التقنوقراطي لم يتحزب لأنه لم يتجرد من أناه
عبد السلام المساوي
اليوم 21 يونيو 2020 ، وفي حوار مباشر مع أحد المواقع الإلكترونية ، أكد الأستاذ إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي رفض حزب القوات الشعبية رفضا مطلقا لأية دعوة إلى حكومة تقنوقراطية ، باعتبار أن هذه الدعوة تروم تبخيس العمل الحزبي والفعل السياسي …الاتحاد الاشتراكي لم ولن يقبل بحكومة تقنوقراط ، حكومة لا تخضع للمحاسبة السياسية …الاتحاد الاشتراكي لم ولن يقبل بحكومة تقنوقراط لأن في هذا ضرب للنضالات الديموقراطية التي خاضها حزبنا ، وتراجع لاديموقراطي عن التراكمات والمكتسبات الديموقراطية التي تحققت في بلادنا عبر مسار نضالي طويل وعسير موشوم بالرصاص والنار….
في احتفالية الذكرى ال 60 لتأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، وفي تجمع جماهيري عظيم بالعرائش يوم الجمعة 24 يناير 2020 ، يقول الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي ذ ادريس لشكر : « نعلن في الاتحاد الاشتراكي أن الحوار من أجل اتخاذ القرار يجب أن ينطلق من اليوم ، ولن نقبل أن ننتظر إلى 2021 للبدء في مناقشة الانتخابات ، ولا حل إلا بانتخابات نزيهة . فالكفاءة يجب أن تكون داخل الإطار السياسي والنقابي لأنها معرضة للمحاسبة ، وها نحن نرى اليوم كفاءات لا طعم ولا لون لها ، فماذا سنقول لها غدا في 2021 عندما نصل إلى صناديق الانتخابات …»
«…ودعونا كحزب إلى إعادة النظر في نمط الاقتراع الحالي إذ أن بلادنا لا تزال محتاجة إلى الوسيط الحقيقي ، أي الفاعل السياسي الميداني …»
«…وان كل نموذج تنموي جديد لن يستقيم إذا لم نجلس الآن للحديث حول من يتحمل مسؤولية تنفيذه بواسطة صناديق الاقتراع لتجديد النخب والكفاءات …»
يعتقد البعض واهما ومخطئا ، أن الإصلاح لا يحتاج إلى نخبة سياسية / كفاءات سياسية، بدعوى أن للإصلاح طابعا تقنوقراطيا محضا ، وإنجاحه يحتاج إلى تقنوقراط ، وإذا كان البديل التقنوقراطي قد جرب لأزيد من أربعة عقود ، وراكم خلال هذه الحقبة الطويلة إخفاقات متتالية ، فإن البعض الآن يروم تمديده تحت غطاء المجتمع المدني .هذه الوضعية تنعكس سلبا على العمل الحزبي ؛ عزوف عن الأحزاب وعداء للفاعلين السياسيين فبحث عن بدائل ( أجدى ) و ( انفع ) خارج البديل الحزبي ؛ بدائل غير ديموقراطية ، طبعا؛ الإدارة ، الجمعيات ، الصحافة …أطر اشتغلت في الإدارة ، أحرزت مكاسب وامتيازات ، سميت تكنوقراط فحصلت على حقائب وزارية ، أخرى ركبت الجمعيات وأخرى لجأت إلى الصحافة ( المستقلة ) …هؤلاء الذين قدحوا العمل الحزبي ، فانخرطوا في هذا الحقل أو ذاك ، لأنهم اعتبروا أن الأحزاب عاجزة عن تحقيق طموحاتهم ، بل إنها مؤسسات بدون جدوى ، وقد ترسخ هذا الموقف من الأحزاب لما تم الابتعاد عن المنهجية الديموقراطية بعد استحقاقات شتنبر 2002 حيث تم تعيين وزير أول خارج الأحزاب…
لقد كان حزب الاتحاد الاشتراكي في السبعينيات والثمانينيات خزانا للكفاءات العليا والمقتدرة ، العالية والمتميزة ، في مختلف المجالات والتخصصات ، لكن ولأسباب سياسية تمت محاصرتها والتضييق عليها ، تم تهميشها وإقصاؤها ، وأسندت المسؤوليات إلى من لا يستحقها …وبتهميش كفاءات اليسار ضيع المغرب فرصة الاستفادة من قوة تلك الأطر ، على اعتبار أن حصيلة ما تحقق اليوم ، هي دون ما كانت تعده به إمكانات وقدرات تلك النخبة المناضلة …
إن القاطرة هي الكفاءات السياسية …
بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة الجمعة 12 أكتوبر 2018 ،كان خطاب جلالة الملك وهو يعلن باسمه الشخصي وباسم كل المغاربة في كل مكان من هاته الرقعة الجغرافية والتاريخية والحضارية التي تسمى المغرب الملل الجماعي والعياء التام والكامل من الانتهازيين ، ومن الذين يريدون من المغرب أن يعطيهم فقط ، ولا يريدون بالمقابل أن يعطوه شيئا .
