مع برهان غليون.. التنظيمات الإسلامية صادرت الثورة وكفاح الشعب وتضحياته 2/1

يرى المفكر السوري برهان غليون، رئيس المجلس الوطني السوري السابق، أن تغير أيديولوجية قيادة الثورة في سوريا لم يُغيّر من طبيعة الثورة والدوافع التي دفعت الشعب إلى الانتفاض على النظام وتقديم أعظم التضحيات.
وقال غليون إن التنظيمات الإسلامية مثل داعش صادرت الثورة وكفاح وتضحيات الشعب، وأصبحت من حلفاء نظام الأسد في قهر الشعب وإذلاله وشل إرادته.

 

– ما هي أبرز الأخطاء التي ارتكبتها المعارضة خلال سنوات الثورة؟
– عدم نجاحها في توحيد نفسها ضد نظام بدائي ظالم، وفي تثمير تضحيات الشعب السوري الهائلة من أجل ضرب الحصار العسكري والسياسي والفكري الكامل عليه وإبراز إجرامه وتهافت حججه وذرائعه.

– ما هو أكبر خطأ ارتكبه الإسلاميون بحق المدنيين؟ وما هو أكبر خطأ ارتكبه المدنيون بحق الإسلاميين؟
– إذا كان المقصود من سؤالك عن الإسلاميين «النصرة وداعش»، فقد كانت جريمة هؤلاء وليس خطأهم فقط هي مصادرة الثورة وكفاح وتضحيات الشعب السوري لتحقيق مشاريع مناقضة تماماً لتطلعاته وآماله ومصالحه معاً. ولذلك لم يكن لديهم وسيلة للتقدم في هذه المشاريع إلا باستخدام الإرهاب والترويع والابتزاز الديني والسياسي.
وفي النهاية أصبحوا، بوعي أو من دون وعي، حلفاء للنظام في قهر الشعب وإذلاله وشل إرادته، وفي تأليب الرأي العام العربي والدولي على ثورته، وحرمانه من التضامن العالمي الذي كان بأشد الحاجة إليه في مواجهة نظام لا يتورع عن استخدام السلاح الكيماوي والقنابل العشوائية والقصف بالصواريخ والطائرات على المدنيين لتفكيك الحاضنة الشعبية للمقاومة وتدمير النسيج الوطني السوري.
أما بقية الإسلاميين أو أكثرهم ممن كانوا مع الثورة الشعبية، فلم يكن خطأهم في تدينهم، وهذا حقهم ولكن في ثقافتهم وأساليب عملهم السياسية التي لا تختلف كثيراً عن ثقافة وأساليب عمل أقرانهم من غير المتدينين أو العلمانيين، أعني الانطوائية والتمحور على الذات وانعدام الثقة بالآخر والاعتقاد العفوي بأنهم وحدهم مَن يعرف كيف يصون الثورة ويقودها، أي ثقافة الوصاية وغياب الحوار والتفاعل والنقاش مع منافسيهم في معسكر الثورة والمعارضة ذاته.
وهم في هذا أيضاً، كالمعارضة العلمانية، ضحايا نظام العدم السياسي أو إعدام السياسة لعقود وسياسات العزل المنظم وزرع الفتنة بين قطاعات الرأي العام وتشتيت المعارضة وضرب ثقة القوى في ما بينها وتوجيه بعضها ضد البعض الآخر.

