاجرة، منطلقًا من افتراض أن التصنيف الذاتي العرقي لا علاقة له برغبة الشخص في الاندماج الاجتماعي، ولا يعبّر عن انطواء هوياتي، إنما هو إستراتيجيا دفاعية لمواجهة سياسة الانصهار التي تفرضها فرنسا على المهاجرين وأبنائهم.
التسامح بديلًا
في الفصل السابع، «التسامح بديلًا من العنف في المجتمعات العربية المعاصرة: مقاربة نظرية عامة»، تتبع الباحث الفلسطيني أحمد مفلح الخط البياني لوجود ثقافة التسامح في الفكر العربي، المعاصر والتراثي، أو حضورها، تظهر بوضوح العلاقة بين هذا الوجود ووجود المشروعات النهضوية الكبرى والحركات السياسية الجذرية؛ فثمة علاقة عكسية بين التسامح وهذه المشروعات أو طردية بينها وبين العنف. وفي نهاية القرن التاسع عشر مثلًا وبدايات القرن العشرين، كان الفكر العربي/ الإسلامي المتنور والقومي والعلماني اليساري يحرّك شعور الناس كلهم، فأثمر هذا الفكر مفاهيم شتّى عن التسامح والتساهل والمساواة والعدالة والحرية. أما اليوم، فنعيش حالًا من السكون الفكري والفراغ والهزيمة النفسية والموضوعية أمام الآخر.


الكاتب : علي عبد الأمير

  

بتاريخ : 17/06/2020