المغرب « يجب أن يكون بلدا للفرص ، لا بلدا للانتهازيين ، وأي مواطن ، كيفما كان ، ينبغي أن توفر له نفس الحظوظ ، لخدمة بلاده ، وأن يستفيد على قدم المساواة مع جميع المغاربة ، من خيراته ، ومن فرص النمو والارتقاء « هكذا تحدث جلالة الملك ، وهكذا التقط المغاربة العبارة بكل الوضوح التام والكامل وفهموا المغزى منها والمراد من قولها وعرفوا أيضا المعنيين بها ….
المغرب « يحتاج ، اليوم ، وأكثر من أي وقت مضى ، إلى وطنيين حقيقيين ، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين « هكذا شدد صاحب الجلالة على حاجة المغرب أيضا « إلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات « .
لذلك يبدو الرهان اليوم واضحا للغاية ، غير قادر على مداراة نفسه : هذا البلد محتاج للقادرين على الدفاع عنه ، المستعدين لبنائه وتنميته والصعود به ، المفتخرين بالانتساب إليه ، المصارحين بحقائقه كلها صعبها وسهلها ، حلوها ومرها ، لكن المنتمين له لا إلى أي مكان آخر.
جاء خطاب العرش ليعلن وجوب إجراء قطيعة نهائية مع الريع والعبث ؛ يقول صاحب الجلالة « …بناء مغرب الأمل والمساواة للجميع . مغرب لا مكان فيه للتفاوتات الصارخة ، ولا للتصرفات المحبطة ، ولا لمظاهر الريع ، وإهدار الوقت والطاقات ..
لذا ، يجب إجراء قطيعة نهائية مع هذه التصرفات والمظاهر السلبية ، وإشاعة قيم العمل والمسؤولية ، والاستحقاق وتكافؤ الفرص .»
وهكذا يتبين بكل وضوح وصرامة ، أن صاحب الجلالة يدعو وجوبا إلى إحداث قطيعة ، قطيعة نهائية ؛ قطيعة بالمعنى البنيوي ، القيمي ، السياسي والسوسيولوجي مع السلوكات والتصرفات التي تعيق استكمال بناء مغرب الأمل والمساواة …
وجب إذن ، القطع مع ثقافة النهب والعبث ، والتأسيس لثقافة العمل والمسؤولية.
المغاربة الذين يقولونها بكل اللغات عن تبرمهم ومللهم من الانتهازيين والناهبين ، سمعوا ملك البلاد يقول بأن الحاجة ضرورية اليوم لكفاءات صادقة ومخلصة ….إن هذا الملك يريد العمل ، ويبحث عن الصادقين للعمل معه .
لا ننكر أن العثور على هؤلاء الصادقين هو عملة صعبة في زمننا هذا …ولكن نعرف أن المغرب هو بلد كفاءات ، وبلد شباب وبلد وطنيين مواطنين قادرين على إبداع كل الطرق والحلول للنهوض ببلادهم والسير معها جنبا إلى جنب في كل مراحلها ، وأساسا في مرحلتها الجديدة المقبلة .
إن قدر المغرب ليس أن يبقى رهينة الذين يقفلون على الكفاءات المخلصة والمحبة لوطنها منافذ الطموح والمسؤولية في بلادهم . وهم من جعلوا الانتخابات وسيلة اغتناء عوض أن يجعلوها وسيلة خدمة للمواطنين والمواطنات . وهم سبب حقيقي من أسباب بقاء المغاربة غير مستفيدين من كثير الإصلاحات التي وقعت في البلد ، رغم أهمية هاته الإصلاحات وثوريتها وعدم تحققها في بلدان أخرى ….
هناك اقتناع ، هناك توافق بين الملك وبين شعبه ؛ إن الحاجة ماسة إلى الكفاءات الحقيقية الجديدة ، والطاقات المواطنة التي يمتلئ بها خزان هذا البلد حد الإبهار .
وهذه المرة كانت واضحة أكثر من المرات السابقة ، وتقول باسم الشعب وباسم الملك معا إن الحاجة ماسة لضخ الدماء الجديدة في العروق ، التي لم تعد تستطيع الاشتغال بشكل سليم …إن المسألة تهم مستقبل بلد بأكمله .
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 26/06/2020