الحكومة تسرعت في فتح الاقتصاد ورفع الحجر الصحي وحالة الطوارئ، وكان عليها انتظار متم شهر يونيو-بداية يوليوز حيث سيبدأ تصفير منحنى إصابات كورونا
ماهي الصدمات التي سيواجهها الاقتصاد المغربي بعد تخفيف الحجر الصحي المفروض بسبب جائحة كورونا؟ ما السبل المفتوحة أمامه لاستعادة تعافيه؟ وما هي القطاعات التي ستظهر تماسكا أكبر و تلك التي ستعاني هشاشة تهدد مستقبلها؟ و ما الرهانات المفتوحة أمام الدولة في تدبير مزدوج متعاكس يضم في نفس الوقت حماية الصحة العامة و إنعاش الاقتصاد؟ ما المآلات المترتبة عن توجه الدولة نحو المزيد من الاستدانة؟ هذه الأسئلة التي تقلق المغاربة في هذا الظرف المطبوع بتداعيات أزمة تفشي فيروس كورونا، نتناولها مع الخبير الدولي في الاقتصاد الدكتور إبراهيم المنصوري الذي أثبتت التوقعات التي قدمها منذ أزيد من شهرين في ورقات بحثية نشرها في منابر دولية محكمة، صحتها، و جاءت توقعات بنك المغربي الأخيرة لتؤكدها. و الدكتور إبراهيم المنصوري أستاذ العلوم الاقتصادية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش؛ منسِّق مجموعة البحث التي شكلها المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية بالرباط حول آثار الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على التنافسية العامة للمغرب. نشر مقالات علمية متعددة في مجلات وطنية ودولية وساهم في مجموعة من المؤلفات في مجالات مختلفة باللغات العربية والفرنسية والانجليزية. شارك في مؤتمرات وندوات علمية وطنية ودولية.
أكد بنك المغرب قبل أيام التوقعات التي كنت قد تقدمت بها قبل شهرين في حوار أجرته معك جريدة الاتحاد الاشتراكي بخصوص تراجع النمو بالمغرب لهذه السنة الذي توقعت أن يناهز ناقص 5 بالمئة، في البداية نود أن نسألك كيف يمكن ترجمة هذا الرقم بقيمة مالية على مستوى الخسائر التي تهم القطاعات الإنتاجية و كذا على المستوى الاجتماعي( سوق الشغل، مناصب الشغل التي ستفقد، الفقر..) ؟
بالفعل، كنا قد توقعنا منذ 23 أبريل 2020، في إطار ورقة بحثية، أن يشهد الاقتصاد المغربي انكماشا يناهز 5%، وذلك في الوقت الذي كانت المؤسسات الوطنية كما الدولية أكثر تفاؤلا، حتى أن البنك الدولي كان يطبل على معدل نمو اقتصادي موجب في حدود 2%ن بينما توقعت المؤسسات الوطنية من أمثال وزارة المالية وبنك المغرب والمركز المغربي للظرفية معدلات انكماش تقل في مجملها عن 3%. لقد دأبنا منذ سنوات على توقع معدل النمو الاقتصادي في المغرب لكل سنة جبائية، علما أن توقعاتنا كانت في مجملها صائبة. إن فعالية توقعاتنا تدل على أن تحليلنا العصري للسلاسل الزمنية مع استعمال آخر التقنيات المتوفرة في ميدان الاقتصاد القياسي صائب في مجمله، وأن المتغيرات المفسرة لنموذج النمو الاقتصادي قد انتقيت بطريقة تحترم تعاليم النظرية الاقتصادية وخصوصيات الاقتصاد المغربي.
كما يعرف المتمكنون من مفاهيم وأدوات الاقتصاد السياسي، يعني انكماش الاقتصاد أنه تأثر سلبا على مستويي العرض والطلب، أي أن الاقتصاد الوطني قد وقع تحت وطأة صدمة مزدوجة بحيث يتقلص العرض وتضعف المداخيل الموزعة على الفاعلين الاقتصاديين المساهمين في تشكيل الكعكة الوطنية، مما يدفع بهم إلى تقليص الطلب على السلع الاستهلاكية والاستثمارية.
