سفاحون في مواجهة جرائم استثنائية (26) : بعد أن اكتسبه ثقته الزائدة شاب يغتال مشغله من أجل السرقة

سيبحر معنا القارئ من خلال هاته الحلقات في ملفات تتسم بالرعب جراء أفعال إجرامية قام بها متهمون أدانهم القضاء نهائيا بأحكام تتراوح مابين الإعدام والسجن المؤبد حيث ارتبطت أسماؤهم بملفات كبيرة مرتبطة أساسا بعالم الجريمة وتفننوا في ارتكاب أفعال إجرامية خطيرة بوعي منهم أو بدون وعي إلى أن تحولوا إلى كوابيس مزعجة بالنسبة للمواطنين ورجال الأمن. منهم من ظل لسنوات بعيدا عن أعين الامن التي كانت تترصده فيما آخرون وقعوا كما تقع الطيور على أشكالها مباشرة بعد ارتكابهم لفعلهم الجرمي أو في مسرح الجريمة
الاتحاد الاشتراكي تفتح اليوم تفاصيل هذه الجرائم فإنها تبقى مجرد قضايا من مجموعة ملفات عرفتها المحاكم المغربية منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي إلى يومنا هذا.. فيما تاريخ العدالة المغربية مليء بالقضايا المشابهة وبأعداد كبيرة، إلا أن القضايا التي أخترناه اليوم تعتبر مثيرة شدت إليها انتباه الرأي العام الوطني، كما عرفت نقاشا وجدالا واسعا من طرف الإخصائيين وعلماء الاجتماع وعلماء الجريمة.. فيما ظلت تفاصيلها راسخة في عقول العديد من الضحايا وعائلاتهم..

 

بعد أكثر من 30 سنة بالديار الفرنسية تمكن الشيخ من بناء منزل مكون من طابقين بأحد احياء المدينة   وبعد ان تقدم به السن ودع ديار الغربة واستقر بمنزله لوحده بعد أن تعذر على أبنائه اللحاق به لأسباب عدة، منها متابعة أحفاده دراستهم بالديار الفرنسية.
كان البيت ثمرة تقاعد أفنى فيها عمره إذ بلغ أكثر من 75 سنة، حيث خصص المحل السفلي لمقهى تقليدي والطابق الأول للضيوف والأبناء عند عودتهم صيفا واستغل الطابق الثاني بعيدا عن صخب المقهى  والزبناء من أجل الإقامة
كان الشيخ ذا قامة قصيرة، نحيل الجسم، لكن ذا لياقة بدنية جيدة  ولم تكن تظهر عليه علامات الشيخوخة رغم تقدمه في السن،  كان دائم الاهتمام ببيته وبنظافة الفضاء المجاور له، حيث يغرس الأشجار ويشذبها يكنس الأزبال ويرمم البيت دون أن يحتاج الى أي مصلح خاصة وأن معظم المهاجرين يكتسبون مهارات متعددة نظرا لغلاء الإصلاحات في الديار الفرنسية .
كان عارفا بالأمور وكانت علاقاته بزبائن ورواد المقهى جيدة  ولم يكن له أي من الأعداء لأنه كان يقدر مرتادي المقهى الشعبي الذي أنشأه أسفل المنزل من خلال تصرفاته. لقد  ألف العيش لوحده .إذ كان متعودا على السفر مرة كل ثلاثة أشهر إلى الديار الفرنسية. حيث كان يقضي معظم وقته بالمقهى يقبض الحسابات ويتسلم المداخيل  ليلا  قبل الصعود الى البيت للنوم تاركا مسؤولية فتح المقهى في الصباح الموالي للمستخدم.
كان الشاب  من رواد المقهى حيث لا يغادرها إلا للنوم أو الأكل  بحكم عطالته الدائمة.و كان كلما حل الليل يغادرها  للالتقاء مع صديقه بأحد الزوايا المظلمة من المدينة  لتناول كؤوس الخمرة فقد كان  يحصل على ثمن السجائر وكأس القهوة من طرف عائلته
ورغم عطالته  فإنه كان من بين عشاق الحانات التي لم تكن المدينة   تتوفر عليها ، لأجله كان يتحمل مشاق التنقل إلى المدينة  المجاورة  ليواصل إحتساء الخمور بالعلب الليلية التي كانت تستهويه وتسلب عقله. لكنه لم تكن له القدرة المادية على الاستمرار في هذه الطريق خاصة وأن مثل هاته الممارسات التي تتطلب أموالا كثيرة خاصة وأن الأمر لم يكن يقتصر على احتساء الخمرة بل أن مرتادي العلب الليلية يتنافسون في اقتناء الخمور المتنوعة ومجالسة الفتيات ورغم أن  ياسين كان وسيما، فإن المكان لا يتطلب الوسامة إذ الجمال بمثل هاته الأماكن غير مطلوب بقدرما المال هو عصب كل حركة وهو ماكان  بعيد المنال عن ياسين٠
كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة مساء من مساء ذاك السبت القائظ من أيام يونيو الماضي عندما اتصل ياسين بصديقه حيث دعاه الى قضاء بعض الوقت برفقته بإحدى العلب الليلة  لحظتها كان قد خطط للقيام بسرقة منزل الشيخ حيث لم يكن صعبا عليه  ولوج بيت بومدين من داخل المقهى عبر الباب الذي كان قد أقامه بومدين والمتصل بالدرج المؤدي الى الطابقين حيث عمد الى استغفال المستخدم الذي كان منهمكا في ترتيب المواد داخل خزانة المقهى.
دخل ياسين بيت بومدين، الذي يعرفه بشكل جيد، حيث كان في عدة أحيان يساعده في عمليات البريكولاج التي كان يقوم بها داخل منزله مقابل مبالغ مالية مختلفة كان يمنحها له وأمام تعدد الزيارات والمساعدات.
كانت ثقة الشيخ بالشاب كبيرة لا يشوبها أدنى شك خاصة وانه كان شابا خدوما
صعد أدراج الطابق الأول بتكتم شديد دون أي يحدث أي صوت .لم يكن أي أحد بالطابق الأول بل انه كان على علم بذلك ولكن كان يعلم جيدا أن غرفة الشيخ توجد بالطابق الثاني. لحظتها كان هذا الأخير يستعد للنوم وقبل أن يمد يده لإطفاء الأنوار وهو ممدد على سريره. شاهد الشاب ظن بداية انه مجرد طيفه إلا أن تأكد أنه هو بل نهض بكل قواه للدفاع عن نفسه لكن قوة الشاب وصغر سنه ساعدته في التغلب عليه  حيث عالجه بضربة قوية على مستوى البطن وأسقطه أرضا ليعيده  الى السرير
حاول الشيخ  مقاومة الشاب ،  لكن لم يفلح فكانت آخر مقاومته صراخ متواصل كان يطمع من وراءه إيصال صوته الى العمال الذين كانوا لحظتها منهمكين في إعادة ترتيب المقهى وخدمة ما تبقى من الزبناء قصد إنقاذه لكن صوته. ذهب سدى حيث أطبق يديه على وجهه الى أن خرت قواه
بدأ الشاب في البحث عن الأشياء الثمينة لحظتها تراءت له الخزانة  ففتحها وقام بالاستيلاء  على ما كان بداخلها  فكانت الحصيلة 2000 درهم. ليتسلل الفاعل إلى خارج البيت إذ كان في استقباله صديقه  فقصدا المدينة  المجاورة بعد أن استقلا سيارة أجرة  أقلتهما إلى العلبة الليلية التي اعتادا قضاء الليالي الحمراء بها مع فتيات الليل
تلقى فريق المداومة بمفوضية الشرطة ، صباح اليوم الموالي ، خبرا من مستخدم المقهى يفيد أن صاحبها لا يستجيب لا للنداءات ولا لطرقات الباب، وهو أمر غير عادي. خاصة وأنه اعتاد الاستيقاظ باكرا والنزول الى المقهى إلا أنه وبعد إخبار النيابة العامة تم اقتحام الشقة فتبين أن الشيخ قد فارق الحياة فوق سريره حيث تم انتداب سيارة نقل الأموات التي أقلت الجثة الى المستشفى من أجل إجراء تشريح عليها
شاع  خبر مقتل الشيخ وسط السكان وبين زبناء المقهى  وتجمع المواطنون والزبائن قرب البيت  يستنكرون هذا الفعل الذي ارتكب في حق شخص مسالم والغريب أن القاتل كان من بين المستنكرين والذي كان قد عاد من ليلته الحمراء بمعية صديقه بعد أن صرفا كل ما كان بحوزتهما من مال
الشرطة وبعد أن وضعت بعض السيناريوهات الممكن حدوثها في هذه الجريمة تبين أن الأمر يتعلق بجريمة قتل متبوعة بالسرقة وتبين أن الشيخ ليس له أعداء خاصة وأنه عجوز طيب خدوم لا يتدخل فيما يعنيه وبالتالي حصلت قناعة بأن الفاعل  لن يخرج عن محيط الضحية بل أنه  من معارف الشيخ وزائري بيته ورواد المقهى بحكم عدم وجود أي كسر بالأبواب والنوافذ، فتم استدعاء العديد من معارفه ومستخدمي المقهى دون جدوى فاتجه التحقيق الى محطة أخرى ويتعلق الأمر بمحطة سيارات الأجرة فربط الاتصال بالمكلف بالنداء بها الذي أخبرهم بالأشخاص الذين غادروا المركز  في اتجاه المدينة  ،أو الذين تحركوا تلك الليلة في اتجاه ما. لم يكن الجواب بالعسير، حيث كانت كل رحلة  تسجل في سجل وتؤخذ هوية أحد الركاب. أعطيت أوصاف الشابين اللذين استقلا سيارة أجرة  إلى المدينة   فتم استدعاؤهما وحوصرا بالأسئلة. كانت دقائق معدودة كافية لينهار الشاب  ويعترف بما اقترفت يداه وهو يؤكد أنه لم تكن له نية قتل الشيخ٠
أحيل المتهم على النيابة العامة التي قررت إجراء تحقيق في النازلة حيث أحيل على غرفة التحقيق التي  أكد أمامها ابتدائيا وتفصيليا أنه قام بفعلته لكن دون أن تكون له نية قتل بومدين بل كانت بهدف السرقة فقط وبعد انتهاء البحث أحيل المتهم على غرفة الجنايات بعد متابعته من أجل جناية القتل العمد المتبوع بجناية السرقة الموصوفة  فيما توبع صديقه من أجل عدم التبليغ عن وقوع جناية والمشاركة وبعد أن تم التأكد من هويتهما  تم استنطاقهما حول الأفعال المنسوبة إليهما فاعترفا بها وبعد المداولة تم الحكم على المتهم بالإعدام فيما رفيقه بأربع سنوات


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 19/08/2020