« لا نتخيل إلى أي حد تتجلى صعوبة التماسك حينما تعيش امرأة مع زوج ليس كالآخرين، ولديها طفل يختلف عن الآخرين، ومهنة غير باقي المهن، وبأن مختلف محاور الارتباط تلك وبقدر كونها ارتقاء فهي تمثل عائقا أيضا(مع أخذ بعين الاعتبار أن كل واحد منا لايشبه“ الآخرين”)وتقوم على توازن ”مغاير تماما’ ‘يصعب تخيل ذلك !“(كاترين كليمون، جوليا كريستيفا، الأنثوي والمقدس، ألبان ميشيل، 2015 )
استحضرتم في الفيلم الذي أنجز عنكم، لحظة معينة عن ”العناية”. بالتأكيد، مايتعلق بدافيد وفيليب، لكن أيضا بخصوص مرضاكم، وكذا قرائكم. يشرح فيليب بدعابة بأنكم متأهبون نحو الآخرين، و”تفعلون ذلك بطريقة جيدة”، ثم نحدس تفاوتا طفيفا بين مواقفكم الشخصية. هل كان إلى جانبكم إبان تربية دافيد؟ وهل أمكنكم الاعتماد على دافيد؟وهل أمدكم حضوره بسند صلب؟
سند راسخ.
لكن أتمناه، ملموسا!
*جوليا كريستيفا:روحيا، و ليس وهميا. بدت غالبا طريقته في مساعدة دافيد على النمو، ملائمة أكثر قياسا لطريقتي:عدم طرق الأبواب المغلقة، والولوج فقط عبر الأبواب المفتوحة:الموسيقى، الفنون، المتعة، الحلم، التمرد بالكوميديا. بينما يخصص لي ماتبقى، أي التدبير، بمعنى كل شيء.
صامويل دوك: ليس هيِّنا.
: ليس سهلا، لكنه غير مستحيل. تقول إحدى شذرات دافيد من شعر الهايكو حيث موهبته واضحة بهذا الخصوص:”أبي عزب سعيد”. هذا يناسبني تماما. يمتلك سلوك فيليب، في نهاية المطاف، الجمالي أو الميتافيزيقي، الذي قد يبدو إنكارا للواقع، الفعالية الواقعية للاهتمام. هل بفضل اختباره إلى جانب دافيد، لرحلة الهواجس و التراجيديا، اندهشت حين إفراطي في حيويتي الذاتية؟ غاية امتلاكي شجاعة من قبيل التي مكنتني شهر ماي 1968 كي أواجه لوسيان غولدمان، المشرف على أطروحتي، تذكرون الواقعة، ثم يهاجمني على نحو أكبر أيضا:القلق حسب هيدغر! فقد خصص الفيلسوف في كتابه الكينونة والزمان، موقعا مركزيا بخصوص ألوهية لاتنية متأخرة: كورا (القلق، بالألمانية)، القلق، الذي يعكس الانشغال القلق الإغريقي-اللاتيني. دون أي برغماتية، يصبح القلق حركة خارج الذات، وفي نفس الوقت اهتماما ينصب على الذات نفسها. أعترض على هذه الرؤية الهيدغيرية بخصوص الدازين، بالتركيز على القصور، الذي يراعي بحسبي، غيرية الآخر، وكذا غياب مبدأ المتعة ثم اندفاعه مع التلذذ. مجرد تهالأولي الذي يجعلني باستمرار يقظة نحوه، ومع نفسي، ثم بصدد الآخرين. لكن، يلزم الانتباه !فالقلق لايجعلكَ بالضرورة مضطربا، أو قاتما؛بل ببساطة يعضد الاتصال الأكثر زخما مع غَرَابة القريب وكذا الذات؛يمثل القلق أولى بدايات الاقتراب. نادرا، مايوجب الطارئ البيداغوجي، في عالم التمركز الذاتي للاستهلاك وكذا الافتراض الرقمي، إدخال القلق، مع القدرة على العلاج، مثل قيم أولى، قبل كل تعليم لائكي للأخلاق. يعتبر فيليب والدا عصريا رائعا، يصلح ويكافئ، وينقل إلى ابنه هذا التفتح لحركة خارج الذات ثم في الذات، نسميها المعنى الجوهري للاعتراف والصداقة. يصف جيمس جويس، في روايته أوليس، الأبوة ك”خيال شرعي”، أو”حالة صوفية”للتحول. وقد اشتغل سوليرز على هذه الحالة، مع فن حقيقي للرفق المتأتي بفضل الموسيقى، اللغة الفرنسية والضحك.
أليست تجربتكم بخصوص العناية متوطدة أكثر بين طيات اليومي، لكنها أكثر سياسية منها “روحية”؟
ننسى غالبا، بأن الأنوار الفرنسية، جعلت من العناية قضية مشروع سياسي. من أجل الأفضل والأسوأ. من أجل الأفضل، لأن الموسوعيين، روسو ولاسيما ديدرو، ثم فولتير أيضا، في كتاباتهم حول الصمِّ، والمكفوفين، أو ذوي الإعاقة الحركية، لكنهم يتوجهون بالخطاب”إلى الفئات الأخرى”، كي تتوقف عن اعتبار الأشخاص التي تعاني وضعيات إعاقة مجرد موضوعات للعناية(مثلما تصنع المنظومات الإحسانية، في أفضل الحالات)، قصد الارتقاء بها نحو أفق مستوى الموضوع السياسي. حسب هذا المنطق الجديد ”المستنير”، الذي يذهب إلى الإعلان عن حقوق الإنسان، فهؤلاء الأشخاص أحرارا يتساوون أمام القانون، ويدين لهم المجتمع بالتعويض عن جوانب عجزهم ثم احتضانهم ضمن سياق المساواة الأخوية. ضمن نفس السياق، فالمسمى مجتمعا، هذا ”الحيوان الضخم”الذي يتغذى على عقيدة مفادها لامجال للولوج دون عمل، سرعان مايهمل مسألة العناية ضمن سياق الارتباط/الإنتاج/الإدماج. نتوخى جعل صاحب الإعاقة منتجا مثمرا، غير أننا نهمل قيمة العلاقة الشخصية التي يحتاج إليها حتى ينمي إبداعيته، ويلزمها أن تتصدر سلم ”قيمنا”، وبالتأكيد، تنتزع الإنتاجية. تشجع العناية على الإبداع الفردي، بالنسبة لمجتمع متكامل. على العكس، يؤدي الدمج بأي ثمن قياسا لمجتمع المنتجين/ المستهلكين، نحو إخضاع التميز إلى معيارية إجبارية. في إطار الورش الجمهوري حول الإعاقة، بمبادرة من الرئيس جاك شيراك(2002- 2005)، نظمنا داخل مقر اليونسكو رفقة صديقي شارل غاردو، أستاذ علوم التربية في جامعة ليون2، الحالات العامة لوضعية الإعاقة. كما سعينا مع المجلس الوطني للإعاقة، إلى إثارة الانتباه بخصوص تحول في النظرة، المرتكزة حول العناية الشخصية، وكذا الإقرار بالخصوصية ثم هاجس تطورها. تصوروا، تمجيدا حقيقيا لحقوق الإنسان، عبر هذا الحق في الخصوصية ! إذا أمكن تفعيل ذلك بالنسبة لذوي الإعاقة، ألا يمكننا حينئذ تعميم نفس الأمر على المجتمع قاطبة !لقد حلمت حنا أرنت بعَقْد سياسي يقوم على التقييم الجمالي، والذوق، وليس”الحُكْم”. فكل واحد يقوِّم حفلا موسيقيا حسب ذوقه، لكن جمهور الحفل الموسيقي لا يصيغ أكثر من توافق يحوي إطاره، تعدد الأذواق وتتواصل ثم تتبارى. اليوم، العالم السياسي بعيد جدا عن هذه الطوباوية. لكن ليس ممنوعا الحلم بأن العناية بالأشخاص المعاقين، وكذا خصوصياتنا كيفما بدت، بوسعها مساعدتنا كي نعيش بكيفية أخرى، على نحو أفضل.