وبما أن الاقتصاد الوطني يشمل قطاعات إنتاجية متعددة، أو يتكون على العموم من القطاع الأولي والقطاع الثانوي والقطاع الثالث، فإن كل القطاعات المكونة للنسيج الإنتاجي ستتضرر بدرجات متفاوتة من انكماش الاقتصاد ككل. فبالنسبة للقطاع الأولي، خاصة ما يتعلق بالإنتاج الفلاحي، ينتظر أن تهوي مردودية الحبوب إلى ما دون 6 قناطر في الهكتار الواحد، أي أقل من 30 مليون قنطار كإنتاج إجمالي، مما سيساهم في تقليص معدل النمو الاقتصادي الكلي بما يقارب 1,8 نقطة مئوية. أما فيما يتعلق بالقطاع الثانوي، خاصة كل ما يرتبط بالصناعة، فلا بد من الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى ارتباطه بالمحصول الفلاحي عرضا وطلباً، فإنه سيتكبد خسائر هامة ستؤدي لا محالة إلى انخفاض الصادرات، مما سيعمق عجوزات الميزان التجاري، وبالتالي فإن انخفاض الصادرات سيساهم في مزيد من الاختلالات في ميزان الأداءات الجارية. زد على كل هذا ما يتعرض له القطاع السياحي الذي يساهم بما يناهز 7% من الناتج المحلي الإجمالي، وتهاوي التحويلات المالية لمغاربة العالم التي تغذي الكعكة الوطنية بما يقارب 5% في المائة من الناتج الداخلي الخام، واندحار الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تساهم في تراكم هام للرأسمال وتنعش التشغيل، وبالتالي فإن شللها الواضح في عز أزمة فيروس كورونا المتحور سيؤدي إلى انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة، وبالتالي إلى انخفاض في معدل النمو الاقتصادي. وعلى العموم، فإن انخفاض الصادرات وتحويلات المغاربة القاطنين بالخارج والعائدات السياحية والاستثمارات الأجنبية المباشرة سوف ينجم عنه تقلص في معدل النمو الاقتصادي بحوالي 1,9 نقطة مئوية، علماً أن هذا التقلص له ارتباط وثيق بأزمة فيروس كورونا المستجد، وهي بالأساس أزمة عالمية أثرت سلباً على النمو الاقتصادي لدى أهم الشركاء الاقتصاديين للمغرب، خاصة في أوروبا، بحيث أن الشلل الاقتصادي لدى هؤلاء الشركاء لا بد وأن يؤثر في نمو الاقتصاد الوطني، خاصة عبر قنوات الصادرات والسياحة وتحويلات مغاربة العالم والاستثمارات الأجنبية المباشرة، لأن تهاوي النمو الاقتصادي لدى البلدان الشريكة للمغرب يؤدي بكل بساطة إلى انخفاض الطلب الخارجي على العرض القابل للتصدير والعرض السياحي، بالإضافة إلى مفعوله الواضح على مداخيل مغاربة العالم وقدرة المستثمرين الأجانب على المساهمة في تراكم الرأسمال في المغرب عبر آلية الاستثمار الأجنبي المباشر. زد على ما سلف ذكره الآثار الناجمة عن الأثر التفاعلي للتحرير التجاري والاستثمارات الأجنبية المباشرة، إذ توحي تقديراتنا القياسية أن هذا المفعول سينجم عنه انخفاض في معدل النمو الاقتصادي لهذا العام بحوالي 0,85 نقطة مئوية، بالإضافة إلى الأثر السلبي لتقلص الطلب على السلع الاستهلاكية، خاصة المعمِّرة منها، والذي سيناهز 1,3 نقطة مئوية، وتهاوي مخزون الرأسمال في القطاعين الخاص والعام، والذي سيساهم في انخفاض النمو الاقتصادي بواقع 0,95 نقطة مئوية، زيادة على حجم العمل الذي سيؤدي انخفاضه إلى تهاوي معدل النمو الاقتصادي بحوالي 0,6 نقطة مئوية.
أما بالنسبة للتشغيل، فإن البنك الدولي توقع مؤخرا أن يصل معدل البطالة في المغرب للسنة الجارية إلى ما يقارب 13%، علما أن حساب هذا المعدل تعتريه شوائب كثيرة، خاصة في ما يرتبط بإشكالية الدقة المطلوبة لحساب مستوى التشغيل في القطاع غير المهيكل. وحسب تقديراتنا، فإن الأخذ بعين الاعتبار لواقع الهشاشة المتفشية في القطاع غير المهيكل والشلل شبه التام الذي فرضه انتشار فيروس كورونا المستجد، فإن معدل البطالة الفعلي قد يحوم حول 40%، وقد يخف شيئا ما بعد الفتح الجزئي للاقتصاد إثر التدابير الحكومية الأخيرة بشأن تخفيف حالة الطوارئ والحجر الصحي.
