الفنانون التشكيليون بين جائحة «كورونا» والإقصاء من الدعم : عادل الربيع: لابد من حثّ المؤسسات الكبرى على اقتناء أعمال الفنانين

فرضت جائحة «كورونا»، ومن دون إشعار مسبق، قرار حظر التجول على الفنانين التشكيليين، ما جعلهم يغلقون أبواب بيوتهم ومحترفاتهم عليهم طواعية وكرها، ويلتحقون بالعالم الافتراضي كرواق بديل للمشاركة عبر الملصق أو التصوير، إسهاما في التحسيس بخطورة الجائحة .
اختلف الفنانون التشكيليون في أمر هاته العزلة الإنسانية المضروبة عليهم، هل يمكن اعتبارها فترة انكفاء على الذات في البعد الديني والبعد الروحي، أم شد خناق على حرية البدن والنفس، أم مناسبة لإطلاق العنان للفكر والخيال والإبداع وإعادة ترتيب أوراقهم والتزاماتهم والتأقلم مع الوافد الجديد.. من خلال  منجز تعبيري يوثق لهواجسهم وقلقهم وتوترهم وتجاربهم اليومية، ينفذون بعضها بما لديهم من مواد وأخرى بواسطة الفن الرقمي.
 نحاور اليوم ،عادل الربيع من مواليد 1967 بتطوان . خريج المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان . حاصل على الاجازة في الفنون الجميلة بجامعة غرناطة حاصل على ماستر في التدبير الثقافي بجامعة اشبيلية استاذ بالمعهد الوطني للفنون الجميلة .  حاصل على عدة منح و جوائز . شارك في عدة معارض بالمغرب و خارجه .  مؤلف كتيب دليل فنانين تطوان (guide des ateliers d’artiste) .  عضو بمكتب الجمعية المغربية للفنون التشكيلية . رئيس جمعية دارالربيع للفنون .  و مسؤول حاليا على التنشيط الثقافي و التربوي بمركز تطوان للفن الحديث .

 

 

 هل تعتبرون هاته العزلة التي تمر بها الإنسانية اليوم، فترة استراحة محارب، أم حجرا على الحرية؟ أم مناسبة للتأمل ومزيد من الخيال والإبداع؟

بالرغم  من مساوئ الحجر الصحي والذي ابتدأ من عشرين مارس إلى عاشر يونيو، ليتقرر رفعه تدريجيا،فإنه يعتبر إيجابيا بالنسبة إليّ. أتاحت لي هاته العزلة الإنسانية الوقت الكافي للتأمل والتعبير، والتفرغ لهوايتيّ الطبخ والبستنة،و الرسم وفوق هذا فرصة ذهبية للتقرب أكثر من أفراد أسرتي، للتخفيف عنهم تداعيات كورونا،  للترويح عنهم  وصرف عنايتهم إلى ممارسة نشاطهم الذهني وتفتق مواهبهم وصقل قدراتهم المعرفية.
قيل: رُبّ ضارّة نافعة، وقيل أيضا كل نِقمة في طيّها نعْمة. ونحن وجدنا أنفسنا في هذا الحجر الصحي،كمكان واقعي، وكمكان فني، مجبرين على التفكّر في شؤوننا وقضايانا الخاصة والعامة والتفكير في سوء تعاملنا مع الجمال والنضارة، مع البيئة، والتأمل في ضعفنا وقلة  حيلتنا ، ومناجاة أنفسنا وتقييم واقع معيشنا وحياتنا وتقدير قيمة الحرية، وإدراك أن الحرمان منها له تأثير بالغ ليس فحسب على البدن، ولكن أيضا على  الذات والفكر والإبداع والمحيط.
وغدا نقيِّم فترة الحجر الصحي بما لها وما عليها وتأثيرها علينا كمغاربة أجمعين .

 ما هي الأبعاد التي تركزون عليها في منجزاتكم الإبداعية في فترة الحجر الصحي هذا بوجه أخص؟

