دخلت «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان»، بخنيفرة، على خط ما يعيشه «مركز تصفية الدم» (الدياليز)، بالمدينة، من أوضاع كارثية، في إطار متابعة ملف مرضى القصور الكلوي بهذا المركز، إذ بعد حلول ممثلين عنها بعين المكان ومؤازرتهم للمرضى، عقدت، يوم الثلاثاء 18 غشت 2020، لقاء، دام حوالي ثلاث ساعات، بالطبيبة المختصة في أمراض الكلى بالمستشفى الاقليمي بخنيفرة، والتي أنهت تعاقدها مع ذات المركز، وذلك «بغاية الوقوف على الأسباب الحقيقية والظروف التي جعلتها تقدم استقالتها من المركز ومحاولة اقناعها بالعدول عن قرارها في ظل الشروط الحالية التي يعرفها المركز والتي تنذر بما لا يحمد عقباه»، على حد نص بلاغ في الموضوع.
ولم يفت الطبيبة المعنية بالأمر الكشف للجمعية عما أصابها من انهيار نفسي، وهي «تتابع حصصا للعلاج بعد إصابتها باكتئاب حاد ناتج عن الشروط اللاإنسانية التي كانت تزاول فيها نشاطها بالمركز»، فيما أكدت ب «أن ضميرها المهني يمنعها من التورط في المشاركة في ما أسمته بالجرائم التي يعرفها المركز، و خصوصا أنها منذ سنة 2016 وهي تحذر وتنبه وتراسل وتحتج بخصوص الوضع الخطير الذي يعيشه مركز تصفية الدم بخنيفرة، دون أدنى تفاعل من المندوبية الاقليمية لوزارة الصحة بخنيفرة وباقي الجهات الأخرى المعنية بتسيير هذا المركز»، وفق ما تضمنه البلاغ الذي عممته الجمعية الحقوقية.
ومن جملة المشاكل التي جرى الكشف عنها، منها أساسا المياه المستعملة للتصفية، هي «مياه قاتلة»، إذ «لا يميزها عن ماء الحنفيات أي شيء، وقد ظلت الطبيبة المشار إليها، طيلة اشتغالها بالمركز، محرومة من الوصول إلى غرفة معالجة هذه المياه»، الأمر الذي يشدد على ضرورة «فتح تحقيق في الأسباب الحقيقية لبعض الوفيات (حصل أن توفى ثلاثة أشخاص، في يومين متتابعين، حسب ذات المصدر، كما أن حوالي 16 جهاز من أصل 36 تقريبا غير صالحة اطلاقا للتصفية، خصوصا أنها استنفذت عمرها المحدد في 30.000 ساعة، و مع ذلك لازالت الجمعية المسيرة للمركز تحرص على ترميمها»، وفق البلاغ.
والأنكى من ذلك، يضيف البلاغ، أن الجمعية المسيرة للمركز «أنفقت في ظرف سنتين ما يكفي لاقتناء 14 جهاز (…)، علاوة على كون ثمن الاقتناء مبالغ فيه بطريقة تدعو لتوجيه أصابع الاتهام نحو الجهة التي تعقد هذه الصفقات…»،
بينما لم يفت الجمعية، ضمن بلاغها، الإشارة ل «التقني المكلف بصيانة أجهزة التصفية وتشغيلها»، باعتباره «يفتقر لكل تكوين بهذا الخصوص؛ وقد أكدت الطبيبة ذلك، ومشيرة لما سبق أن نبه إليه المرضى بوصف الشخص التقني مختص فقط في إصلاح المكيفات، وقد جيء به في إطار تقاسم ريع المركز بين العديد من الأسماء»، على حد محتوى البلاغ.
وفي ذات السياق، سجلت الجمعية المغربية على لسان الطبيبة ما عانته من «تطاول على اختصاصاتها من طرف تقني المركز، ومن إقصاء من حضور الاجتماعات المتعلقة بالمركز»، مستغربة في الوقت نفسه حيال مصدر سلطاته وأساسها، خصوصا في ظل انقطاع رئيس الجمعية عن الحضور للمركز وتجميد باقي الأعضاء لنشاطهم «، كما أن الألفاظ التي تستعمل من طرف التقني في مخاطبتها كلها منحطة واللا مسؤولة، ناهيك عن تلصصه على حميمية النساء في حصص التصفية بالإضافة لسلوكات أخرى تخجل من الافصاح عليها… «، حسبما جاء على لسان الطبيبة في تصريحاتها للجمعية.