إذا كان معدل البطالة بالمغرب سيرتفع بسبب تداعيات الجائحة إلى 40 بالمئة، فإن ذلك سيؤدي إلى توسيع قاعدة الفقر، هل يسمح التحليل القياسي للسلاسل الزمنية باستقراء معالم خارطة الفقر ببلادنا في المستقبل مُحيّنة في سياق التدابير المعتمدة من قبل الدولة؟
إن كل هذه التوقعات المبنية على تحليل قياسي حديث للسلاسل الزمنية تنبئ بأن معدل الفقر سيرتفع بالمغرب في سياق نموذج تنمية غير شامل أصلا (Modèle de développement non inclusif)، مما سينجم عنه مزيد من تفقير الفقراء وتفشي الهشاشة والإقصاء الاجتماعي، مع العلم أن الأمور كانت ستسوء أكثر لولا التدابير التي اتخذها صناع القرار في المغرب، خاصة عبر امتصاص الصدمة السوسيو-اقتصادية عن طريق توزيع المساعدات على المحتاجين، بالرغم من كون هذه المساعدات لم تطل كل المحتاجين. على كل حال، يبدو أن أهم محاسن فيروس كورونا المتحور يتمثل في أنه مكن السلطات العمومية من بناء أول خريطة فعلية للفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي عن طريق تسجيل حالات المواطنين المحتاجين إلى المساعدات في خضم الأزمة الصحية الراهنة، مما قد يساهم في إصلاح صندوق المقاصة وتوجيه أمواله نحو المواطنين الذين يستحقون الدعم، عوض تعميمها على الجميع، بمن فيهم الأغنياء الذين لا يحتاجون إلى أي دعم. إلا أن إصلاح صندوق المقاصة في هذا الاتجاه يستوجب التوفر على الإرادة السياسية اللازمة لذلك، بحيث أن أكثر ما نخشاه هو أن تقبر الحكومة كل المعطيات التي استقتها حول المواطنين المقصيين والمهمشين في عز أزمة كورونا، ليبقى صندوق المقاصة على ما كان عليه، أي كآلية لتوزيع مزيد من الامتيازات لصالح المحظوظين وتكريس فقر الأشقياء الذين يعيشون تحت نير الفقر والهشاشة والإقصاء. وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى أن النموذج التنموي الجديد يجب أن يأخذ بعين الاعتبار لهذا المعطى ما دامت التنمية الحقيقية تتمثل في تحسين الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمواطن البسيط، أي القطع مع ما سماه المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية في تقريره الإستراتيجي الأخير باقتصاد التوحش (Economie de la prédation )، أي الاقتصاد الذي لا يكترث كثيرا بتكافؤ الفرص ويساهم في تعميق الفوارق الاجتماعية، بحيث أن تحسن الثروة الإجمالية للبلاد لا ينجم عنه تحسن في الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لعامة الشعب.
سؤال: يبدو أن تشخيص هذه التوقعات يرتبط بتفاعل السياق الداخلي بالعوامل الخارجية، لنأخذ مثلا تأثير انكماش الاقتصاد العالمي بسبب جائحة كوفيد 19، ماهي المعالم الأساسية التي يظهر فيها هذا التأثير على المستوى الداخلي؟
كما قلنا أعلاه، ونظرا للاندماج الكبير للاقتصاد الوطني في الاقتصاد العالمي، فإن أي انكماش اقتصادي لدى أهم شركائنا التجاريين لا بد أن يؤثر على النمو الاقتصادي في المغرب. ويتجلى خطر الآثار السلبية لأزمة فيروس كورونا المتحور التي ضربت جل بلدان العالم في سرعة انتشارها في بلدان أخرى بفعل مسلسل العولمة الجامحة. ويتمثل المفعول غير المباشر للأزمة الصحية في باقي العالم، خاصة في أوروبا التي يرتبط بها اقتصاد المغرب ارتباطا وثيقا، في مدى تأثيرها السلبي على صادرات المغرب والعائدات السياحية وتحويلات المغاربة القاطنين في الخارج وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
يتضح مما سبق أن تسارع اندماج الاقتصاد الوطني في منظومة الاقتصاد العالمي له مساوئ بيِّنة، إذ أن أي «عُطاس» لاقتصاديات شركائنا التجاريين قد تنجم عنه إصابة الاقتصاد الوطني «بزكام» حاد ! ولذلك، فإن الأزمة الراهنة تبين بما لا يدع مجالاً للشك أن الحكومة الصالحة ليست هي التي تحرر الاقتصاد الوطني بشكل مبالغ فيه في إطار مسلسل التجارة الحرة (Libre-échange)، وإنما هي التي تمكن الاقتصاد الكلي من الوقوف على ساقيه المتكاملتيْن، أي السوق الداخلي والسوق الخارجي، مع العمل على بناء مزايا نسبية جديدة (Nouveaux avantages comparatifs) عوض الاكتفاء بالمزايا النسبية القديمة، خاصة تلك التي تستند إلى إنتاج وتصدير المواد الأولية.
لقد عمل المغرب، خاصة منذ بداية الألفية الثالثة، وفي إطار إستراتيجيات قطاعية (Stratégies sectorielles) متعددة، على تنويع الاقتصاد الوطني وتقليص اعتماده على إنتاج وتصدير السلع الأولية (Biens primaires)، وكانت النتائج لا بأس بها على العموم، إلا أن الأزمة الصحية الراهنة تمخضت عنها مشاكل عديدة بعد الشلل الكبير الذي أصاب النسيج الإنتاجي والتعثر الكبير الذي شهده تدفق الرأسمال الأجنبي المباشر، إلى الحدّ الذي أصبحنا فيه نخشى هروب الرساميل الأجنبية المباشرة التي استطاع المغرب جذبها خلال السنوات القليلة الماضية.