لديَّ أبعاد بصرية روحانية وصوفية تمنحني رؤية خاصة للعالم الموضوعي والعالم المتخيل بتساؤلاته وافتراضاته،وتزرع فيَّ إحساسَ» من عرف نفسه،عرف قدْره، ومن عرف قدْره،عرف ربّه،ومن عرف ربّه، عرف أنه غالب على أمره. من عرف في نفسه نَقِيصة، عرف في الله الكمال، وهي-على كل حال- رؤية وفلسفة حياة، أعتزم الاشتغال عليها بعد الحجر.
أعتمد مفهوم الزمن أثناء التطرق إلى العزلة الإنسانية كماض مستمر بلواعجه وآلامه ، والعيش في لحظات الحاضر بترقب وتوجس، وكذا في المستقبل باشتياق وطموح.
أعتمد مفهوم المكان، أثناء الحجر الصحي، كحقيقة مفروغ منها و كتجربة فنية لها خصوصيتها الجمالية التشكيلية.
إلى جانب مفهوم الزمان والمكان، أعتمد تقنيات تفرضها اللوحة وطبيعة الموضوع والتصور المستجد من خلال ارتكازي على تركيب هندسي كمربعات ومستطيلات وأشكال مبسّطة مع الاهتمام باللون وانسجامه، فهي –إذن- طبيعة مجردة تحكي ما يعتمل داخلي ويجول بفكري ومخيلتي.
اشتغلت الصيفَ الفارطَ، على تجربة ارتكزت على موضوع المرأة (المرأة كما هي في العالم العربي والعالم الإسلامي) :ألبستها اللثام، بحيث لايظهر من ملامحها سوى العينين، فهي تنظر ولا تتكلم. ذلك أن اللوحة التي أرى فيها المرأة باللثام كما سبق أن اشتغلت عليها، أصبحتْ بالكِمامة تعبيرا قويا عن  جائحة كورونا.هكذا أمسى اللثام(كشارة تراثية)  مثيلا للكِمامة(كمستجد، سيرافقنا من ظهوره فصاعدا، من يدري؟!) ، وكأني تنبّأت بقدوم الكمامات.استمررت في الاشتغال على المرأة والكمامة أثناء العزلة. ومن بعدُ، اتجهت للتجريد، بألوان فاتحة معبرة هائمة موحية بإحساس من الرهافة والرقة كثمرة للحجر الصحي.
p هل توثقون لتداعيات»كورونا» على الفن التشكيلي بوجه خاص، وعلى شخصكم بوجه أخص اليوم ، أم تنتظرون حتى انقضاء الجائحة؟
إننا اليوم في ظل الحجر الصحي، نعيش تداعيات الجائحة التي قلبت حياتنا الشخصية  رأسا على عقب، أمّا بالنسبة إلي، فإن حياتي الفنية لم تهتز كثيرا لعدم ضجري –عادةً-من مغادرة مرسمي الذي هو ببيتي.
أكيد أن هاته التداعيات ستستمر حتى بعد انصرام الوباء. غدا، ستكون الآثار إيجابا أم سلبا على حياة الأفراد كما الجماعات، على القطاعات والمؤسسات..على الأروقة والمتاحف والمزادات والسوق الفنية.. على  الفنان التشكيلي، على الحركة التشكيلية بالمغرب..
وإن ما ينجز اليوم في ظل الحجر الصحي من منجزات تعبيرية لها رسالتها الإنسانية وأسلوبها الفني،ودورها التوعوي، والتنفيسي، وفضلها في تقديم الدعم النفسي، لتجاوز إكراهات المعيش اليومي والحياة ككل، لَيُشكل وثيقة فنية هامة لها قيمتها وأهميتها غدا لما تحمل من صور ورموز فنية تعبيرية..
p هناك دعوات في مواقع التواصل الاجتماعي تدعو  الفنانين لعرض الأعمال التشكيلية بشكل طوعي في المزادات المحلية والدولية على صفحاتهم على الفايسبوك من أجل دعم صندوق كورونا، ما رأيكم في ذلك؟
تقام صالات العرض والأسواق والمزادات على الإنترنت لبيع لوحات فنية بأثمان محددة، من أجل المعيش اليومي بالنسبة لفئة عريضة من الفنانين التشكيليين .
المسألة صعبة فيما يخص المبيعات، لأن الفن يتعين أن يشاهَد في الواقع. إنه مرئي. لامحيد عن الاقتراب من اللوحة وتحسيسها وتملّيها والتأمل فيها من غير وسائط. ثمة سحرٌ بين الألوان والمتلقي.

أثارت مسألة الدعم المخصص من قِبل المؤسسة الوطنية للمتاحف للفنانين التشكيليين (والمقدر ب8600مليون سنتيم) ردود أفعال متضاربة وإشكالا كبيرا، ماذا عن تموقفكم؟

إن الواقع المستجد الذي أحدثه كورونا استرعى الانتباه إلى واقع الفنان التشكيلي وما يرتبط به.ومن المعلوم أن المؤسسة الوطنية للمتاحف أعلنت منافسة لاقتناء أعمال فنية لفنانين مغاربة محترفين مقيمين في المغرب من أجل إثراء مجموعتها الفنية.وهاته المبادرة طيبة، والأمل ألا تكون الأخيرة من نوعها، بل أن تحذو حذوها مؤسسات عمومية وشبه عمومية وخصوصية لإنعاش الحقل الثقافي.
ولعل ما سيُسجَّل للحكومة المغربية غدا، أن تعتزم الآن التوجه لاقتناء اللوحات الفنية، بحثّ المؤسسات الكبرى على اقتناء أعمال الفنانين، على  غرار تجربة الجارة شبه الجزيرة الأيبيرية المتمثلة في «مؤسسة المطارات»، وأيضا «مؤسسة المطارات» دبي بالإمارات العربية المتحدة.

 كلمة لابد منها:

كان عبد الرحمان اليوسفي إنسانا مثقفا،يولي أهمية بالغة للثقافة والفنون.كان يشد الرحال إلى الأروقة والمتاحف كلما سنحت له الفرصة بذلك.
كان يتمتع بعقلية واسعة عالمة، كان فوق الانتماءات والتصانيف. عندما يذكر اسمه، لايداخلك شك في سلوكه.كان وطنيا حقيقيا.
نم  السي عبد الرحمان قرير العين، وليخلد اسمك في الصالحات وليعلو مجدك.


بتاريخ : 10/07/2020