هل بلدان الاتحاد المغاربي عاجزة عن إيجاد حل للأزمة الليبية؟

يوسف لهلالي

هل بلدان الاتحاد المغاربي عاجزة عن حل الأزمة الليبية التي دامت تسعة سنوات، وتشعبت اليوم بفعل الحرب الدائرة بين مكونات هذا البلد وتدخل عدد كبير من الدول أغلبها بعيد جدا عن المنطقة، وساهمت دون أن تدري في دفع سقوط ليبيا في قبضة تركيا وروسيا، والسقوط فيما يسمى «سورنة ليبيا».
هناك بلدان غذّت هذا الصراع بأموالها وبأسلحتها وألهبت الحرب الأهلية بين الليبيين، لكن لن يكون لها أي دورعندما ستتفق موسكو وأنقرة فيما بينهما حول مآل ليبيا ومستقبلها.
لكن ماذا فعلت بلدان المغرب الكبير لليبيا و التي يجمعها الاتحاد المغاربي المجمد بفعل الخلافات المغربية الجزائرية، هذه الأخيرة التي تدخلت في الوحدة الترابية للمغرب منذ سنة 1975 تاريخ استرجاع المغرب لصحرائه من اسبانيا، ومولت عملية انفصال بأموال الشعب الجزائري من خلال دعم وتسليح ميلشيات وحتى التدخل أحيانا كما وقع بأمكالة.
ليبيا، أصبحت مسرحا لصراع المليشيات الخاصة والقوى الأجنبية. لكن أمام هذه الأزمة التي تدور رحاها فوق رأس الشعب الليبي، تتفرج بلدان المنطقة المعنية مباشرة بهذه الأزمة على الموقف، وهي عاجزة عن القيام بمبادرة.
فيما يخص دور المغرب في هذه الأزمة، فقد قام بواجبه وبما يفرض عليه الجوار والانتماء إلى المنطقة المغاربية وبما توفره له إمكانياته، وما قام به المغرب لحل هذه الأزمة يشبه حكاية طائر الكوليبري في التراث الهندي.
كانت الغابة في الربيع تعيش أزهى أيامها والحيوانات تستمتع بخيراتها، وشب حريق أتى على الأخضر واليابس، فرت الحيوانات مذهلة بهول الكارثة في جميع الاتجاهات، لكن طائر الكوليبري، كان يتردد على جدول الماء وأحدث تردده السريع وحماسه صخبا أثار فضول التمساح الذي سأله عما يفعل؟ قال له: « احمل الماء بمنقاري لإطفاء النار التي تحرق الغابة»، فرد التمساح عليه بتهكم ، :»ما ذا ستفعل هذه القطرات الصغيرة التي تنقلها لوحدك، لن تغير شيئا أمام هذه النار الملتهبة»، قال الطائر : «أعرف، «لكنني أقوم بنصيبي» من أجل إخماد هذه النار. هذا ما قام به المغرب من أجل إطفاء الحريق بالقطر الليبي، وجند إمكانياته، وقام بنصيبه من المسؤولية، وينتظر من الآخرين بالمنطقة القيام بنفس الشيء بدل الاقتصار على استنكار هذا الحريق أو الخوف منه.
المغرب، جند إمكانياته لإنجاح اتفاق الصخيرات بين الفرقاء الليبيين، الذي انبثقت عنه حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج المعترف بها من الأمم المتحدة ومن المنتظم الدولي، وهو اتفاق نتيجة عمل طويل ومعقد، قامت به الديبلوماسية المغربية في دجنبر من سنة 2015. وهو مازال صالحا رغم أن بعض بنوده يجب تحيينها كما قال وزير الخارجية المغربي بوريطة في آخر اجتماع للجامعة العربية حول هذه الأزمة الليبية.
هذا الاتفاق حصل أيضا بالمغرب بسبب الروابط التي تجمع البلدين والثقة التي وضعتها أطراف النزاع الليبي في المغرب، وكذلك لمعرفتهم بصدق المبادرة المغربية. وهذا الاتفاق توج بعمل المغرب مند اندلاع الازمة الليبية. ففي سنة 2011 قام بإقامة مستشفى عسكري على الحدود الليبية التونسية من أجل تقديم المساعدة لضحايا هذه الحرب من الثوار الذين قلبوا نظام معمر القدافي والضحايا المدنيين. وكان المغرب من البلدان التي دعمت التغيير الذي حدث بهذا البلد والذي قادته فرنسا والحلف الأطلسي.
وشهدت ليبيا بعد ذلك، تناحرا داخليا أذكته أطراف أجنبية، وتمت عدة مبادرات سواء في جنيف أو باريس أو ظبي كلها لم تصل إلى أي نتيجة. بعدها جاءت المبادرة المغربية في الصخيرات والتي لم يكن أحد يتوقع نجاحها، والتي أعطت اتفاق الصخيرات الذي يعتبر الاتفاق الوحيد الذي نال تأييد كل الأطراف الليبية والمنتظم الأممي، وانبثقت عنه حكومة الوفاق الوطني، التي كانت مخرجا شرعيا لهذه الأزمة، قبل أن يقوم العقيد المتقاعد خليفة حفتر بدعم من مصر والإمارات وفرنسا وروسيا بالخروج عن الاتفاق ومحاولته إخضاع الليبيين بقوة السلاح وباسم محاربة الارهاب. انتهى الهجوم الذي شنته القوات الموالية للمشير خليفة حفتر، بهدف السيطرة على طرابلس في أبريل من سنة 2019، باستعادة حكومة الوفاق بمساعدة تركية على غرب ليبيا بالكامل مطلع الشهر الجاري.