لقد حان الوقت، خاصة في إطار النموذج التنموي الجديد، للمضي قدما في سبيل إنعاش السوق الداخلية على جميع المستويات: الرفع من الطلب على السلع والخدمات الوطنية، تسريع وثيرة السياحة الداخلية، دعم الاستثمار المحلي المنتج، الخ…لقد أوحت إلينا أزمة فيروس كورونا المستجد إلى أن البلدان التي تعتمد أكثر على السوق الخارجية هي التي ستضرب اقتصادياتها في مقتل وستحتاج إلى وقت أطول لتتمكن من التعافي، بينما ستكون الآثار الناجمة عن الأزمة أخف لدى البلدان التي تتبنى سياسات توازنية فيما يخص الاعتماد على السوقين الداخلية والخارجية.
هناك عوامل داخلية أثرت في دفع عجلة النمو إلى التراجع، كتمديد الحجرالصحي بسبب الفيروس التاجي والجفاف وتوقف النشاط السياحي.. كيف عملت كل هذه العوامل وغيرها في إنتاج هذه الحصيلة السلبية؟
نعم، إن الحجر الصحي خيم بظلاله على النشاط الاقتصادي في جل بلدان العالم، مع العلم أن الاقتصاد المغربي أصبح تحت نير صدمة مزدوجة، إذ شاءت التغيرات المناخية أن تتزامن أزمة فيروس كورونا المتحور مع أزمة الدائرة الجفافية (Cycle de sécheresse : Drought Cycle ) التي لا تقل خطورة عن الأزمة الكورونية. وكان من الإمكان أن تسوء الأمور أكثر لو بقي الاقتصاد الوطني أكثر ارتباطا برحمة السماء كما كان عليه الوضع في السنوات الماضية.
ونظرا للصدمة المزدوجة المشار إليها أعلاه فإن صناع القرار في المغرب صارواْ ملزمين على تسطيح منحنييْن متعاكسيْن: منحنى الإصابات بفيروس كورونا المتحور (Courbe du coronavirus) ومنحنى الانكماش الاقتصادي (Courbe de la récession économique)، مع العلم أن الحكومة مدعوة إلى تأخير الوصول إلى الذروة وتقليص مستوى تلك الذروة؛ وفي نفس الوقت، يتحتّم عليها العمل على تأخير زمن الانكماش الاقتصادي وتقليص مستواه. إنه لمن الصعب حقا أن تلعب الحكومة بإتقان على حبلين متعاكسين، أي أن تنجح في تسطيح المنحنييْن عبر مقاربة مزدوجة، صحية واقتصادية.
وفي هذا الإطار، سيذكر التاريخ في الآتي من السنوات إنجازات حكومات بلدان مختلفة، وسيحصي الحكومات التي برعت في مزج المقاربتيْن الصحية والاقتصادية وتلك التي فشلت في ذلك. ففي الوقت الحالي، يبدو أن الحكومة المغربية بدأت تفتح الاقتصاد لأنها واعية بأهمية تسطيح منحنى الانكماش الاقتصادي بعد أن بدأ منحنى إصابات كورونا يتسطح عند نهاية شهر مايو 2020، بالتوافق مع توقعاتنا السابقة في إطار ورقتيْن بحثيتيْن. إلا أننا نكاد نجزم أن الحكومة تسرعت شيئا ما في فتح الاقتصاد ورفع الحجر الصحي وحالة الطوارئ، وكان عليها انتظار متم شهر يونيو-بداية يوليوز، أي الفترة التي سيبدأ فيها تصفير منحنى إصابات كورونا، مع العلم أن فتح الاقتصاد دون الالتزام بالتدابير الاحترازية قد ينجم عنه ضياع تسطح منحنى الإصابات بالفيروس، وبالتالي انتشار مهول لمرض كوفيد-19 وما سيترتب عنه من ضغط كبير على المؤسسات الصحية وتوتر اجتماعي وضعف التماسك الاجتماعي. إن فتح الاقتصاد لمن شأنه أن يخفف وطأة الانكماش الاقتصادي على مستويي العرض والطلب الكُلِّييْن، إلا أن التراخي في الاحتراز قد يمحو ما تحقق إلى حدّ الآن فيما يتعلق بالتحكم في انتشار الجائحة، مع العلم أن الاحتراز مسؤولية جماعية تتحملها الحكومة كما يتحملها الأفراد والجماعات بكل أصنافها.
