المنافسة‮: ‬ماذا لو بدأنا التحليل من تشكيلة اللجنة المكلفة نفسها؟ -5-

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

-5 الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، فقه الشبهة!

لا شك أن «تحقيق ما قبل التحكيم» الذي أنيط باللجنة الملكية المكلفة بالنظر في قرارات مجلس المنافسة، يتخذ جزءا من مغازيه، في القرار الملكي بإنشائها، بالرغم من أن الدستور يعطيه هذا الحق، في التحكيم حصريا، وأراد جلالته أن يمارسه مؤسساتيا من خلال إشراك المؤسسات ذات الصلة بموضوع شائك ولا يقل تعقدا عن ملفات أخرى أشرك فيها جلالته، أحيانا، قوى الأمة ومكوناتها، أو أشرك مؤسسات دستورية، كما في ملف المدونة وغيرها…
ومن الواضح أن وجود رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في اللجنة الملكية المكلفة بالنظر في تنازع مؤسسة مجلس المنافسة، هو أول تمرين ذي صيغة غير مسبوقة، منذ إسناد الرئاسة إلى السيد الراشيدي البشير، وبالأخص منذ توسيع القانون المتعلق بالهيئة ذاتها.
ولعل التحديث، بناء على مستجدات الدستور، قد تطلب ما يناهز تسع سنوات!
حيث أن القانون، عرض وصودق عليه في مجلس الحكومة، يوم الخميس 11 يونيو الماضي، ولم تمض إلا أيام معدودة حتى كان رئيس الهيئة ضمن لجنة مكلفة بملف تلاقت فيه مؤسسات كثيرة وشراكات دستورية متعددة الأطراف…
مشروع القانون الجديد أو الموسع، جاء في إطار تعزيز موقع الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها باعتبارها مؤسسة وطنية للحكامة، والتي تضطلع بمهامها، في إطار من التعاون والتكامل والتنسيق المؤسسي والوظيفي، مع السلطات والمؤسسات والهيئات الأخرى المعتبرة ضمن المنظومة الوطنية المعنية بمكافحة الفساد.
ولعل هذا أول رابط «مشيمي»، بلغة علم البيولوجيا، بين مجلس المنافسة، والسلطات القضائية وهيئة الوقاية من الفساد، حيث موضوع الحكامة في قلب التعريف الجديد لوظيفة الهيئة.
المشروع أيضا تم تعليله بضرورات نشر قيم النزاهة والشفافية والوقاية من الرشوة، أو/ والإسهام في مكافحة الفساد، عبر توسيع مفهوم الفساد، وذلك عبر إعادة صياغة المقتضيات المتعلقة بتحديد مفهوم الفساد والتمييز بين نوعين من أفعال الفساد المحددة لمجال تدخل الهيئة، والأمر حسب منطوق القانون « يتعلق بالأفعال التي تشكل جرائم بطبيعتها، حيث عناصرها الجرمية واضحة، تحيلها الهيئة إلى النيابة العامة المختصة؛ ثم الأفعال التي تشكل مخالفات إدارية ومالية تكتسي طابعا خاصا دون أن ترقى إلى درجة تكييفها جرائم قائمة بذاتها، مع تمكين الهيئة من إجراء أبحاث وتحريات وإعداد تقارير تحيلها على السلطات والهيئات المختصة، بتحريك المتابعة التأديبية أو الجنائية حسب الحالة».
وفي هذا البريزم الواسع، ما قد يحيلنا إلى تلاقيه مع مجلس المنافسة، كما يحيل على ما يلتقي مع محاربة شبهات الفساد وجرائمه…
والخلاصة الجوهرية أن مشروع القانون التعديلي، يوسع اختصاصات الهيئة، حيث يمنحها حق التصدي التلقائي للفساد، عوضا عن الاكتفاء بالتحري في البلاغات والشكايات التي تنتهي إلى علمها، إذ يفتح مشروع القانون أمام الهيئة إمكانية التصدي التلقائي لكل حالة من حالات الفساد، كما سيوسع اختصاصاتها ويمكنها القيام أو طلب القيام من أية جهة معنية تعميق البحث والتحري في الحالات التي ترى الهيئة أنها تشكل حالات فساد، وترتيب الآثار القانونية بناء على النتائج التي يتوصل إليها.
ليس صدفة أن الهيئة، ذات صلة، اسما وجسما، مبنى ومعنى، لها علاقة بالتحري في الفساد وشبهاته، كما في كل ما يمس منظومات الحكامة ذات الصلة بملف يبدو اقتصاديا محضا، أو تنظيميا محضا، في حين أن القراءات تتعدد حوله وبخصوصه حسب زوايا النظر..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 14/08/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *