بعد أن دعا الملك محمد السادس إلى تعميم التغطية الصحية الشاملة وفقا لأجندة زمنية محددة في 5 سنوات

خبراء في الصحة يبسطون تفاصيل هذا الورش ويؤكدون على أهميته

في النهوض بالصحة العامة للمغاربة

 

أشّر الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش على تعاقد اجتماعي جديد، واعتبره عدد من الخبراء والمختصين مرجعا لتطوير وتفعيل آليات الحماية الاجتماعية، والنهوض بالشأن الاجتماعي والاقتصادي على حدّ سواء، حيث أكد جلالته على النهوض بالتنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، داعيا إلى إعادة النظر في منظومة الحماية الاجتماعية كما ورد على لسان جلالته في خطاب العرش لسنة 2018، التي شدد على أن التشتت يطبعها وتعرف ضعفا في مستوى التغطية والنجاعة، مؤكدا جلالته على أنه حان الوقت لإطلاق عملية حازمة لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة خلال الخمس سنوات المقبلة.
وحدّد الملك محمد السادس الجسر الزمني لبلوغ هذا الهدف انطلاقا من يناير 2021، للبدء في تعميم التغطية الصحية الإجبارية، والتعويضات العائلية، قبل توسيع هذا البرنامج ليشمل التقاعد والتعويض عن فقدان العمل، مشددا على أن تعميم التغطية الاجتماعية ينبغي أن يشكل رافعة لإدماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي الوطني، داعيا جلالته إلى اعتماد حكامة جيدة تقوم على الحوار الاجتماعي البناء، ومبادئ النزاهة والشفافية والحق والإنصاف، وعلى محاربة أي انحراف أو استغلال سياسوي لهذا المشروع الاجتماعي النبيل.
مهنيو الصحة، الذين أشاد الخطاب الملكي بأدوارهم ومساهمتهم في مواجهة الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19، يُعتبر المنتسبون منهم للقطاع الخاص، من بين الفئات المتضررة والمحرومة من التغطية الصحية، استقبلوا المضامين والتوجيهات التي تضمنها الخطاب الملكي بإشادة كبيرة، وبسط عدد من الخبراء منهم لـ «الاتحاد الاشتراكي» تفاصيل ملف التغطية الصحية المعلقة والمقترحات التي تقدموا بها لإنجاح هذا الورش الذي له ما بعده إيجابا على كل فئات المجتمع.

 

الدكتور مولاي سعيد عفيف رئيس التجمع النقابي الوطني للأطباء الأخصائيين في القطاع الخاص
الأطباء شركاء في التأمين الصحي والجائحة أكدت وجود جسم
صحي واحد لخدمة الوطن والمواطنين

 

 

