دراسات قرآنية : التحرّي الفيلولوجي للمعجم القرآني 5

قال إبراهيم الخطابي ( 319هـ-388هـ) في «بيان إعجاز القرآن» إن الناس انقسموا إلى طائفتين إذ زعمت طائفة «أن إعجازه إنما هو فيما يتضمنه من الإخبار عن الكوائن في مستقبل الزمان كما زعم آخرون أن إعجازه من جهة البلاغة وهم الأكثرون من علماء أهل النظر، وفي كيفيتها يعرض لهم الإشكال، ويصعب عليهم منه الانفصال، ووجدت عامّة أهل هذه المقالة قد جروا في تسليم هذه الصفة للقرآن على نوع من التقليد وضرب من غلبة الظن دون التحقيق له وإحاطة العلم به»..
واضح من كلام الرجل أن الإعجاز القرآني، يأتي من مستوى الاشتغال الدلالي اللغويّ، أي إنّه نصّ له معنى، وهذا المعنى لا يتحقّق إلا انطلاقا من الأداة اللغوية الموظفة في النص. والحال أن المستويين معا يحضران بقوة في النص القرآنيّ. وقد زادت سلطة المقدس من تعميقهما، مما جعل الاعتناء بهما حاضرا طوال مراحل إنتاج الفكر الديني الإسلامي. غير أنّ المرحلة الأولى من حياة النصّ القرآنيّ، تميزت بهيمنة البحث في المستوى اللغويّ، أي بالنّسق اللغويّ الّذي يتأسّس عليه. في حين كان الاهتمام بالمستوى الدلاليّ وما يحمله من تطلّع إلى الغيب والمستقبل حديثا، بعد أن استنفدت الدراسات البلاغية واللغوية كل معينها، وتراجعت بعض الحقائق التي اعتبرت مطلقة فيما يخص اللغة، أمام التطور المهول والمفاجئ للعلوم في سائر نواحي الحياة.

 

 

منطلق البحث في هذه السورة صعوبة واجهت المفسّرين القدامى، مفادها أنّهم لم يقفوا على مبرّر مقنع لاستعمال حرف (الفاء) المفيد للنتيجة في بداية الآية الثانية من السورة المذكورة. فأيّة علاقة بين مَنْح الكوثر من جهة والصلاة والنحر من جهة أخرى؟ خاصّة أنّ الكوثر أُوِّلَ في أغلب الأقوال على أنّه نهر في الجنّة وُعِدَ به الرسول.
ولئن لم يدرج السيوطي كلمة «كوثر» في باب «ما وقع في القرآن بغير لغة العرب» فإنّ لوكسنبارغ أدرج الكلمة المعنيّة، وغيرها من الكلمات في سورة الكوثر، ضمن الدخيل السرياني الآراميّ في القرآن، واقترح القراءة التالية:
-الكوثر: يعني «الثبات»
-أنحر: وأصلها السرياني الآرامي «أنجر» ومعناها «ثابر».
-شانئك: وأصلها «سانيك» بمعنى «خصمك» أو «عدوّك»
-الأبتر: بمعنى «الخاسر»
أمّا يوسف الصدّيق، فقد توسّل بدليل على أنّ كلمة «كوثر» دخيلة وليست عربيّة، مفاده أنّه لا يوجد في اللّغة العربيّة فعل ثلاثيّ صحيح على وزن «فَوْعَلَ (مِثْل: «كوثر». وقد أفضى به التحرّي الفيلولوجي للكلمة إلى اعتبارها يونانيّة الأصل ومعناها الطهر (Khatharsis). وفي إحدى اللهجات اليونانيّة تُوجد صيغة أقرب من صيغة «كوثر»، وهي: khawtharsis [23]. ومن ثمّ أمكن ليوسف الصدّيق أن يتجاوز الإشكال الذي كان في البداية من استعمال حرف الفاء المفيد للنتيجة، لأنّ عمليّة التطهير عادة ما تكون مشفوعة بأعمال طقوسيّة، مثل الصلاة والنحر.

-الكهف 18/9
القراءة ”السريانيّة الآراميّة“
(أطروحة Sydney Griffith)
تصويبات (Bellamy) + (Luxemberg)
قراءة المصحف
أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والكتاب (= لوحات دليل) كانوا من آياتنا عجبا.
في إحدى القصائد المنسوبة إلى يعقوب السروجي (ت 521 هـ) عن أصحاب الكهف أو ”نائمي أفسس السبعة“ نقرأ المقطع التالي:
فيلسوفان من أبناء الأمراء كانا هناك
واعتقدا أنّ الربّ سوف يقيمهم
صنعا لوحات دليل ووضعاها بجانبهم
كتبا عليها أسماء أبناء النور
والسبب الذي جعل هؤلاء الفتية يختبئون في الكهف
رقيم: اسم مفعول في السريانيّة ويعني الكتاب (من رقم)
أم حسبت أنّ أصحاب الكهف الرقود كانوا من آياتنا عجبا
”أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا“


الكاتب : بسام الجمل

  

بتاريخ : 20/07/2020