وبذلك اضطرت قوات حفتر للتراجع إلى سرت الواقعة على مسافة 450 كلم شرق طرابلس، التي تحاول قوات حكومة الوفاق السيطرة عليها بعد إطلاقها عملية عسكرية قبل أكثر من أسبوعين، نجحت خلالها في الوصول إلى ضواحي سرت. وهي المنطقة التي اعتبرتها مصر نقطة حمراء، إذا تم تجاوزها سوف تتدخل هي الأخرى مباشرة في ليبيا، وهو ما استنكرته حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا.
الأزمة الليبية والتطورات التي عرفتها في الأيام الأخيرة، أبرزت أهمية اتفاق الصخيرات وضرورة تحيينه، وهو ما جعل الديبلوماسية المغربية تتحرك نحو تونس وتكثف الاتصالات بالليبيين، الذين لهم ثقة كبيرة بالمغرب.
لكن هذه الأزمة تضع الديبلوماسية المغربية في وضعية جديدة، وهو الابتعاد عن الحلفاء القدامى بابو ظبي ، الرياض والقاهرة، وباريس وموسكو، ليجد المغرب نفسه أقرب في تصور حل الأزمة الليبية إلى أنقرة،الدوحة وبرلين وواشنطن. هذا التحالف الجديد حول ليبيا، هل سيعتمد اتفاق الصخيرات في نسخته الثانية الذي يعتبر أساس الشرعية ، خاصة أن الحل السياسي أصبح هو المخرج، بعد أن تبادلت أطراف الصراع التهديد باللجوء إلى القوة العسكرية، بعد نجاح حكومة الوفاق الوطني بدعم تركي.
حكام الجزائر الذين اختاروا «الحياد الإيجابي» في هذه الأزمة والذين لهم حدود كبيرة مع ليبيا، ليست لهم استراتيجية واضحة في هذه الأزمة، استراتيجيتهم الوحيدة هي العداء للمغرب وتتبع خطواته في المنطقة، ولن يروقهم عودة الديبلوماسية المغربية إلى الواجهة من أجل إيجاد حل سياسي لهذه الأزمة، وهو ما سيجعل هذا «الحياد السلبي « يتحول إلى معاكسة الرباط في مساعيها الحميدة، وهو أمر إذا ما نجح، سيجعل بلدان الاتحاد المغاربي بعيدة عن أي حل ممكن فيما تشهده ليبيا،وربما لسوء الحظ ستكون بلدان بعيدة عن المنطقة هي مفتاح هذه الأزمة. وسيكون بذلك نظام الجزائر مسؤولا عن تدهور الأمن القومي بالمنطقة وإضعاف بلدانها.
يبقى التحالف بين ضفتي المتوسط مفتاحا لهذه الأزمة أيضا خاصة محو باريس الرباط و بلدان الغرب المتوسطي التي يمكنها تبني مبادرة الرباط «اتفاق الصخيرات» التي مازالت صالحة كأساس سياسي لحل الأزمة.
وهو ما يعني أن حل الأزمة السياسية والعسكرية بليبيا، يمكن أن يغيب عنها الاتحاد المغاربي وبلدان غرب المتوسط، إذاما استمر ت هذه البلدان المتقاربة جغرافيا وتاريخيا وسياسيا، في تجاهل بعضها البعض وعدم دعم حل موحد للأزمة الليبية.

الكاتب : يوسف لهلالي - بتاريخ : 27/06/2020