رهان‭ ‬ماكرون‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬محفوف‭ ‬بالمخاطر‭ ‬


‭ ‬يعود‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬إلى‭ ‬بيروت‭ ‬الاثنين‭ ‬ل‭”‬تقييم‭” ‬خيار‭ ‬بدا‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬محفوفا‭ ‬بالمخاطر،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬سياسي‭ ‬جذري‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بعد‭ ‬انفجار‭ ‬المرفأ‭ ‬المروع،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إجماع‭ ‬على‭ ‬تصلب‭ ‬النظام‭ ‬اللبناني‭ ‬وعمق‭ ‬الأزمة‭.‬
وتستمر‭ ‬الزيارة‭ ‬يومين‭ ‬وتتخللها‭ ‬لقاءات‭ ‬سياسية،‭ ‬وهي‭ ‬الثانية‭ ‬لماكرون‭ ‬بعد‭ ‬زيارة‭ ‬أولى‭ ‬في‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬غشت‭ ‬تصدرت‭ ‬اهتمام‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سار‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬منكوب،‭ ‬محاطا‭ ‬بلبنانيين‭ ‬رحبوا‭ ‬به،‭ ‬وطالب‭ ‬على‭ ‬مسامعهم‭ ‬المسؤولين‭ ‬اللبنانيين‭ ‬بإقرار‭ “‬ميثاق‭ ‬سياسي‭ ‬جديد‭” ‬وإجراء‭ ‬إصلاحات‭ ‬عاجلة‭.‬
ووعد‭ ‬ماكرون‭ ‬خلال‭ ‬زيارته‭ ‬الأخيرة‭ ‬بالعودة‭ ‬مطلع‭ ‬سبتمبر‭ ‬لـ‭”‬تقييم‭” ‬التقدم‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إحرازه‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬اختياره‭ ‬هذا‭ ‬الموعد‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الصدفة،‭ ‬إذ‭ ‬يتزامن‭ ‬مع‭ ‬إحياء‭ ‬الذكرى‭ ‬المئوية‭ ‬الأولى‭ ‬لإعلان‭ ‬دولة‭ ‬لبنان‭ ‬الكبير‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الانتداب‭ ‬الفرنسي‭.‬
ورغم‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسابيع،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬لبنان‭ ‬يلملم‭ ‬جراحه‭ ‬جراء‭ ‬الانفجار‭ ‬الذي‭ ‬أوقع‭ ‬188‭ ‬قتيلا‭ ‬وتسبب‭ ‬بإصابة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬6500‭ ‬آخرين‭ ‬وألحق‭ ‬أضرارا‭ ‬جسيمة‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬أحياء‭ ‬العاصمة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬لم‭ ‬يتبدل‭ ‬ولم‭ ‬يدفع‭ ‬أيا‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬تنازلات‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬التنحي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يطالب‭ ‬به‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬اللبنانيين‭ ‬الغاضبين‭ ‬الذين‭ ‬يحملون‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬مجتمعة‭ ‬مسؤولية‭ ‬الانفجار‭ ‬بسبب‭ ‬فسادها‭ ‬واستهتارها‭.‬
ولعل‭ ‬المتغير‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬تحديد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬ميشال‭ ‬عون‭ ‬صباح‭ ‬الاثنين‭ ‬موعدا‭ ‬للاستشارات‭ ‬الملزمة‭ ‬التي‭ ‬سيجريها‭ ‬مع‭ ‬الكتل‭ ‬النيابية‭ ‬لتكليف‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬جديد،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬قال‭ ‬الزعيم‭ ‬الدرزي‭ ‬وليد‭ ‬جنبلاط‭ ‬إن‭ ‬الدعوة‭ ‬إليها‭ ‬جاءت‭ “‬حياء‭” ‬قبل‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬وصول‭ ‬ماكرون‭.‬
ويقول‭ ‬مدير‭ ‬معهد‭ ‬عصام‭ ‬فارس‭ ‬للسياسات‭ ‬العامة‭ ‬والشؤون‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬جوزف‭ ‬باحوط‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬بريس‭ “‬سيعود‭ ‬ليرى‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬إحراز‭ ‬أي‭ ‬تقدم‭”‬،‭ ‬واصفا‭ ‬المسعى‭ ‬الفرنسي‭ ‬بـ‭”‬المجازفة‭ ‬السياسية‭ ‬لأنه‭ ‬تعهد‭ ‬بمتابعة‭ ‬المسألة،‭ ‬وهذا‭ ‬تعهد‭ ‬باسم‭ ‬فرنسا‭”.‬
