الفنانون التشكيليون بين جائحة «كورونا» والإقصاء من الدعم : عبد الكريم الوزاني: الفن التشكيلي، ليس عملا يستوجب أجرا أو مدخولا منتظما

فرضت جائحة «كورونا»، ومن دون إشعار مسبق، قرار حظر التجول على الفنانين التشكيليين، ما جعلهم يغلقون أبواب بيوتهم ومحترفاتهم عليهم طواعية وكرها، ويلتحقون بالعالم الافتراضي كرواق بديل للمشاركة عبر الملصق أو التصوير، إسهاما في التحسيس بخطورة الجائحة .
اختلف الفنانون التشكيليون في أمر هاته العزلة الإنسانية المضروبة عليهم، هل يمكن اعتبارها فترة انكفاء على الذات في البعد الديني والبعد الروحي، أم شد خناق على حرية البدن والنفس، أم مناسبة لإطلاق العنان للفكر والخيال والإبداع وإعادة ترتيب أوراقهم والتزاماتهم والتأقلم مع الوافد الجديد.. من خلال منجز تعبيري يوثق لهواجسهم وقلقهم وتوترهم وتجاربهم اليومية، ينفذون بعضها بما لديهم من مواد وأخرى بواسطة الفن الرقمي.
ولئن كان الفنان التشكيلي يترقب منذ وقت طويل اعترافا رسميا به..ولم يتأت لحد الآن، فإن كورونا ضاعف من معاناته، وأعاق تحركاته. فثمة من يشكل الفن التشكيلي دخله الوحيد !
نحاور اليوم عبد الكريم الوزاني٬ فنان تشكيلي وناحت تطواني،من ما بعد جيل الرواد(أحمد العمراني، مكي مغارة سعد بنشفاج(الذي هو اليوم طريح الفراش، بارك الله في عمره). عرض بإفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا. اعتبر الراحل إدمون عمران المالح تجربته متفردة وغير مسبوقة في تاريخنا التشكيلي.أما نقاد الفن في أوروبا فيعدونه أحد كبار الفنانين المتوسطين المعاصرين. ثمة من يطلق عليه لقب «بيكاسو» أو « كالدير»، أو «نيرو» أو»شاعر الألوان «. وقد وُشِّحَ فناننا بوسام الجمهورية الفرنسية من درجة فارس في الفنون والآداب سنة 1999، ووسام المملكة البلجيكية من درجة فارس سنة 2004، والوسام الملكي الإسباني من درجة فارس سنة 2007 كما تسلم سنة2014وسام الاستحقاق من درجة فارس من يديْ جلالته الكريمتين.

 

 

 كيف يمر عليكم الوقت في ظل الحجر الصحي؟ هل تعتبرون هذا الواقع المستجد، بمثابة فترة استراحة محارب، أم حجرا على الحرية؟ أم مناسبة للتأمل ومزيد من الخيال والإبداع؟

أعتبر نفسي من المحظوظين، إذ البيت الذي أسكن به،يوجد مرسمي بطبقته الأولى. أحب العزلة، لذلك وجدتني أتعايش مع الحجر الصحي. لا أبرح المنزل إلا لضرورة يقتضيها العيش والحياة.
لا أغادر المنزل،فقط لأنه مسكني ومقر عملي، أنا أعشق الهدوء والسكينة من أجل تركيز أكبر ومزاج رائق ونفسية مرتاحة،للاستلهام والاستيحاء.
سواي قد يرى في الحجر الصحي تحجيرا على الحرية، ولكن الحرية، ليست هي التحرر من التدابير الوقائية للحد من وباء كورونا، بشكل يجعل العدوى تنتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم كلما غادروا بيوتهم. لا اختلاف أن الحرية حق مشروع، لكن شريطة أن لا تتصادم مع القانون، أو تتعدى حق الغير في السلامة الصحية.

ما هي الأبعاد التي تركزون عليها في منجزاتكم الإبداعية؟

الحجر الصحي يجعل الفنان التشكيلي يقف مع نفسه متأملا، يعيد النظر كرتين فيما تتعرض إليه البيئة من تخريب فوضوي وإبادة ممنهجة على يد الإنسان.وكما تعلم، فإن جميع أعمالي سواء في هاته الفترة الحرجة من الحجر أو حتى ماقبلها، تتركز أبعادها على الإنسان الذي يثوي في أعماقه الطفل العفوي الذي ينشدّ إلى عالمه عالم الفطرة والطفولة، على الجانب الجمالي للحياة، على مظاهر الطبيعة التي هي متنفس الإنسان ليستمر وجوده. وعالمي يكتنف أسماكا (أضعها في مكان غير مكانها ككأس أو حوض ماء) أسماكا طائرة وحيوانات هزيلة..والإنسان كثيمة رئيسة، يعيش عصر التلوث البيئي والسمعي والبصري.