لقد ساهمت الصدمة المزدوجة للجفاف وفيروس كورونا المتحوِّر في شلل كبير للاقتصاد الوطني، مع العلم أن كِلي العامليْن أنتجا بدورهما صدمتين مزدوجتيْن، أي صدمتا العرض والطلب. فبالنسبة للجفاف، يمكن أن نقول بلا تردد: «في المغرب، إن تعافى محصول الحبوب، تعافى الاقتصاد» (Si les céréales vont, l’économie va)، لأن انتعاش مردودية الحبوب يرفع من العرض (Offre) في القطاع الفلاحي، مما يتمخض عنه ارتفاع في القيمة المضافة الحقيقية (Valeur ajoutée réelle) للقطاع الفلاحي؛ وبالمثل، فإن تحسن مستوى المردوية الحبوبية ينعش الطلب الكلِّي، وذلك عبر الرفع من مستوى مداخيل الفلاحين وأفراد عائلاتهم. وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى أن المقولة الشهيرة التي تذهب إلى أن «المغرب بلد فلاحي بامتياز» (Le Maroc est un pays à vocation agricole) قد تكون خاطئة إلى حد بعيد، ما دام المغرب لا يتبنى إستراتيجية فلاحية عقلانية وينتظر «الحكامة الإلهية» (Gouvernance divine) للتمكن من سقي الإنسان والبهيمة والنبات، ومن هنا تتبين أهمية مخطط المغرب الأخضر الذي كانت نتائجه لا بأس بها على العموم، رغم بعض العراقيل التي يجب تجاوزها في إطار إستراتيجية فلاحية حقيقية.
أما بالنسبة لأزمة فيروس كورونا المستجد، فإن صدمتها تتميز بالازدواجية أيضا، إذ أثرت على العرض والطلب معاً. فعلى مستوى العرض، أصيب النسيج الإنتاجي بشلل شبه تام لينخفض الإنتاج في جل القطاعات؛ وبالمثل، كان للجائحة وقع على الطلب. وعلى العموم، فإن صدمتي الجفاف وكورونا قد نجم عنهما تقلص في الطلب والعرض حلى حد سواء، مما خلق الظروف المواتية للانكماش الاقتصادي، ما دام هذا الانكماش يرتبط بتهاوي العرض والطلب على السلع والخدمات الاستهلاكية والاستثمارية.
هل سيدفع تراجع النمو بهذا المعدل الحكومة إلى المزيد من الاقتراض؟ وهل يشكل ذلك دخولا في حلقة مفرغة قد يجعل المغرب يلج مرحلة جديدة من سياسة التقويم الهيكلي؟
لا شك أن فيروس كورونا كجائحة عالمية سيدفع بحكومات جل بلدان العالم إلى مزيد من الاقتراض. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن خبراء الاقتصاد عبر العالم تنبؤاْ حتى قبل تفشي فيروس كورونا المتحور بأزمة خانقة قد تضرب النظام الرأسمالي بقوة، وذلك بفعل تفاقم الديون على المستوى العالمي، متوقعين أن تكون تلك الأزمة أخطر من تلك التي انهالت على النظام الرأسمالي في 2007/2008، بل أعتى وأمرّ من الانهيار الكبير (Grande dépression) الذي ضرب الرأسمالية عند نهاية عشرينيات القرن الماضي. ففي نهاية 2019 مثلا، أي قبيل ظهور الفيروس في البرّ الصيني، وصل مخزون الدين العالمي إلى ما يقارب 260 تريليون دولار أمريكي، أي 260 ألف مليار دولار، أو أكثر من ضعف الناتج العالمي الخام بأربع مرات. أما مع تفاقم أزمة كورونا، فإن الدين العالمي سيتضاعف بشكل مهول، مع العلم أننا نلاحظ حاليا لجوء حكومات جل الأقطار إلى مزيد من الاستدانة من أجل مواجهة الانكماش الاقتصادي، بل إن الأبناك المركزية حول العالم بدأت تعمد إلى تبني سياسات التسيير النقدي (Monetary Easing)، خاصة عبر تخفيض معدلات الفائدة، بل السير بها نحو التصفير، بالإضافة إلى شروع بعض المصارف المركزية في طبع النقود بدون مقابل اقتصادي حقيقي.
