قراءة غير مناسباتية في خطاب العرش

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

2/ فرصة لإعادة ترتيب الأولويات

وضع ملك البلاد برنامج الدولة المغربية، للخمس سنوات القادمة، وسماها، وجدولها، وضمنها البعدين الاقتصادي والاجتماعي.
وبلغة التنافس السياسي، ما نسميه بعد الاجتماع والاقتصاد، هو في عمقه ما يشكل في فلسفة التنافس الديموقراطي البرنامج الانتخابي..
والطبقة السياسية، ستفكر، ربما لأول مرة، في العهد الجديد من خارج باراديغم المنافسة الانتخابية، وربما ستفكر حيث لا توجد! كما أنه مفروض عليها أن توجد حيث لا تفكر..
كيف ذلك، إذا كانت العبارات الملكية واضحة في التوصيف، يمكن استخلاص هذا الفهم «التحليل-فلسفي»، من كلام الخطاب؟
-أولا دعا ملك البلاد إلى الشروع، ابتداء من فاتح يناير 2021، أي بعد ستة أشهر، في تنفيذ التغطية الاجتماعية الشاملة.
-ثانيا، السنة التي وصفها الملك بالحديث هي، في الأجندة الديموقراطية، سنة انتخابات، بل سنة المشاريع الذاتية لكل هيئة من أجل برنامج البلاد، وهي الآن، أمام برنامج وطن، برنامج دولة، هامش الاجتهاد فيها هو هامش التنفيذ.. أو القدرة على الجرأة السياسية في التحرك التنفيذي..
– ثالثا، التأهيل الاجتماعي الأشمل وضع له ملك البلاد خمس سنوات للتنفيذ التدريجي، وليس المرء في حاجة إلى الكهانة لكي يقول إنها مدة ولاية الحكومة القادمة…
والعبارة/ المفتاح هي أن الملك سماها «فرصة لإعادة ترتيب الأولويات»…
لن تكون الأولويات الاجتماعية وحدها، ولا الأولويات الاقتصادية وحدها،
بل هي فرصة لترتيب الأولويات السياسية أيضا، على قاعدة الوطنية والوطن والتعبئة الشاملة، بروح التضحية والخروج من قوقعات التخندق المعتاد…
وقد كان ختام الخطاب أول المرحلة عندما قال الملك:
-إن المرحلة المقبلة تتطلب تضافر جهود كل المغاربة لرفع تحدياتها.
كل المغاربة، وليس المسؤولين والمؤسسات والطاقم الرسمي للدولة وللديموقراطية التمثيلية…
– أتوجه لكل القوى الديمقراطية دون استثناء، وأخاطب فيها روح الغيرة الوطنية، والمسؤولية الفردية والجماعية، للانخراط القوي في الجهود الوطنية لتجاوز هذه المرحلة، ومواجهة تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.
من بين كل المغاربة، يتوجه الملك بالحديث إلى القوى الديموقراطية جمعاء دون استثناء، لأن بناء الأوطان يحتاج إلى قوة النفوس، وديموقراطية الطبع السياسي.
المستقبل هو في عمقه للقوى الديموقراطية برمتها، تلك القوى المتبرعمة في شجرة الوطنية، والمسقية بمياه التضحية الوطنية…
لا ديموقراطية متعالية عن الأرض، بل تلك الديموقرطية التي تعيش فوق الأرض تحت أقدامنا…
– علينا أن نجعل من المكاسب المحققة في هذا الظرف القصير، منعطفا حاسما، لتعزيز نقط القوة التي أظهرها المغاربة، وتسريع الإصلاحات التي تقتضيها المرحلة، واستثمار الفرص التي تتيحها.
الواضح في الصيغة الأخيرة، هو ترصيد الحاضر ومكتسباته، لا لكي توزع حسب مواقع التصنيف السياسي العادي، أغلبية معارضة، بل ترصيف يجعل من الحاضر أرضية لتنويع المستقبل عبر ترسيم منعطفه الحاسم، ثم تبيئة الإصلاحات في نهاية المطاف، هذه الفكرة التي ظل المغرب يعاني منها منذ نهاية القرن التاسع عشر، فكرة الإصلاح، هي التي توحي بكل ما يعقبها، أيضا تسريع الإصلاحات واستثمار الفرصة…
ونحن نعرف أن فرصا كثيرة أضعناها وصنعت تاريخنا المتعثر والمتلعثم…
هل الأمر يتعلق فقط بفلسفة إصلاحية، معتادة في العهد الجديد، الذي حرص على إنجاح كل الانتقالات ذات الحمولة الإصلاحية؟
طبعا هناك هذه البدرة الأصلية، طبعا هناك هذا الأصل الإصلاحي، وهو الذي سمح بما يليه، هو الذي جعل الخطاب، بكل حمولاته السياسية والوجدانية والتاريخية، يقودنا إلى تكريس الإصلاح… منارة وهدفا.
سيكون على الطبقة السياسية أن تفكر في إعطاء بنية مادية، وإخراج مؤسساتي لكل هذه الأفكار، وتكون سباقة إلى تفعيلها بما لا يشبه الوضع العادي…
اللهم إلا إذا استسلمت لما فيها من لذة الكسل، وأعادت نفسها في وطن لا يسمح بإعادة الرتابة، مؤسساتية كانت أو بشرية، ولو تحت يافطات مغرية…
أن الاقتصاد في هذه المعادلة، لن يكون هدفا أسمىun idéal للسياسة، إنه فلسفتها ربما، أحد مداخل تحليلها وغايتها، لكن الهدف الأسمى هو الوطن، هو الإنسان فيه… ومن هنا إذا غابت الفكرة العليا عن ذهن الطبقة السياسية فهي ستكون غارقة في الجمود……

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 04/08/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *