كتب لها وقع .. «السلطان الخطير» لـ نعوم تشومسكي وجلبير الأشقر 2/1

ليس هذا الكتاب (الصحوة: النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية) مجرد سيرة ذاتية ساحرة لشخص مثير للجدل جداً، بل هو كتاب يتجرأ على مواجهة أكثر القضايا تحدياً في العصر الحديث بأمانة فائقة.
ليس كتاب ديفيد ديوك (الصحوة) لضعاف القلوب، أو لأولئك المعتدّين بنظم معتقداتهم، بل لأولئك الذين لا يخشون من أن تحفزهم الحقائق والأفكار التي ربما تضع المعتقدات الراسخة موضع تساؤل. إنه كتاب ثوري تطوري ربما (يهز الحضارة من الأعماق) كما يقول غليد ويتني (Glade Whitney) العالم البارز في علم الوراثة السلوكي. يكرس ديفيد ديوك معظم كتابه لوجهة نظره في الأعراق وتضميناتها المجتمعية والتطورية، ولكنه حكاية مثيرة لرجل عرف بوصفه صورة كاريكاتورية رسمتها له وسائل الإعلام المعادية.

 

 

ليس كتاب “السلطان الخطير – السياسية الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط” والصادر في طبعته الأولى عن دار الساقي، من نوعية الكتب الكلاسيكية التي يتناول فيها كتاب غربيون ” كتاب من دول المركز” الشأن السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي لمنطقتنا . حيث التأيد لإسرائيل ومحاولة إيجاد أعذار لتصرفاتها في مجال حقوق الإنسان والملف النووي الخاص بها من طرف، ومحاولة رد الحالة العربية المتردية في مجالات التنمية الإنسانية لأسباب ثقافية جوهرانية، تكون من أهم سمات مثل تلك الكتابات. لكن هذا الكتاب الذي حرره وقدمه الصحفي والباحث المعروف ستيفن شالوم عن لقاءات حوارية مطولة بين الأكاديمي الفرنسي من أصل لبناني جلبير أشقر والمفكر والمنشق الأمريكي نعوم تشومسكي، يأخذ نكهة مختلفة . فالكاتبان المعروفان بسعة اطلاعهما في الشأن الثقافي السياسي للمنطقة، والموصوفان بموضوعيتهما، طبعا مع احتفاظ كل منهما بالروح النقدية وحس المثقف المنحاز للكل الإنساني . فتلك الحوارات التي امتدت لأشهر شهدت خلافات رأي بين الطرفين المتناقشين في بعض الأحيان وتوافقا في أحيان الأخرى، حيث التحليل والتفكيك يتم من وجهتي نظر ومن موقعين ثقافيين مختلفين، مما يتيح للقارئ مقدرة استيعاب الموضوع بروح غير استسلامية للقدرات الخطابية للكاتب .
الكتاب الذي ترجمه ربيع وهبي وراجعته أمل حوا، يقع في 367 صفحة، وينقسم إلى خمسة فصول وخاتمة، حيث قسم من حسب المواضيع التي تطرق إليها الكاتبان .
ففي الفصل الأول يبحثان في شأن الإرهاب، ويختلفان منذ البداية حول تعريف، فتعريف الإرهاب حسبهما خاضع للمؤثرات الأيدلوجية للطرف المعّرف، فوراء كل تعريف بذاته أبعاد سياسية وثقافية تريد تحقيق غاية ما. فثمة التعريف الأوربيّ : “التسبب بإلحاق دمار واسع بحكومة أو مرفق عام… مكان عام أو ممتلكات خاصة يحتمل أن يسفر عن خسارة اقتصادية كبيرة ” والتعريف الأميركي : “الاستخدام المدروس للعنف، أو التهديد بالعنف، لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو إيديولوجية في طبيعتها من خلال الترهيب والإكراه”. وهنا يشرح تشومسكي بلذة، كيف أن الولايات المتحدة بحسب تعريفها هي، تغدو دولة إرهابية. حيث يعيد القصة الشهيرة التي كان ذكرها في كتابه السياسي الكلاسيكي ” قراصنة وأباطرة”، قصة ذلك القرصان الذي كان يجوب البحار، إلى أن قبض عليه يوما ملك البلاد وتعهده بجزاء قاسي، فرد القرصان عليه : أنا أسرق أشياء متواضعة من بعض البحارة فأسمى قرصانا، أما أنت الذي تسرق بلادا كاملة فتسمى ملكا” !؟ يحاول تشومسكي بناء تعريفه الخاص للإرهاب صابّا اهتمامه على إرهاب الدول ومنطلقا من كلية الأحوال والظروف السياسية والثقافية والاقتصادية التي تكون الإرهاب كظاهرة . منددا بالتعريفات الإقصائية التي تنطوي على رغبات ودعوات ثقافية وسياسية غير ديمقراطية .
ثم يعود الكاتبان إلى قراءة أحداث 11 أيلول، فيستبعدان الروايات التي ترى أن جهات من الاستخبارات الأمريكية كانت على علم بتلك الأحداث، في الوقت نفسه يبرهنان على الاستخدام الأمريكي المفرط لتلك الأحداث في مناطق شتى من العالم. حيث تحول التخوف من الإرهاب “العمل تحت يافطة محاربة الإرهاب ” إلى شعار للدعاية السياسية الداخلية الأمريكية، والى حمال سياسي للحروب التي تخوضها أمريكا في أنحاء شتى من المعمورة .
ففي الفصل الثاني من الكتاب، يفكك الحوار ظاهرة الأصولية الدينية في المنطقة وما يقابلها من دعوات لدمقرطة العالم العربي الإسلامي . فيستعرض المتحاوران الجذور التاريخية لصعود التيار السلفي الجهادي في العالم العربي، وكيف أن الولايات المتحدة كانت من أهم الداعمين لتلك التيارات أثناء حقبة الحرب الباردة، وأنها كانت من أكثر المناوئين للتيارات العلمانية التقدمية، المتمثلة في التيار الناصري والتيارات اليسارية العربية . وفي مقام آخر يستغرب الباحثان التغاضي الأميركي عن حلفائها السياسيين مهما كانت درجة انغماسهم في تنمية الأصولية، من خلال التصرفات السياسية المباشرة، أو من خلال ما يمارسونه كدولة من قمع للحريات العامة، السياسية وغير السياسية . ويذكران بالضبط المملكة العربية السعودية، التي لم تتعرض يوما لأية انتقادات أمريكية، رغم وضعها المزري في مجالات حقوق الإنسان والحريات السياسية.
ومن هناك يفندان الدعوات الأمريكية المطالبة بدمقرطة المنطقة . حيث أن النظام المُطَالب بالتحول الديمقراطي، يكون، دون صدفة، دوما من المتباينين مع السياسات الأمريكية. ودليل ذلك أن تلك المطالبات ما تلبث أن تختفي بمجرد تحول سياسيات تلك الدول للشطر السياسي الأمريكي . ويذكر تشومسكي مذكرات أحد الدبلوماسيين السابقين، الأستاذ الجامعي ” توماس كاروذرس ” الذي يدعو نفسه بالنيو- ليبرالي، حيث كتب بأمانة كبيرة، بعد أن كان ضمن فريق وزارة الخارجية في الثمانينات فيما يدعوه ببرنامج ” إشاعة الديمقراطية ” democracy enhancement ” تحت رعاية الرئيس ريغان . يصف توماس هذا البرنامج : كان ثمة مشكلة أساسية تواجهنا فالأشخاص غير المناسبين ربما كانوا قد يفوزون، مثلا في السلفادور التي كانت مثال التفوق بالنسبة إليهم، يذكر كاروذرس أن الولايات المتحدة كان لديها خياران سياسيان :
انتخابات ذات صدقية يفوز بها المرشح غير المناسب لنا.


الكاتب : رستم محمود

  

بتاريخ : 07/07/2020