إن هذا الاتجاه العام لحكومات جل بلدان العالم إلى الاستدانة لا بد أن يحدث في المغرب أيضاً. فمنذ سنوات خلت، كان بإمكان المغرب أن يستفيد من خط الحيطة والسيولة (Ligne de précaution et de liquidité : LPL) الموضوع رهن إشارته من طرف صندوق النقد الدولي، إلا أنه لم يفعل. أما في الوقت الحالي، وأزمة كورونا قد ضربت أطنابها داخل دواليب الاقتصاد والمجتمع، فقد اضطرت الحكومة المغربية إلى سحب مبلغ 3 ملايير دولار أمريكي بموجب ذلك الخط التمويلي، ثم زادت على ذلك قروضا خارجية أخرى من البنك الدولي وصندوق النقد العربي وغيرهما، ناهيك عن الاستدانة داخلياً من الأشخاص الذاتيين والمعنويين، بحيث أن الدين العمومي الداخلي أصبح إشكالية كبيرة تقض مضجع صناع القرار في المغرب، إذ يتجاوز مخزونه مبلغ الدين الخارجي بكثير. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن الدين الداخلي له مساوئ كثيرة، خاصة تلك التي ترتبط بضغط القطاع العام على الموارد المالية المتاحة، وهو ضغط يحرم القطاع الخاص من الاستفادة من الادخار الوطني على مستويي الاستهلاك والاستثمار. كما أن ضرورة وفاء الحكومة بالتزاماتها في ما يخص خدمة الدين الداخلي (Service de la dette intérieure) قد يدفعها إن آنيا أو آجلا إلى خلق مزيد من النقود دون الالتزام بما يحدث في القطاع الحقيقي (Secteur réel)، مما سيدفع بمعدلات التضخم إلى الارتفاع، ويؤدي بالتالي إلى ارتفاع معدل الفائدة وتقلص الاستثمار.
إن إمكانية لجوء الدولة المغربية إلى مزيد من الاستدانة تتوقف أساساً على مستقبل فيروس كورونا نفسه. ذلك أن المرور إلى موجة ثانية (Deuxième vague) لتفشي الفيروس في ظل فتح الاقتصاد والتراخي في الاحتراز سيعني بالضرورة الرجوع إلى مزيد من الحجر الصحي وفرض حالة الطوارئ من جديد، مما سيؤثر سلباً على عائدات الدولة من الضرائب والمُكوس وعائدات الصادرات والسياحة من العملات الصعبة القوية، ويدفع بها بالتالي إلى مزيد من الاستدانة داخليا وخارجيا.
ما هي الأزمات التي سيواجهها الاقتصاد المغربي جراء هذا التراجع في النمو؟ هل سيشيع مزيد من الشك ويضع المقاولات أمام مشكل التمويل؟ هل سيؤدي إلى تراجع في الطلب و في الاستهلاك بسبب تأثر الأسر؟
بالطبع، سينجم عن الانكماش الاقتصادي استفحال الأزمة الاقتصادية لأن هذا الانكماش يعني بالضرورة انخفاضا في العرض والطلب على السلع والخدمات داخليا وخارجيا. وبما أن الطلب الداخلي والخارجي قد تقلص، فإن الاستهلاك والاستثمار سينهاران أيضا، مع العلم أن هذين العامليْن يكونان العجلتيْن الرئيسيتيْن للاقتصاد الوطني، وعلماً بأن تهاوي الطلب الخارجي سيحرم المغرب من الحصول على عائدات هامة بالعملة الصعبة، مما سيدفعه إلى مزيد من الاستدانة الخارجية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن إمكانية الاستدانة من الخارج قد تتوقف في أية لحظة، خاصة عندما يعرف الدائنون أن أساسيات الاقتصاد الوطني (Les fondamentaux de l’économie nationale) لم تعد تعطي صورة مشرقة عن مدى قدرة البلد على الوفاء بالتزاماته تجاه خدمة الدين الخارجي. إلا أن الوصول إلى هذا المأزق الخطير يتوقف على مدى استدامة أزمة فيروس كورونا المتحور والأفق الزمني الضروري للتحكم في الجائحة.
إن الأزمة الناجمة عن تفشي فيروس كورونا المستجدّ سترخي بظلالها على الفاعلين الاقتصاديين داخليا وخارجياً، إذ سترتفع درجة الضبابية وعدم اليقين وتصبح معها القرارات الاستهلاكية والاستثمارية مفعمة بالشك والريبة، علما أنه من الواجب التمييز بين عدم اليقين (Incertitude : Unsertainty) والمخاطرة (Risque : Risk)، إذ يستطيع الفاعلون الاقتصاديون في حالة المخاطرة أن يقدرواْ درجة نجاح مخططاتهم الاستهلاكية والاستثمارية بناء على حسابات احتمالاتية (Calculs probabilistes) واضحة نسبيا، أما في حالة عدم اليقين، فإن الضبابية تصير شبه كاملة بحيث يتوقف النشاط الاقتصادي أمام عجز الفاعلين الاقتصاديين على توقع نتائج قراراتهم الاستهلاكية والاستثمارية.
