في الجديدة صيف بطعم كورونا : الفيروس افقد أزيد من 2000 شاب وشابة مورد رزقهم الموسمي

ينتظر المغاربة  فصل الصيف  على أحرّ من الجمر لقضاء عطلة ممتعة على رمال الشواطئ الفسيحة والممتدة على طول الساحلَين الغربي والشمالي للبلاد، بعد عام طويل من العمل  أو الدراسة. لكن ثمّة من ينتظر الصيف ليعمل  ويكدّ، فيوفّر بعض المال الذي يحتاجه.
وتنتعش مهن عدّة خلال فصل الصيف في المغرب، إذ تحقق عائدات مالية  لا تتوفّر في فصول أخرى. وتعود تلك المهن على مزاوليها وممتهنيها بمبالغ مالية صغيرة كانت أو كبيرة، إلا أنّها تسدّ من دون شك نقصاً في ميزانية الشاب أو الأسرة، كذلك قد تؤمّن ثمن مستلزمات الدراسة وغيرها من الاحتياجات الكثيرة التي لا تنتهي.
ويعيش العديد من الشباب الذين كانوا يستغلون فصل الصيف وإقبال المواطنين على الشواطئ من أجل الاستجمام، هذه السنة، وضعا استثنائيا بعدما وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل، بسبب الإجراءات الاحترازية المتخذة من لدن السلطة للحد من انتشار فيروس «كورونا».
ووجد شبان كثر، ممن كانوا يعمدون إلى كراء المظلات وبيع الحلويات في الشواطئ لفائدة المصطافين، أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، إذ صارت ذلك ممنوعا عليهم، في ظل الإجراءات الاحترازية المتخذة والتي تمنع كراء هذه الواقيات الشمسية.
المظليات والكراسي في خبر كان ..؟

يحكي سيف الدين وهو من الشباب الذين كانوا يشتغلون خلال هذه الفترة بشاطئ الجديدة أن هذا الموسم لم يستطع الاشتغال كما كان في المواسم الفارطة، حيث يسود تخوف لدى المواطنين من الفيروس، ناهيك على المنع الذي يواجه به الشباب أصحاب المظلات الشمسية.
ولفت هذا الشاب العشريني في تصريح لجريدة الاتحاد الاشتراكي ، إلى أن المظلات الشمسية «كانت تدر دخلا يوميا محترما طوال فصل الصيف، والتي تمكننا من العيش بها لأشهر أخرى؛ غير أن هذه الظروف حدت من نشاطنا ومدخولنا»، مضيفا أن الكثير من الأسر باتت بدورها تتخوف من العدوى وتجلب معها معداتها للشاطئ.
وأوضح هذا الشاب أن الجائحة وما رافقها من تدابير وإجراءات من طرف السلطة جعلته وباقي الشباب يفكرون في البحث عن بديل آخر؛ ذلك أن بعض الدوريات من طرف السلطة المحلية تتسبب لهم في خسائر بسبب حجز مظلاتهم في حالة ضبطهم وهم يقومون بكرائها للمصطافين.
لا يقتصر الأمر على أصحاب كراء المظلات الشمسية، بل إن العديد من المهن الموسمية التي يحترفها البعض في الصيف بشاطئ الجديدة صار تواجدها قليلا؛ ذلك أن بائعي الحلويات تراجع عددهم بشكل كبير، في ظل كساد سلعتهم بسبب تراجع الأسر عن اقتنائها من طرفهم إثر تخوفهم من انتقال «كورونا».
وأعرب كثير من الشباب الذين دأبوا على الاشتغال في شاطئ الجديدة في الصيف عن تضررهم من هذه التدابير المتخذة بسبب الجائحة، معتبرين أن هذا الموسم سيخرجون منه خاليي الوفاض، بعدما «خنقتهم» التدابير الصحية المفروضة من السلطة من جهة وكذا تخوف بعض الأسر من جهة ثانية.
انهيار منظومة كراء الشقق والقضاء على شوايات السردين وعربات التين

من أبرز المهن التي تعرف تنامياً ملحوظاً خلال فصل الصيف في المجتمع الدكالي ، سمسرة الشقق المفروشة للإيجار خلال أشهر العطلة الصيفية، وبيع التين الشوكي (الهندية)، والنقش بالحنّاء، والإنقاذ البحري، فضلاً عن بيع القهوة والحلويات وتأجير المظلات والكراسي على شاطئ الجديدة .
كما يتوزّع فتيان وشباب من مختلف الأعمار يلوّحون بمفاتيح شقق مفروشة يعرضها أصحابها للإيجار على السيّاح الذين ينوون قضاء عطلة صيف ممتعة بالجديدة .
(التيجاني ) أربعيني يعمل في كلّ موسم صيف سمساراً مؤقتاً بشارع محمد الخامس أو بالقرب من المحطة الطرقية في الجديدة ،حيث يسلمه «أصحاب بعض الشقق مفاتيحها ويطلبون منّه العثور على من يستأجرها خلال الصيف. إذا تمكن من ذلك، يحصل على بعض المال من صاحب الشقة، والمستأجر كذلك الذي لا يبخل عليّه «. وعن صعوبات هذه المهنة يقول إنّ «الصعوبة بل الخطورة تتمثل في عدم معرفة من هو الشخص الذي ينوي استئجار الشقة أحياناً. حيث قد يتسبب في بعض المشاكل «. لذا، ولتفادي أيّ مشكلة، بدأ يعمل فقط مع أصحاب الشقق الذين يحرصون على تأجيرها للأسر وليس لشبان عازبين، «على الرغم من أنّ هؤلاء قد يمنحونه مبلغا ماليا محترما مقابل الخدمة التي سيسديها لهم بشكل أكبر من تلك التي تمنحه إياها العائلات».
الا انه يؤكد أن الحرفة الموسمية تضررت هذه السنة، خاصة مع إغلاق مدن مراكش وبني ملال ، التي كان قاطنوها يتوجهون إلى الجديدة من أجل قضاء جزء من الصيف ، ورغم أنها انتهت أخيرا إلا أن تخوف المواطنين من الإغلاق حتم عليهم المغادرة بعد قضاء اقل من اسبوع.
من جهته، (المختار ) الذي تجاوز العشرين بقليل، يبيع التين الشوكي أو (الهندية) باللهجة المغربية وسط الجديدة نهارا وقرب الشاطئ ليلا . هذه المهنة شائعة في هذا الفصل، إذ إنّ هذا النوع من الفاكهة يظهر في فصل الصيف ، فإضافة إلى فوائده الصحية،يبقى مذاقه يغري الزوار والمحليين ،يقول المختار : «أبيع الهندية في كل صيف على عربة أجرّها، وزبائني من كل الفئات الاجتماعية. وأنا أقوم بذلك من أجل توفير مصاريف السنة الدراسية المقبلة، خصوصاً أنّني مقبل على المرحلة السنة الأخيرة من الإجازة وأريد توفير بعض المال من استكمال دراستي العليا في سلك الماستر شعبة الاقتصاد «.الا ان المطاردات اليومية افقدت اصحاب هذه المهن الموسمية الكثير من التركيز على العمل يؤكد المختار.
شوايات السردين هي الأخرى اختفت حيث كانت تنتشر كالفطر في زوايا الأحياء الشعبية والمستودعات ،إلا أنها هي الأخرى اختفت يؤكد عبد الجليل احد أبناء الجديدة الذين كانوا يقصدونها باستمرار جماعات أو رفقة بعض الضيوف الذين يعيشون السمك المشوي على الفحم بمعية السلطة المغربية، إلا أنه تم اقلاعها جميعا في إطار التدابير الاحترازية وتفقد العشرات من الشباب مورد رزقهم ولو بشكل مؤقت٠
التدابير الاحترازية تقضي على مهنة النقش على الحناء

وفي الصيف، تنتشر كذلك مهنة النقش بالحنّاء التي يستهدف مزاولوها فئتَين من الزبائن. الأولى هي الفتيات اللواتي يتنافسن على نقش ايديهن وأرجلهن وإبراز الانواع والأشكال ، سواء على رمال الشاطئ او اثناء تمضية الوقت بالمقاهي والفضاءات العامة والثانية هي السياح الأجانب الذين يحبّون ألوان وبهجة النقش بالحنّاء على الأرجل واليدين. وتنتشر هذه المهنة بشارع الزرقطوني قرب السوق القديم في الجديدة ، تقول بنت إحدى اقدم وأشهر النقاشات «مهنة النقش بالحناء تنتعش كثيراً في فصل الصيف، لا سيّما في هذا المكان وبالقرب من الشاطئ وفي الفضاءات العامة ،حيث يكثر إقبال السياح المغاربة والأجانب». تضيف أنّ «السائح هو أكثر من يطلب خدمة النقش بالحنّاء، لأنّ في الحنّاء جزءا من حياتنا،الا أن كورونا إصابتها هذه المهنة بالكساد إضافة إلى تطفل العديد عليها ، نتعرض للطرد باستمرار من هذه الأماكن ، خاصة في ظل التدابير الاحترازية التي تتخذها السلطات العمومية وشرط التباعد مع الزبائن إلا أن المهنة تتطلب الكثير من التركيز والتقارب.
مهن تنتعش فقط في الصيف

وخلال فصل الصيف، تنتشر كذلك مهن أخرى مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالشاطئ والبحر، من قبيل تأجير المظلات الشمسية أو الكراسي للمصطافين . لاتنتعش إلا في الصيف، إلا أن السلطات العمومية تحاربها بحزم، لأنها يمكن أن تنقل الفيروس لتقارب مستعمليها كنا أن الكراسي تساهم في التجمعات واطالتها مما ينذر لانتقال العدوى٠
مهن أخرى لا تظهر إلا في الصيف وهي الإنقاذ البحري، ويعمل فيها شباب طيلة الفصل لقاءاجر مالي متواضع. حيث يعمدون إلى مراقبة المصطافين عند دخولهم إلى البحر وإنقاذ من قد يتعرّض منهم للغرق. في السياق، ينتهز آخرون فرصة اكتظاظ الشواطئ من أجل بيع بعض المشروبات مثل القهوة بالتوابل المغربية . لكنّ ذلك لا يدرّ كثيراً من المال، إلا أنّه قد يساعد هؤلاء الشباب على تأمين بعض مصاريفهم. علما ان البعض يمتهن هذه الحرف في سيارات على قارعة الطريق إلا أنهم هم الآخرين تضرروا من التدابير الاحترازية وأصبحوا عرضة للحجز وإتلاف السلع خوفا من انتشار الفيروس
على سبيل الختم

الفيروس اللعين الذي قضى على الأخضر واليابس، يستدعي إعادة بناء الاقتصاد الهش والموسمي بدراسات علمية ،خاصة وأن كورونا افقدت نسبة كبيرة من الشباب أعمالها الموسمية التي كانت تساهم في اعالة أسر كثيرة في الجديدة وضواحيها، و يمكن التأكيد على أن أكثر من 2000 شاب فقدوا مهنهم الموسمية جراء كورونا التي مازالت تقضي على الحرث والنسل في غياب لقاح يجنب المغاربة المزيد من الخسائر .


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 31/08/2020