مرة أخرى: في الحاجة إلى حكومة وطنية للانقاذ…

عبد السلام الرجواني

في بداية الجائحة طرح الاتحاد الاشتراكي فكرة جادة تتمثل في تشكيل حكومة وطنية اعتبرناها ضرورة سياسية لمواجهة جائحة كورونا المستجد. وقد استند المقترح الاتحادي إلى تقدير موضوعي للمخاطر التي تهدد الوطن اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، مخاطر لا يمكن التخفيف منها الا من خلال حكومة وحدة وطنية بامكانها تحقيق تعبئة وطنية شاملة والرفع من منسوب الثقة بين الحكومة والمجتمع في مختلف اطيافه وتوجهاته.
استلهم الاتحاد في دعوته قيم الوطنية والمواطنة التي كانت وما زالت مرتكزات مواقفه واختياراته عبر تاريخه السياسي والنضالي، والتي جعلت دوما ومهما كانت الظروف المصلحة الوطنية فوق المصلحة الحزبية ومنطق الربح والخسارة السياسية والانتخابية.
لم تستوعب كثير من مكونات المشهد السياسي الوطني دعوة الاتحاد فتعالت اصوات منها من شكك في نوايا القيادة الاتحادية انطلاقا من تاويل سياسوي انتخابوي خاطئ، ومنها من عارض بقوة الدعوة على اعتبار أن الحكومة وحدها هي المسؤولة عن تدبير الازمة وآثارها، ومنها من راى في الدعوة مؤامرة تستهدف الحزب الأغلبي ومسا بالشرعية الديمقراطية.
إزاء ردود الأفعال السالبة، سقطت الدعوة إلى حكومة وطنية، خاصة وأن الوضع الوبائي ظل متحكما فيه إلى حدود الاسبوع الثالث من يوليوز الجاري.
غير أن العودة المفاجئة والمفجعة للوباء الذي سجل ارقاما مخيفة في عدد المصابين والوفيات والحالات النشيطة اربك حسابات الحكومة التي أبانت في المراحل الأولى عن حكمة وكفاءة في تدبير الجائحة وتداعياتها الاجتماعية على حساب الاقتصاد ، وجعلها حائرة بين اختيارين احلاهما مر كما يقال: العودة إلى الحجر وهو اختيار محفوف بمخاطر اقتصادية واجتماعية وسياسية او التعامل بحذر حسب تطور الوباء وحسب الجهات والاقاليم.
ومهما كانت الاستراتيجية المعتمدة، فإن كل المؤشرات تفيد أن حلم تطويق الوباء إلى حدوده الدنيا ما زال صعب المنال، ليس فقط بسبب استدامته طبيعيا، وإنما بسبب السلوكات الغريزية لجمهور واسع من المواطنين والمواطنات الذي لم ينشؤوا على قيم المواطنة ومن ضمنها الممارسات الصحية الجيدة. وعليه فإن استفحال الوباء احتمال قائم وتداعياته على القطاعات الانتاجية والاقتصادية قد تكون كارثية، ويحتاح إلى تعبئة وطنية شاملة في مناخ سوسيو/سياسي واعلامي تحكمه روح التضامن الوطني في منأى عن الصراعات السياسوية الانتهازية. إننا فعلا «في حاجة إلى خطة للإنقاذ الاقتصادي، كما جاء في خطاب صاحب الجلالة بمناسبة عيد العرش، تكون موضوع إجماع وطني يتجسد مؤسساتيا في حكومة وطنية.
إن الدعوة إلى حكومة وطنية دعوة خالصة مخلصة، باعثها باعث وطني نابع من تقدير واقعي للتحديات الكبرى التي فرضتها الجائحة على المغرب وعلى العالم، والرهانات الطموحة التي على المغرب ربحها. ولعل دعوة صاحب الجلالة في نفس الخطاب كافة القوى الوطنية إلى الانخراط في خطة الانقاذ بعيدا عن الحسابات السياسوية تزكية لدعوة الاتحاد إلى حكومة وطنية هي وحدها القادرة على ربح الرهانات.

الكاتب : عبد السلام الرجواني - بتاريخ : 03/08/2020