ما هي القطاعات التي ستظهر هشاشة أكبر أمام هذا التراجع الحاد في النمو بما ينجم عنه من انعكاسات ونتائج؟
كما وضحنا ذلك في مشروع ورقة سياساتية (Policy-Brief)، بالتعاون مع الأستاذ الدكتور ابراهيم المرشيد وبشراكة مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالعاصمة القطرية الدّوحة، يبدو أن جائحة كورونا أفرزت ثلاث مجموعات تتكون من الرابحين والخاسرين وغير المعنيين. ويشمل الرابحون الشركات العاملة في قطاع التأمين بفعل الانخفاض الكبير الذي سجلته حوادث السير، وشركات الصناعات الغذائية بفعل تزايد الطلب الناتج عن تهافت المغاربة على التخزين، وصناعة منتجات النّظافة (الصابون والمطهرات والمناشف الورقية والقفازات البلاستيكية) والصناعات الصحية (الأقنعة والمطهرات الكحولية). كما انتعشت التجارة الإلكترونية، في ظل تجنب العديد من المستهلكين للمتاجر التقليدية خوفاً من العدوى، وأخيرا استفادت شركات الاتصالات من ارتفاع الطلب على خدمات الانترنت الناتج عن تعميم العمل والتعليم عن بُعد (Télétravail et télé-enseignement).
أما الخاسرون، ويمثلون الأغلبية الساحقة من الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، فيمكن تصنيفهم إلى فئتين. تشمل الفئة الأولى القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالحركية والتي اضطرتها جائحة كورونا للتوقف تماما عن العمل، وتكون خسائرها بالتالي شبه كاملة إن لم نقل كاملة، ويأتي على رأس هذه القطاعات مجموعة من فروع النشاط الاقتصادي من قبيل نقل الأفراد وأنشطة الإيواء وكذا الخدمات المرتبطة بهما. فعلى سبيل المثال، خسرت الشركة الوطنية للنقل الجوي 5,2 مليون دولار أمريكي يوميا، وبما أن التوقف قد يستغرق أربعة أشهر على الأقل، فإن الخسارة الإجمالية ستفوق 600 مليون دولار. نفس المنحى تقريبا سارت عليه الشركة الوطنية للنقل السككي و شركات النقل الخاصة للركاب عبر الطرق. واضطرت حوالي 95 في المائة من الفنادق ووحدات الإيواء السياحي لإغلاق أبوبها؛ وبحسب الفدرالية الوطنية للسياحة، من المنتظر أن تصل الخسائر الى 1,4 مليار دولار أمريكي بحلول نهاية العام. أما إذا أخذنا في الحسبان كل الأنشطة المرتبطة بالقطاع السياحي، فمن المحتمل أن تبلغ الخسائر الإجمالية ما يفوق 3,5 مليار دولار، مع العلم أن القطاع السياحي يضم حوالي 9000 مقاولة موزعة ما بين 3500 وحدة مختصة في الإيواء، و 50 شركة للتموين السياحي، و 1450 وكالة أسفار، و 1500 شركة نقل سياحي و 1500 شركة لكراء السيارات.
وتشمل الفئة الثانية القطاعات الأقل حركية والتي تأثرت بشكل معتدل، وذلك نظرا لمرونتها وتكيف بعضها مع الوضع الجديد، ونخص بالذكر هنا صناعات النسيج والجلد حيث تحوّلت كثير من الشركات العاملة في هذا القطاع نحو إنتاج الكمامات، والصناعات الاستخراجية التي حافظت على 68 في المائة من نشاطها، والصناعات الكيميائية وشبه الكيميائية التي استمرت 45 في المائة من الشركات العاملة فيها في مزاولة أنشطتها، وقطاع البناء الذي لم تتوقف 40 في المائة من المقاولات العاملة فيه عن الاشتغال. و يمكن أيضا إدخال القطاع البنكي في هذه الخانة، حيث تراجع مستوى الخدمات التي تقدمها، بما فيها القروض الممنوحة للأشخاص الذاتيين والمعنويين.
وتتكون فئة «غير المعنيين» اقتصاديا بجائحة كورنا من الفلاحين بمختلف شرائحهم والقطاعات المرتبطة بأنشطتهم، وخاصة الأسمدة والتوزيع. ويبدو أن المشاكل الآنية لهذا القطاع لها علاقة أكثر بالجفاف، رغم أن إغلاق الأسواق الأسبوعية قد أضر بالفلاحين ومربيي الماشية الذين تأثرواْ كثيراً من انخفاض المداخيل المالية التي كانواْ يجنونها من بيع مواشيهم ومحاصيلهم الزراعية.
وبالرغم من تفاقم الأزمة في معظم القطاعات الاقتصادية، سجلت بورصة الدار البيضاء نوعا من التذبذب (Volatitlity) في الأداء خلال فترة الحجر الصحي. فبعد خسارة حوالي 26 في المائة ما بين بداية مارس ومتم أبريل 2020، عاد المؤشر الرئيسي (مازي) للارتفاع بشكل غير متوقع خلال شهر مايو من نفس السنة، مما سمح بتعويض تلك الخسائر في ظرف لم يتجاوز 35 يوما (رابع يونيو 2020)، مع العلم أن الأداء السنوي ما زال سالبا (حوالي 17 في المائة) نظرا للخسائر المسجلة خلال شهري يناير وفبراير، والتي لا تمتّ بأية صلة إلى جائحة كورونا التي لم يبدأ تفشيها إلا عند بداية شهر مارس 2020. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تحسن أداء بورصة الدار البيضاء يعكس إلى حد كبير وجود نوع من القطيعة بين سوق الأوراق المالية والاقتصاد الحقيقي (Rupture entre la bourse des valeurs et l’économie réelle).
