كتب لها وقع : «فترة التكوين في حياة الصادق الأمين» لـخليل عبد الكريم (3)

ليس هذا الكتاب (الصحوة: النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية) مجرد سيرة ذاتية ساحرة لشخص مثير للجدل جداً، بل هو كتاب يتجرأ على مواجهة أكثر القضايا تحدياً في العصر الحديث بأمانة فائقة.
ليس كتاب ديفيد ديوك (الصحوة) لضعاف القلوب، أو لأولئك المعتدّين بنظم معتقداتهم، بل لأولئك الذين لا يخشون من أن تحفزهم الحقائق والأفكار التي ربما تضع المعتقدات الراسخة موضع تساؤل. إنه كتاب ثوري تطوري ربما (يهز الحضارة من الأعماق) كما يقول غليد ويتني (Glade Whitney) العالم البارز في علم الوراثة السلوكي. يكرس ديفيد ديوك معظم كتابه لوجهة نظره في الأعراق وتضميناتها المجتمعية والتطورية، ولكنه حكاية مثيرة لرجل عرف بوصفه صورة كاريكاتورية رسمتها له وسائل الإعلام المعادية.

أما فى مواجهة اليهود والنصارى (المسيحيين) فإنّ الأصوليين يتمسكون بتطبيق الآية الكريمة «ولاتؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم)) وهي الآية رقم 73 من سورة آل عمران وهي مدنية . وبالآية الكريمة «قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولاباليوم الآخر ولايُحرّمونَ ما حرّم الله ورسوله ولايدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون)) وهي الآية رقم 29 من سورة التوبة وهي مدنية أيضًا . وعلق أ. خليل قائلا «إنّ الذي يقرأ إصدارات الجماعات الأصولية الإسلامية المتشددة في مصر يتأكد أنها ترى أنّ قتال أهل الكتاب الذي ورد بهذه الآية أمر إلهي ماضٍ إلى يوم القيامة. ولم يرد ما ينسخه ومن ثم يتعيّن على المسلمين إنفاذه ولايكفوا عنه إلاّ في حالتيْن : أ – أنْ يعتنق اليهود والنصارى الإسلام . ب – أويُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون . وإزاء تمسك الأصوليين بهذه الآية فإنهم «يرفضون بشدة التأويلات التي يعمد إليها بعض (المستنيرين) من الإسلاميين للتخفيف من صرامة الآية ويعتبرون ذلك تخاذلا بل كفرًا لأنه حكم بغير ما أنزل الله)) وإذن – كما كتب أ. خليل – فإنّ خطاب (النصوص المقدسة) تغير تمامًا ، فهو في حالة الاستضعاف شىء ، وفي حالة الاستقواء شيء آخر))
وهكذا يكون طريق الحوارمع الأصوليين (النصوصيين) مسدودًا خاصة وأنهم يتمسكون أيضًا بتطبيق سيرة الرسول (ص) في اغتيال الخصوم مثلما حدث في «مقتل كعب بن الأشرف وأبى رافع سلام بن أبى الحقيق اليهودييْن بأمرمباشر من محمد صلى الله عليه وسلم)) واختتم أ. خليل هذه الدراسة قائلا «إنّ خيار القوة المسلحة الذى تنتهجه الجماعات الأصولية الإسلامية المتطرفة له تاريخيته وسنده من (النصوص المقدسة) وهذا في مذهبنا ما يجب التسليم به حتى يُمكن فهم هذه الجماعات الفهم الأمثل .. إلخ))