لابد لنا خلال هذه اللحظة التاريخية من التأكيد على اعتزاز نساء ورجال الصحة بالإشادة التي خصّهم بها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في خطاب العرش لهذه السنة، التي تعتبر شهادة استحقاق ووسام شرف على صدر جميع من تجندوا لمواجهة الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19، في القطاعين المدني والعسكري، في الصحة العمومية أو الخاصة، إلى جانب بطبيعة الحال باقي المتواجدات والمتواجدين في الصف الأول من قوات عسكرية ومصالح وزارة الداخلية من سلطات وأمن ودرك ووقاية مدنية وغيرهم…
خطاب ملكي تاريخي، جاء كذلك بدعوة صريحة وبخارطة طريق محددة على مستوى الإجراءات والزمن، للقطع مع واقع أليم يتمثل في حرمان المنتسبين إلى المهن الحرة من التغطية الصحية، ومن بينهم مهنيو الصحة بالقطاع الخاص الذين ظلوا على الدوام يقدمون العلاجات ويتكفّلون بالمرضى بينما كانوا غير معنيين بالتأمين الصحي، حيث فارق الحياة العديد من المهنيين أطباء وصيادلة خلال مواجهتهم للجائحة الوبائية، وعشنا حالات عديدة على مرّ السنين لمهنيين تعذّر عليهم العلاج بعد إصابتهم بأمراض مكلّفة، فباعوا ممتلكاتهم، واستنجد البعض بالأقارب والزملاء لجمع التبرعات، وكانت هناك مرات عديدة عناية ملكية سامية للتكفل بعدد من الحالات.
لقد ظل تعميم التغطية الصحية على مهنيي الصحة مطلبا ملحّا منذ 2013، وظل التطبيق للقوانين يحول دون ذلك، وظلت الرؤية الفردية المتحكمة في بعض المواقف تفرمل أي تقدم في هذا الباب، بالرغم من المقترحات المشجعة التي تقدمنا بها بعد أن أجمع عليها الأطباء في القطاع الخاص، المتمثلة في اشتراك شهري قدره 700 درهم، بالرغم من أن الموظفين في القطاع العام، ومهما بلغت أجرتهم الشهرية في أعلى المناصب والمراتب يساهمون بمبلغ 400 درهم، وبالرغم من أن خلاصات الدراسة التي اعتمدنا عليها والتي أجراها خبير كندي، تؤكد أن الاشتراك الشهري والاقتطاع المنطقي الذي يمكن العمل به هو 360 درهما، لكن إجماعنا في التجمع النقابي للأطباء الأخصائيين في القطاع الخاص على مبلغ 700 درهم، كان نابعا من مواطنة فعلية للمساهمة لفائدة باقي الفئات الأخرى بشكل تضامني.
إن الأطباء هم شركاء في التأمين الصحي وليسوا بمستهلكين وقد اشتغلوا وسيظلون، اليوم كما الأمس، لإنجاح هذا الورش الاجتماعي الذي قررته بلادنا بإرادة قوية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الذي ما فتئ يحف رعاياه بالعطف المولوي الشامل، وهو ما أكّد عليه حفظه الله حرفيا، حين تحدث عن الاهتمام بصحة المواطنين كما يهتم بصحة أسرته الشريفة.
لقد أصبح اليوم لزاما من أجل تحقيق العدل والإنصاف التسريع بإنجاز وإنجاح هذا الورش وتنفيذ التعليمات الملكية في هذا الصدد، لفائدة المعنيين به، كما هو الحال بالنسبة للذين يحرصون على القيام بواجبهم على أكمل وجه حتى في غياب الدعم في عدد من المحطات، ويكفي أن نعلم أنه في عدد من الدول التي يشتغل فيها أطباء القطاع الخاص في ظل احترام التعريفة المرجعية الوطنية تتكفل التغطية الصحية إلى غاية 80 في المئة من مصاريفهم العلاجية، وهنا أدعو إلى أن تتم مراجعة الوثائق الخاصة بتجديد الاشتراكات للاستفادة من التغطية الصحية كل 3 سنوات وأن تتوفر على رؤية ديناميكية للتفاعل مع كل المتغيرات والمستجدات.
لقد أكدت الجائحة الوبائية اليوم أننا أمام جسم صحي واحد، يشتغل يدا واحدة، لفائدة الوطن والمواطنين، وقد كنا دائما نطالب بتفعيل الشراكة، التي دعا إليها جلالته، بين القطاعين العام والخاص منذ 2008، ونحن على أتمّ الاستعداد للعمل أكثر بشكل جماعي لتقوية جسور الوحدة بين مهنيي الصحة وبطريقة عقلانية لصالح المريض، وهو ما يتطلب جملة من التدابير لتطوير هذه الشراكة، ومن بينها وضع خارطة صحية للقطاعين العام والخاص ضمانا للتكافؤ والمساواة بين المواطنين، وإعمال الحكامة ومراجعة المنظومة الصحية التي أمر بها جلالة الملك، الأمر الذي يعتبر شأنا مستعجلا في ظل هذه الجائحة، كما يجب الاهتمام بالأطباء وكافة مهنيي الصحة في كل المواقع، والرفع من ميزانية القطاع، وأن نتوفر على نظرة مستقبلية بعيدة المدى له، من خلال إحداث مجلس أعلى للصحة، يقوم جلالة الملك نصره الله بتسمية رئيسه، لا يتأثر بتغير الوزارات وتعاقب الوزراء، بل يشتغل في إطار تصور منسجم بناء على المشاريع والبرامج المقترحة وما هو مسطّر في إطار استمرارية إلى غاية الإنجاز والتحقيق.

 

الدكتور الطيب حمضي، رئيس النقابة الوطنية للطب العام
تعميم التغطية الصحية عرف تلكؤا واجترارا على مدى سنوات متعددة

لقد كنا كأطباء من السباقين للدعوة إلى ضرورة تعميم التغطية الصحية، وأن تشمل جميع المغاربة بشكل عام، ومن بينهم أصحاب المهن الحرة، وقد سبق وأن فتحنا حوارا في الموضوع، تمت ترجمته إلى قوانين، بعد تحرك ونضال من مهنيي الصحة بالقطاع الحر، لكننا كنا نجد أنفسنا بعد كل شوط، أمام سؤال عريض وهو إن كانت هناك حقا إرادة حقيقية لتوسيع دائرة التغطية الصحية في المغرب أم لا؟ وإن كانت هناك إرادة فعلية لاستفادة المستقلين وأصحاب المهن الحرة والعمل على تعميم التغطية الصحية في المغرب أم لا؟
إن الواقع اليوم يؤكد وجود إرادة داخلية، لكن لا تتم ترجمتها على أرض الواقع لأن هناك تلكؤا كبيرا جدا في التقدم في هذا الملف، ونتمنى بعد التوجيهات الملكية في عيد العرش أن يتم تسريع طي هذا الملف، وأن يتم استيعاب أن الأطباء هم فاعلون أساسيون في التغطية الصحية في أي دولة من دول العالم، في الوقت الذي نجدهم في المغرب لا يستفيدون لا منها ولا من التغطية الاجتماعية ولا من التقاعد. لقد قدمنا مقترحات علمية مرقمة من خلال دراسات معمقة لتحقيق هذا الأمر، واليوم نتمنى من الجهات الوصية تسريع هذا الملف ووضع حد لما عاشه وتعرض له، ففي فرنسا مثلا، نجد أن الأطباء هم شركاء التأمين الصحي، والمؤسسة هي التي تؤدي عنهم جزءا كبيرا جدا من الالتزامات المالية والاجتماعية التي تخصهم في ما يتعلق بالتغطية الصحية والتقاعد التي تصل إلى 100 في المئة، في المقابل فإن الأطباء ليسوا بزبناء بل فاعلين ويساهمون في تحسين التوازن المالي للمؤسسة وترشيد نفقات التأمين.
إن نجاح التغطية الصحية في المغرب لا يمكن أن يكون بدون التزام الأطباء ومساهمتهم، واليوم نقول إننا مستعدون كأطباء لمزيد من المساهمة في إنجاح هذا الورش، لكن يجب عدم حرماننا من التغطية الصحية والتقاعد والحماية الاجتماعية. إن واقع التغطية الصحية اليوم مقلق بل ويعتبر خطيرا وإذا لم نتحرك سيكون المستقبل أوخم، وهنا تكمن أهمية التوجيهات الملكية والتحديد الزمني لإنجاح هذا العمل، لأنه لا يمكن الاستمرار في اجترار هذا الموضوع ومواصلة التسويف فيه.
إن الأرقام الصادمة اليوم ستتضاعف وتتفاقم أكثر، لأننا أمام عدة تحديات، أولها عامل السن، لأن 10 في المئة من المجتمع المغربي لديهم أكثر من 60 سنة وفي 2050 ستنتقل هذه النسبة إلى 25 في المئة، وهو ما سيتسبب غدا في عجز كبير للتغطية الصحية والصناديق إذا ما لم يتم تدارك الأمر، ويكفي أن نسوق مثالا بسيطا في هذا الصدد، ولنفرض أن 100 من الأشخاص اليوم لديهم التغطية الصحية الإجبارية فإن 10 في المئة منهم، أي من الذين لديهم أكثر من 60 سنة، يخصصون من مبلغ 100 درهم 70 للعلاجات، و 30 درهما المتبقية يستفيد منها البقية، أي 90 في المئة من باقي المؤمّنين، وهو ما يبين على أن 90 في المئة من المغاربة المؤمنين في التغطية الصحية الإجبارية يقتسمون في ما بينهم 30 في المئة من المصاريف المخصصة للصحة، و 10 في المئة يستهلكون نسبة 70 في المئة، وغدا حين سنكون أمام 20 و 25 في المئة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 60 سنة، سيكون هناك عجز كبير جدا في التغطية الصحية.
أحد التحديات الأخرى يتعلق بالأمراض المزمنة التي تعتبر الرقم 1 في المشاكل الصحية في بلادنا، فـ 3 في المئة من المؤمّنين يصرفون أكثر من 50 في المئة من مصاريف التأمين عليها، وسيرتفع هذا الأمر مستقبلا وسيتطلب ميزانيات ضخمة لعلاج المواطنين، وهو ما يفرض التدخل اليوم لإيجاد حلول لهذه الإشكالات، التي تعتبر ممكنة بطبيعة الحال، لكن يجب أن تكون مستعجلة لتحسين التغطية الصحية في المغرب وتجويد المنظومة الصحية حتى لا تؤثر على النمو الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا.
يجب تعميم التغطية الصحية على جميع المغاربة، لأن الثلث اليوم يستفيدون من التغطية الصحية الإجبارية إلى جانب بعض التأمينات الأخرى، والثلث الثاني يستفيد من «راميد» الذي يعتبر تغطية صحية على الورق أكثر منها على أرض الواقع لمحدوديتها، والثلث الأخير من المغاربة بدون تغطية صحية مطلقا، لهذا فتعميم التغطية الصحية مهم لأن كلفتها ستنخفض وفعالية النظام الصحي سترتفع.

 

الدكتور سعد أكومي، الرئيس الشرفي المؤسس للتجمع النقابي الوطني للأطباء الأخصائيين في القطاع الخاص

14 ألف طبيب بالقطاع الخاص يشاركون بشكل أساسي في تدبير صحة المواطنين

 

لقد جاء الخطاب الملكي بداية، منصفا لمهنيي قطاع الصحة ككل، الذين استقبلوه بكل فخر، وتضمن جملة من التوجيهات والتعليمات التي لها أهمية كبرى كما هو الشأن بالنسبة لتعميم التغطية الصحية حتى تشمل جميع المواطنين المحرومين منها والنهوض بقطاع الصحة بشكل عام.
تعليمات ملكية من المنتظر أن تشمل أطباء القطاع الخاص، الذين يقدّر عددهم بـ 14 ألف طبيب وطبيبة، الذين يعتبرون مشاركين فعليين وأساسيين ولهم مساهمتهم الثمينة في تدبير صحة المواطنين، وهذا العدد لا يمكن أن يشكّل عبئا على الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، أخذا بعين الاعتبار أن المساهمة التي تم اقتراحها هي عادلة ومنصفة، بل وتعتبر جد إيجابية لتمكين هذه الفئة من التغطية الصحية وتمكينها كذلك من التقاعد، لأن أطباء القطاع الحر يواصلون مزاولة المهنة إلى سنّ متقدمة تصل عند البعض إلى 80 وحتى 85 سنة، رغم كل الظروف والإكراهات، من أجل توفير مورد عيش، لأنهم غير مستفيدين من نظام التقاعد.
يجب أن تتجند كل المكونات والمتدخلين المعنيين من أجل تنزيل تفاصيل الدعوة الملكية وأجرأتها، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي تتم فيها الدعوة إلى تعميم التغطية الصحية، فقد فتحنا النقاش حول هذا الموضوع منذ 2006، وسبق في هذا الصدد أن راسلنا في التجمع النقابي القصر الملكي في أكتوبر 2013 وفي يوليوز 2014، وفي المناسبتين معا كان التفاعل إيجابيا، وتم الانكباب على إعداد مشروع قانون حول التغطية الصحية والتقاعد للمهن الحرة الذي شاركنا في بلورته، الذي بدأ تفعيله تدريجيا لبعض المهن الموازية لقطاع الطب، وشمل مهنة العدول وغيرها، لكن بالنسبة لأطباء القطاع الخاص، كانت هناك تقديرات ورؤى غير متفق بشأنها، ونتمنى اليوم أن يتم تدارك مافات، وأن تكون الكلمة الأولى والأخيرة للمصلحة العامة.

 

الدكتور بدر الدين الداسولي، رئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الحر
تعميم التغطية الصحية ضرورة للتوفر
على نظام صحي ناجع

إن التغطية الصحية جزء لا يتجزأ من مكونات الأمن الاجتماعي، فالغاية منها توفير نظام صحي ناجع وفعال وصامد للمواطنين أمام المتطلبات الصحية عامة، والمساهمة في مقاومة الأمراض الخطيرة والأوبئة، إلى جانب تمتيعهم بما يخوله لهم الدستور من حق للولوج إلى الصحة.
وتعتبر التغطية الصحية إحدى الركائز الأساسية للنهوض بقطاع الصحة بالإضافة إلى توفر الموارد البشرية على مؤهلات من حيث التكوين الأساسي الجيد والمستمر وتوظيف وتحفيز العدد اللازم من الأطر الصحية وفقا لما تنص عليه المعايير الدولية، وإعادة تأهيل المستشفيات.
إن التغطية الصحية ستمكّن لا محالة من تمويل وأداء تكاليف العلاج التي أصبحت باهظة الثمن نظرا للتطور التكنولوجي الذي عرفه ميدان الطب في الآونة الأخيرة، أخذا بعين الاعتبار أن هناك دولا تعتمد على تمويل صندوق التغطية الصحية من خلال مداخيل الضرائب وأخرى تعتمد على الاقتطاع من أجور المستخدمين والموظفين، لكن هذا النمط الأخير لا يمكنه تلبية وتحقيق تغطية إجمالية شاملة، لذلك فإن المزج بين النمطين يمكنه أن يفتح آفاقا جديدة من أجل تمويل التغطية الصحية للجميع، حيث أنه إلى جانب هذه العناصر فإن التغطية الصحية تعتبر اللبنة الأساسية في المنظومة الصحية من أجل النهوض بقطاع حيوي يضمن الصحة لجميع المواطنين.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 04/08/2020