هل سيكون على الدولة أن تنهج سياسة لتحفيز الاستهلاك كما فعلت دول أروبية؟
أكيد أن الدولة المغربية لن تغض الطرف عن تآكل مستوى الطلب الكلي (Demande globale)، مع العلم أن الطلب الكلي يعني هنا الطلب على السلع الاستهلاكية والاستثمارية على حد سواء. وعلى مستوى الاستهلاك بالخصوص، لا يسعنا إلا أن نحيي التدابير الحكومية في إطار توزيع اعتمادات صندوق تدبير جائحة كوفيد-19 الذي نادى به الملك محمد السادس، على المحتاجين ممن تقطعت بهم السبل بعد توقف أعمالهم وانقطاع مصادر رزقهم. إلا أن توزيع تلك الاعتمادات قد شابتها نواقص عديدة، وبالتالي فإن العديد من الأسر لم تستفد شيئا، خاصة في البوادي التي يعاني فيها المواطنون من الفقر المدقع والهشاشة والإقصاء الاجتماعي، بينما يبدو أن العديد ممن لا يستحقون تلك المساعدات قد توصلواْ بها ظلما وعدوانا. ففي بعض الدواوير بإقليم أزيلال التي اطلعت على وضعية المواطنين فيها، وفي جماعة آيت اعْتاب (مولاي عيسى بن دريس) بالخصوص، يندر أن تجد محتاجين ممن يشتغلون في القطاع غير المهيكل قد توصلوا بالمساعدات التي التمسوها من الدولة، مما ينذر بكارثة سوسيو-اقتصادية في حالة ما إذا واصل فيروس كورونا المتحور انتشاره، مع العلم أن دواوير أخرى خارج إقليم أزيلال وجماعة آيت اعتاب قد تكون تعاني نفس الأزمة الخانقة.
إن مواصلة الدولة لدعم الطلب عن طريق الإعانات المالية لها حدود بالتأكيد. فمع نفاذ اعتمادات صندوق تدبير جائحة كورونا، قد لا تجد الدولة مصادر أخرى لمساعدة المحتاجين، خاصة إذا طال أمد تفشي الفيروس. وفي هذه الحالة، قد نجد أنفسنا في مأزق كبير، مما ينذر بمزيد من رفع الحجر الصحي وحالة الطوارئ وفتح الاقتصاد حتى في المناطق التي تعرف حالة وبائية متأزمة. وإذاك، لن ينفع مع المرء إلا قوة مناعته، خاصة أن المنظومة الصحية لا تستطيع إيواء وعلاج آلاف مؤلفة من المرضى، مما سيدفع بالدولة إلى تقبل إستراتيجية مناعة القطيع (Immunité du troupeau : Herd Immunity) رغما عنها. إلا أننا نأمل أن تخف وطأة الأزمة الصحية عند بداية النصف الثاني من شهر يوليوز 2020، مما سيمكن من التعافي التدريجي للاقتصاد الوطني قبل الاضطرار إلى الفرض اللاإرادي لمناعة القطيع، لا قدر الله. لقد بدأ منحنى عدد الإصابات يتسطح منذ نهاية شهر ماي الماضي، بالتوافق التام مع توقعاتنا في إطار ورقتين بحثيتيْن سابقتين. إلا أن فتح الاقتصاد قبل الأوان وتهور المواطنين أديا مؤخراً إلى ظهور بؤر وبائية عائلية ومقاولاتية، مما يدفع بمنحنى الإصابات الكوفيدية إلى الارتفاع من جديد. ورغم هذه المستجدات، فإن عودة السلطات العمومية إلى مزيد من الحزم لاحتواء الجائحة قد ينجم عنها فتور في عدد الإصابات في الآتي من الأيام، بحيث ستخف وطأة الأزمة الصحية بعد أقل من شهر ابتداء من اليوم، مما يوافق تقريباً توقعاتنا السابقة، رغم تسرع المسؤولين في فتح الاقتصاد قبل اتجاه منحنى إصابات كورونا إلى التصفير. إلا أن توقعاتنا المستندة إلى التحليل الحديث للسلاسل الزمنية والاقتصاد القياسي العصري لا تعني أننا من فئة المنجِّمين. إن التوقعات، بما فيها تلك التي تعتمد على مناهج علمية أكثر تطورا، تبقى تقريبية إلى حدّ بعيد.