هل توثقون لتداعيات»كورونا» على الفن التشكيلي بوجه خاص، وعلى شخصكم بوجه أخص اليوم ، أم تنتظرون حتى انقضاء الجائحة؟

طبعا، أوثق لجائحة كورونا.الفنان الحق، هو من يواكب حركية الحياة، ويساير عصره ويتابع مجتمعه بأحاسيسه، بفكره وعاطفته الجياشة وإبداعه الخصب، ليضمِّن رؤيته الفنية الخاصة بمنجزه التعبيري.وبالنسبة إلي، فقد قمت بتشكيل عملين فنيين أسميتهما:كورونا»، من أجل بيعهما بالمزاد العلني، حتى يذهب ثمنهما لصندوق كورونا .

 هناك دعوات في مواقع التواصل الاجتماعي تدعو الفنانين لعرض الأعمال التشكيلية بشكل طوعي في المزادات المحلية والدولية على صفحاتهم على الفاسبوك من أجل دعم صندوق كورونا، ما رأيكم في ذلك؟

من المعلوم أن مواقع التواصل الاجتماعي انتشرت بين الناس بشكل تدريجي حتى استحكمت وتقوت، وأصبح دورها ورسالتها على غير المعتاد ولا المتوقع، وأضحى ضرها أكثر من نفعها،فلم تعد تثري الفكر البشري،وأمست ساحة تصفيات وحسابات ضيقة ومنازعات ونوادي للنميمة الاجتماعية ونهشا للأعراض وخرابا للبيوت وتلطيخا للسمع وتشجيعا للغث والرذيلة والفساد..لكل هذا، أنكفئ على ذاتي، وأتفرغ لمحيطي بعيدا عن كل تشويش أو إزعاج أو صداع الرأس، منغمسا في أجواء صحية من العطاء والإبداع.

 اختلف الفنانون التشكيليون في مسألة الدعم المخصص من قبل المؤسسة الوطنية للمتاحف (والمقدر ب600 مليون سنتيم) للفنانين التشكيليين.وقد أثارت مسألة الدعم هاته ردود أفعال متضاربة وإشكالا كبيرا، أين أنتم من هذا؟

إن التفكير أصلا في تقديم الدعم للفنانين التشكيليين، لهُو أمر جميل ومحمود.الفكرة في حد ذاتها نبيلة في ظل هذا الظرف العصيب الذي لايقوى فيه كثير من الناس، أكانوا أهل الفن أم الثقافة أم بدون.. على إعالة أنفسهم وذويهم والاستمرار في الإبداع حتى لاتتوقف عجلة المجتمع.
ثم هناك شيء للتوضيح، ألا وهو أن الفن التشكيلي، ليس عملا يستوجب أجرا أو مدخولا منتظما.الفنان، لم يكن يوما شخصا مُياوما أو حانوتيا، ينجز عملا يوميا ويتقاضى عليه أجرا، ويكرر العملية نفسها في الغد.
الفنان التشكيلي يشتغل على العمل طيلة السنة أو ما فوق أو ما يقل من غير انتظار دعم أو مساعدة.إن التشكيل ليس مهنة تدر مالا بشكل منتظم، الفن التشكيلي غذاء الفكر والقلب وإمتاع للعين، دوره أن يرتقي بذائقة المتلقي جماليا وإبداعيا ويعتلي به اجتماعيا وفلسفيا وحضاريا.ليست ممارسة الفن التشكيلي من أجل ملء الجيوب أو الإثراء.إن للفن رسالة إنسانية نبيلة وعزيزة،وليس للفن مسعى «السعاية›› من أجل مدخول ومكاسب..وحول الميزانية التي خصصتها المؤسسة الوطنية للمتاحف، وحول لجنتها وتصورها وصيغتها المعتمدة وأولوياتها..لا أتوفر على توضيح، لأني بكلمة واحدة: لا أتقصى. أنا غارق في عملي الإبداعي من الرأس إلى أخمص القدمين، إنه يملك علي أفكاري وأحاسيسي وجهدي بل وحياتي.

 كلمة لابد منها:

الرجل كان أمة وحده.فريدا متفردا. عرفناه، من رجالات الدولة، نشيطا حيويا،أصيلا شهما، مستقيما، مناضلا، متواضعا تواضع الكبار، خدوما لبلده، مثقفا من غير ادعاء، سياسيا محنكا أعاد للسياسة نبلها وكرامتها.. ومدافعا عن حقوق الإنسان في أبعادها  الكونية، واجتماعيا بطبعه، وإنسانا أبيا كارها للفساد وهدر أموال الشعب، مستميتا في الذود عن القضية الوطنية الأولى في المحافل الدولية..


الكاتب : عزيز الحلاج

  

بتاريخ : 04/07/2020