– سوريا المستقبل، كيف يجب أن يكون شكلها برأيك؟
-ليس هناك في هذا الموضوع مجال للأسرار والاجتهادات. سوريا المستقبل ينبغي أن تكون كما يقررها السوريون الأحرار في انتخابات حرة ونزيهة. وفي كل البلدان التي أتيح فيها للشعوب أن تعبّر عن حقها هذا ورأيها بحرية، من دون تدخل أجنبي أو انقلابات عسكرية أو أجهزة أمنية، كانت الشعوب تميل نحو الديمقراطية، تماماً كما ترى نموذجها في الدول التي سبقتها إليها.
وليس هذا من قبيل التقليد ولا الاقتداء بالغير، فالتاريخ السياسي الحديث للبشرية منذ القرن السابع عشر، هو تاريخ ثورات الشعوب، في موجات متتالية، للحصول على حقها في أن تنتخب ممثليها وتقيلهم وتحاسبهم وتبدلهم، وكل ذلك حسب دستور ثابت، ونظام انتخابي معروف، يساوي بين الجميع، ومن دون تمييز من أي نوع.
وهذا يعني أنه لا توجد هناك نماذج جاهزة مفروضة على الشعوب، كما يريد اليوم مَن يعلنون وصايتهم على السوريين، ولكن هناك هدف أسمى ترنو إليه كافة المجتمعات اليوم هو أن تكون الدولة دولة الحرية لا أداة للاستعباد، وأن تنبثق السلطة فيها عن انتخابات حرة ونزيهة ندية، وأن تكون القيادة تداولية، ومنظمة، لا غنيمة أصحاب القوة أو أبطال الانقلابات العسكرية وتنظيم المجازر الجماعية، وأن تكون الغاية الأولى للحكومة فيها سعادة السكان والارتقاء بشروط معيشتهم ووجودهم المادية والمعنوية.
ليس هناك نماذج مسبقة الصنع للديمقراطية لكن هناك مثال ديمقراطي تنزع إليه كل الشعوب الحرة. والسوريون هم الآن، بعد التضحيات الجسيمة التي قدموها، أحد هذه الشعوب الحرة، ولن تقوم لديهم حكومة مستقرة من دون الاعتراف لهم بهذه الحرية، وتكريسها في نماذج حكم ديمقراطية، ومعبرة في الوقت نفسه عن خصوصيات مجتمعاتهم وتطلعاتها وحاجاتها العينية.

– هذا التصور عن سوريا المستقبل هو تمني أم أنه يمكن أن يتحقق على أرض الواقع؟ وما الظروف التي من الضروري توفيرها ليتحول إلى واقع؟
– لن يتحقق غيره، لكن ليس قبل أن تخمد أحقاد الخاسرين وتتبخر أوهام الطامعين إلى وراثة إرث الدكتاتورية من القوى المحلية والإقليمية والدولية.
بعد كل هذا الموت وهذا الدمار وهذه المآسي التي حلت بسوريا والسوريين، هل ترى أن فكرة الخروج على نظام الأسد كانت صحيحة أم كان على السوريين الاستمرار في التكيف مع القمع كما فعلوا طوال سنوات طويلة؟
لو كان بإمكان السوريين الاستمرار في الخضوع لنظام الفساد والاستعباد فترة أطول لما هبّوا لإسقاطه. ولو شعروا في أي لحظة أن الفائدة من إسقاطه لا تساوي الكلفة الموضوعة فيه لما استمروا في تقديم التضحيات التي لا تزال مستمرة من دون حدود حتى اليوم.
الشعوب ليست كالأفراد، وحساباتها مختلفة تماماً. وإذا كان السوريون قد قبلوا بأن يبذلوا ما بذلوه من دماء ومعاناة فهذا يفترض أن دافعهم عميق أيضاً بعمق إرادة التضحية التي أظهروها. وعندما يقبل الناس مثل ما قبل به السوريون من خراب ودمار وقضاء على شروط حياتهم وعمرانهم فعلينا أن نعرف أن سبب ذلك هو أنه لم يكن لديهم خيار آخر، ولا يمكن أن يكون لسبب بسيط وعارض. وراء ذلك غاية، ربما كانت أسمى من الحياة، أو كانت جوهر الحياة نفسها.
الموت من أجل الحرية أسمى للفرد من الحياة كالكلب من دون كرامة ولا سعادة ولا إحساس بالإنسانية. كتب المتنبي: «وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد».


الكاتب : حاوره: رضا غنيم

  

بتاريخ : 29/06/2020