ولم يفت الطبية الكشف عن «تعريض حياة المرضى لخطر الموت، مرارا و تكرارا، نتيجة تصرفات التقني المعني بالأمر (قدمت الطبيبة كنموذج لذلك شابين، أحدهما في ربيعه الثاني والآخر يبلغ من العمر 24 سنة»، تم التحفظ على ذكر اسميهما، واللذين «أفلتا من الموت بطريقة عجيبة»، وبخصوص الآليات والمستلزمات الطبية فتم تسجيل ما يفيد أنها «تقتنى بكميات غير مطابقة إطلاقا للمعايير الطبية، وأحيانا من مصادر مشبوهة (قدمت الطبيبة نماذج لذلك)»، و أمام كل هذه المصائب والفظائع جعلت الطبيبة المعنية تعيش كوابيس مسترسلة حرمتها من راحة النوم، جراء تفاعلها المسؤول مع نبل رسالتها.
ومن بين ما فوجئت به الطبيبة ذات يوم، أن خاطبها أحد المسؤولين، ببرودة وحشية، وهي تجرد عليه المصائب: «يجي المريض يدور الدم فالماكينة والله يعاون…» (عدد المرضى 120)، ومن منطلق الواجب الحقوقي، تقول الجمعية في بلاغها، «اقتضى الأمر أن تعرض، بكل أمانة ما دار بينها وطبيبة الكلى néphrologue بالمستشفى الاقليمي بخنيفرة، وستتحمل مسؤوليتها الكاملة في مواصلة الكشف عن كل الخروقات التي ترقى لمستوى جرائم مكتملة الأركان في تدبير مركز تصفية الدم بخنيفرة والتعريف بها والتعبئة و حشد الجهود لإيقاف هذه المجازر»، محملة المسؤولية الكاملة لكل من وزير الصحة، وزير العدل، وزير الداخلية ورئيس الحكومة.
ويذكر أنه من حين لآخر ينتفض مرضى المركز ضد ما يصفونه بسوء التغذية وسوء الخدمات والمعاملات الانسانية، فيما فات لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» أن طالبت، إلى جانب فعاليات المجتمع المدني، بضرورة افتحاص مالية الجمعية المسيرة للمركز، والتدقيق جيدا في ما تقدمه من وثائق مالية، وفي ملابسات تضخيم كلفة حصص تصفية الدم بغاية حجب الهدر المالي، وحقيقة تكاليف صيانة وإصلاح الآلات الخاصة، ذلك قبل أي انتقال يقطع مع ما يربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو نفس مطلب «شهود من أهلها» في شخص أعضاء من الجمعية فات لهم أن تقدموا للسلطات بمراسلة حبلى بالأرقام في الموضوع.
وقد ظل المركز، خلال السنة الماضية وقبلها، في مواجهة النداءات بمحاولة إبقاء المركز «شأنا داخليا» لمنع أي محقق الاقتراب منه، علما أنه لا عيب في محاسبة المركز، والمساءلة فيما يضخ في حسابه من أموال، تقدر بحوالي مليار و400 مليون سنويا، علاوة على منح من المبادرة الوطنية، والمجلس البلدي والإقليمي والجهوي، والجماعات المحلية، إلى جانب مداخيل صندوق الضمان الاجتماعي و»الكنوبس»، والعابرين من الجالية والمحسنين، ثم دعم وزارة الصحة الذي لم يسلم من تبريره بوصولات وفواتير ملتوية، ولم يكن متوقعا، السنة الماضية أيضا، أن تتفجر فضيحة عدم أداء المركز لمستحقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لأزيد من نصف سنة.
ويذكر أن مركز تصفية الدم (الدياليز) فات له أن اهتز على وقع فضيحة اتهام أشخاص مسؤولين ب «اختلاس» الملايين من مالية الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، المعروف اختصارا بـ (كنوبس cnops)، ما جر على المركز وقتها عدة تحركات أمنية غير مسبوقة، في سبيل تعميق التحقيق مع أعضاء الجمعية المسيرة لهذا المركز، وكل من له علاقة بالتدبير المالي والتسيير الإداري للمركز، وكانت مصادرنا حينها قد أكدت ما يفيد أن التحقيقات وقفت على وجود أكثر من حساب بنكي باسم الجمعية، والمؤكد أن التحقيقات شملت حينها أمين مال الجمعية الذي أسرَّ لبعض زملائه بأنه كان يوقع على بعض الوثائق بثقة عمياء، وهو الملف الذي جرى تعليقه في ظروف مجهولة.
طبيبة بخنيفرة تكشف لحقوقيين بعض فضائح «مركز تصفية الدم»
الكاتب : أحمد بيضي
بتاريخ : 25/08/2020