كيف تصبح كاتبًا؟ ما جيان: في الصين، يسمح للكتاب بالكتابة وليس بالتفكير (1)

في عام 1987 أكمل كتابه الأول وهو بعنوان «أخرج لسانك!» فبادرت السلطات الصينية إلى حظره جنباً إلى جنب مع جميع أعماله المقبلة. وفي عام 1987 انتقل إلى هونغ كونج ضمن صفوف المنشقين، لكنه عاد إلى الصين ليشهد أحداث بوابة السلام السماوي في 1989. وبعد تسليم هونغ كونغ إلى الصين انتقل للإقامة في ألمانيا ثم استقر منذ خمس سنوات في بريطانيا.
في ما يلي الحوار الذي نشره الموقع الالكتروني للمجلس البريطاني مع هذا الكاتب الذي يعد واحدا من أهم الأصوات وأكثرها شجاعة في ساحة الأدب العالمي اليوم، وذلك بمناسبة إطلاق الطبعة الانجليزية من روايته الملحمية الهائلة «غيبوبة بكين»:

p من الواضح أنك تنقلت في العديد من الدول قبل أن تستقر في لندن. ما الذي اجتذبك إلى بريطانيا وإلى لندن على وجه التحديد؟
يرجع ذلك لأسباب شخصية صرفة، فقد انتقلت إلى لندن للإقامة مع خطيبتي ومترجمة أعمالي إلى الانجليزية، فلورا درو. وكنا قد التقينا في هونغ كونغ ليلة تسليمها للسلطات الصينية. وإقامتنا لا تزال مستمرة في لندن.
p هل تحس بأنك كان يمكن أن يتوافر لك المجال لتأليف روايتك «الغبار الأحمر» لو أنك لم تغادر الصين؟
ربما لم يكن هذا المجال ليتوفر لو أنني لم أغادر الصين. ورواية «الغبار الأحمر» هي رواية تحمل طابع السيرة الذاتية، وقد كنت بحاجة إلى أن أغمر نفسي في الماضي الذي عشته لكي أقوم بتأليفها. ولو أنني كنت أقيم في الصين في ذلك الوقت لكانت صين اليوم قد شغلتني. وقد منحنى التأليف في لندن المجال من حيث الزمان والمكان لكي أستعيد في ذهني الرحلة التي قمت بها قبل عشرين عاماً مضت، وأن استرد حالتي الذهنية الأصيلة.
p هناك في الوقت الحالي نظريات تدور حول الهجرة والاكتئاب تشير إلى أن النضالات التي يخوض المهاجرون غمارها يمكن أن تفضي إلى المرض. هل تحس بأن أي شيء من هذا القبيل يؤدي إلى عجزك عن الكتابة في لندن؟
إنني لست عاجزاً عن الكتابة في لندن، فقد قمت بتأليف «الغبار الأحمر» وجانبا كبيراً من أحدث رواياتي «غيبوبة بكين» في لندن، كما أنني لا أجد هذه المدينة داعية للاكتئاب، وإنما أنا أستمتع بالإقامة فيها، وأنا أحب شراء الخضر من سوق بورتو بيلو، وأحب التردد على أماكن مثل برومز ومتحف التيت مودرن. وكل ما هنالك أن عملية التأليف تستغرق وقتاً أطول في لندن، ذلك أنه يتعين على الانعزال عن العالم المحيط بي، وإعادة إيجاد صين صغيرة في مكتبي.
وعندما أكتب في الصين، فإنني أحس أن بمقدوري الدخول في حوار مع شخصياتي، ولكنني عندما أكون في لندن فإنني أحس بأنني أجري حواراً من طرف واحد. وذلك هو السر في أنني يتعين علي العودة إلى بكين كثيراً، لكي أبقي شخصياتي على قيد الحياة.
p يجد الكثيرون أن الطريقة التي تكتب بها عن الصين مفعمة بالحياة والإثارة. هل تعتقد أنه بمرور الوقت سيكون بمقدورك التقاط هذا الجانب خلال إقامتك في مدن وبلاد أخرى؟
هل تقصد القول هل سيكون بمقدوري الكتابة عن بلاد أخرى؟ إنني لم أحاول القيام بذلك بعد، فلا يزال هناك الكثير مما أريد الكتابة عنه فيما يتعلق بالصين.
p تبدو الجملة الأخيرة في روايتك «غيبوبة بكين» لافتة للنظر إلى حد بعيد، فأنت تقول: لقد اكتشف الحزب أنه ليس هناك طريقة أفضل لمعاقدة المنشقين الصينيين من الكتاب من إجبارهم على الخروج إلى المنفى . هل ترى مستقبلاً أكثر إشراقاً على الإطلاق للكتاب في الصين؟
في الصين، يسمح للكتاب بالكتابة، ولكن لا يسمح لهم بالتفكير، فهم أحرار في الكتابة عن الجريمة والجنس والمخدرات، ولكنهم لا يسمح لهم بوضع النظام الاجتماعي والسياسي نفسه موضع التساؤل. ويعد من قبيل الصرعة شديدة الرواج الآن أن يقول الكتاب الصينيون إنهم ليسوا مهتمين بالسياسة. وقد مارسوا الرقابة الذاتية وقتاً طويلاً للغاية بحيث أنهم يعجزون عن التفكير لأنفسهم. إنه مناخ ثقافي يدعو للاكتئاب، فهو يفرز أعمالاً قد تكون مسلية بصورة سطحية، لكنها بلا روح وخالية من الأفكار.
p اختيرت روايتك «صانع المعكرونة» لترجمتها لأنها تشكل استمرارية لروايتك «الغبار الأحمر» من الناحية الزمنية. فهل عنصر الاستمرارية مقصود من أجل الربط بين رواياتك؟
دارت أحداث «الغبار الأحمر» في أواخر الثمانينيات، وكان ذلك وقتاً حافلاً بالآمال والانفتاح وبحث الناس عن طرق جديدة ينطلقون فيها، ثم وقعت مذبحة ميدان بوابة السلام السماوي في عام 1989 وتدور أحداث «صانع المعكرونة» بعد انهيار هذه الآمال.
وقد عدت إلى الصين خلال الاحتجاج الطلابي، وما صدمني أكثر من أي شيء آخر هو الكيفية التي قام بها الناس أنفسهم الذين كانوا يقدمون الغذاء والدعم للطلاب بخيانتهم وإبلاغ سلطات الأمن عنهم بعد الإطباق عليهم من جانب الحكومة. وقد أردت أن أحلل وأفهم كيف قبل الشعب الصيني أن يسحق الخوف حياته على هذا النحو. وفي رواية «صانع المعكرونة» يجد القارئ نفسه أمام قصص يرويها كاتب محترف في أمسية يمضيانها عاكفين على الشراب.
والمقصود بالكاتب المحترف هنا هو أنه كاتب للدعاية الرسمية. والناس الذين يظهرون في هذا القصص توجد ظلالهم في أناس حقيقيين التقيت بهم، وعلى الرغم من أن هذه الشخصيات تبدو مبالغاً فيها، إلا أن الواقع في الصين أكثر عبثية مما يمكنني تصويره. وتقع على كاهل الكتاب الصينيين مسؤولية التمرد على قمع الفكر الحر، تماماً كما أنهم لا يمكنهم أن يشيحوا بأبصارهم عن موضوعات الموت والمعاناة التي يحفل بها تاريخ الصين.
p ماذا عن تصورك للمستقبل؟
بالنسبة لي، فإن الحياة في لندن أقرب إلى الانطلاق في رحلة على متن سفينة ركاب سياحية فاخرة. وأنا أعيش بشكل مريح للغاية في بريطانيا، ولكنني لا أسيطر تماماً على الاتجاه الذي تمضي إليه حياتي، وهذا ليس بالأمر المريح على الإطلاق مقارنة باستقرار قدميك كلتيهما على الأرض، وهو الأمر الذي لا أحس به إلا عندما أعود إلى الصين.


بتاريخ : 18/07/2020