وفي دراسة أخرى بعنوان (جذورالعنف لدى الجماعات السياسية الإسلامية- مثلٌ من جماعة الإخوان المسلمين) رصد أ. خليل جذورالعنف لدى الأصوليين المعاصرين من خطاب المرشد الأول للإخوان المسلمين (حسن البنا) الذى قال يُخاطب أعضاء الجماعة «في الوقت الذى يكون فيه منكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة قد جُهزتْ كل منها روحيًا بالإيمان والعقيدة ، وفكريًا بالعلم والثقافة ، وجسميًا بالتدريب والرياضة ، في هذا الوقت طالبونى بأنْ أخوض بكم لجج البحار وأقتحم عنان السماء وأغزو بكم كل عنيد جبار)) وفي نهاية تحليله لخطاب وبرنامج جماعة الإخوان المسلمين كتب «لم يكن من باب المصادفة أنْ يحمل شعار الإخوان المسلمين سيفيْن حول المصحف الشريف ، فهم المصحف ومن عداهم سيفان : الذي على اليمين لمخالفيهم من المسلمين ممن لا يعتنقون أفكارهم ويؤمنون بمبادئهم ، والسيف الآخر(الذى على الشمال) لغير المسلمين . وهذه هي المهمة التي قام بها النظام الخاص المشهور إعلاميًا ب )الجهاز السري) كما تنطق بذلك صفحات حزينة من تاريخ مصر الحديث ، ثم أكملتْ المسيرة الدامية الجماعات الحديثة لأنها تعتنق الفكر ذاته وتؤمن من أعماق نفوسها ب (الاصطفائية) و(تملك الحقيقة المطلقة) والثمرة لهذه الجذورهي : العنف»
وفى تحليله لكتابات سيد قطب وتأثير هذه الكتابات على الأجيال الجديدة من الأصوليين ، كتب أ. خليل «يُعتبر سيد قطب مرجعًا مباشرًا للجماعات الأصولية» وعلى سبيل المثال فإنّ موقف سيد قطب من المرأة يكشف توجهات تلك الجماعات في هذه الخصوصية ، فهو (سيد قطب) في تفسيره للآية الكريمة «وقرنَ فى بيوتكن» في كتابه (في ظلال القرآن) كتب «وهي إيماءة لطيفة أنْ يكون البيت هو الأصل في حياتهن . هو المقر. وما عداه استثناءً طارئًا» وإذا كان سيد قطب يرى أنّ «النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كنّ يخرجنَ للصلاة غير ممنوعات شرعًا من هذا)) والسبب كما يرى سيد قطب أنّ ذلك كان في زمن «فيه عفة وفيه تقوى» فإنّ أ. خليل الذي امتلك شجاعة الباحث الحر، اختلف مع هذا الرأي فكتب «أما الزعم بأنّ النساء كان يُسمح لهن فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج للصلاة (لأنه كان زمان فيه عفة وفيه تقوى) فينضوي على قصور مُتعمد يبلغ حد التدليس . ولاينكرأحد وجود التقوى والعفة فيه ، ولكن بجانبها كان هناك زنا وقائعه مبثوثة في كتب السيرة النبوية ودواوين السنة الصحاح والمسانيد وموسوعات الفقه . وكان فيه تخنث ومخنثون (هيت) بل إنّ بعض الرجال كانوا يتلصّصون النظر إلى النساء داخل المسجد وهم يُصلون خلف رسول الله (ص) كما روى ابن عباس الذى قال «كانت تُصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء من أحسن الناس ، وكان بعض الناس يستقدم في الصف الأول حتى لايراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع قال : هكذا ونظر من تحت إبطه وجافى يديه ، فأنزل الله تعالى «ولقد علمنا المستأخرين» وهذا الحديث كما ذكرأ. خليل أورده الحاكم في (المستدرك) وقال هذا حديث صحيح الإسناد . أما (البيهقى) في (السُنن الصغرى) فقد أورد حديثًا بروايتيْن عن امرأة أغصبتْ في عهد الرسول )ص) وهي في طريقها لأداء صلاة الفجر، بل إنّ صحابيًا شرع في اغتصاب زوجة أخ له في الإسلام خرج مجاهدًا في إحدى الغزوات ، وكان قد إئتمنه عليها . ويرى علماء أسباب النزول أنها علة الآية «والذين إذا فعلوا فاحشة».


بتاريخ : 30/07/2020