ولم‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬النيابي‭ ‬ما‭ ‬يوحي‭ ‬أن‭ ‬السياسيين‭ ‬سيبدأون‭ ‬ورشة‭ ‬لإصلاحات‭ ‬سياسية‭ ‬قال‭ ‬ماكرون‭ ‬إن‭ “‬لا‭ ‬مساعدات‭ ‬مالية‭ ‬دولية‭” ‬من‭ ‬دونها‭.‬
وحددت‭ ‬الرئاسة‭ ‬الفرنسية‭ ‬الجمعة‭ ‬هدف‭ ‬الزيارة‭ ‬بـ‭”‬ممارسة‭ ‬الضغط‭ ‬حتى‭ ‬تتوفر‭ ‬الشروط‭ ‬لتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬بمهمة‭ ‬محددة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الاضطلاع‭ ‬بإعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬والاصلاح‭”‬،‭ ‬مع‭ ‬ضمان‭ ‬أن‭ ‬يلتزم‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬بدعم‭ ‬لبنان‭ ‬الذي‭ ‬يشهد‭ ‬أسوأ‭ ‬أزماته‭ ‬الاقتصادية‭.‬
ولم‭ ‬تظهر‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أي‭ ‬بوادر‭ ‬توافق‭ ‬على‭ ‬اسم‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬المقبل‭ ‬جراء‭ ‬التباين‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬قد‭ ‬صمت‭ ‬أذنيها‭ ‬عن‭ ‬سماع‭ ‬صوت‭ ‬اللبنانيين‭ ‬المحبطين‭ ‬الذين‭ ‬يصرون‭ ‬على‭ ‬محاسبة‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬كاملة‭ ‬ويرفضون‭ ‬عودة‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬رموزها‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭.‬
ويوضح‭ ‬مصدر‭ ‬دبلوماسي‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬لفرانس‭ ‬بريس‭ ‬أن‭ “‬هناك‭ ‬مساع‭ ‬حاليا‭ ‬لتسمية‭ ‬رئيس‭ ‬مكلف‭ ‬قبل‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬سيحصل‭ ‬بسهولة‭”.‬
ولا‭ ‬يعني‭ ‬توجه‭ ‬لبنان‭ ‬إلى‭ ‬تكليف‭ ‬رئيس‭ ‬جديد‭ ‬للحكومة‭ ‬خلفا‭ ‬لحسان‭ ‬دياب‭ ‬الذي‭ ‬استقال‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬غضب‭ ‬الشارع‭ ‬عقب‭ ‬الانفجار،‭ ‬أن‭ ‬ولادة‭ ‬الحكومة‭ ‬بات‭ ‬قاب‭ ‬قوسين‭. ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬تستغرق‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬أسابيع‭ ‬عدة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬أشهر،‭ ‬بسبب‭ ‬الانقسامات‭ ‬السياسية‭ ‬والشروط‭ ‬والشروط‭ ‬المضادة‭.‬
ويقول‭ ‬الباحث‭ ‬والأستاذ‭ ‬الجامعي‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬زياد‭ ‬ماجد‭ ‬لفرانس‭ ‬برس‭ “‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية،‭ ‬لا‭ ‬إمكانية‭ ‬لأي‭ ‬إصلاح‭ ‬جدي‭ ‬لأن‭ ‬سبب‭ ‬وجودها‭ ‬هو‭ ‬الزبائنية‭ ‬والطائفية‭ ‬والفساد‭”.‬
ويضيف‭ “‬يودون‭ ‬فقط‭ (‬حفظ‭) ‬الستاتيكو‭ ‬القائم،‭ ‬ووصول‭ ‬الأموال‭ ‬لتهدئة‭ ‬بعض‭ ‬الغضب‭ ‬قليلا‭ ‬وانتظار‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأمريكية‭”.‬
ويسود‭ ‬اعتقاد‭ ‬أن‭ ‬فوز‭ ‬المرشح‭ ‬الديموقراطي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬بالرئاسة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يخفف‭ ‬التوتر‭ ‬الذي‭ ‬يشوب‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬ما‭ ‬سينعكس‭ ‬إيجابا‭ ‬على‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يعطي‭ ‬دفعا‭ ‬لتسوية‭ ‬جديدة‭ ‬برعاية‭ ‬دولية‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬خصومه‭ ‬في‭ ‬لبنان‭.‬
ويشكل‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬يتمتع‭ ‬بالنفوذ‭ ‬الأكبر‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية،‭ ‬أكثرية‭ ‬مع‭ ‬حلفائه‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬وسبق‭ ‬أن‭ ‬أبدى‭ ‬رفضه‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ “‬حيادية‭”‬،‭ ‬مطالبا‭ ‬بحكومة‭ ‬تضم‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬التقليدية‭.‬

حزب‭ ‬الله

وأعلن‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ ‬حسن‭ ‬نصرالله‭ ‬الأحد‭ ‬أن‭ ‬الحزب‭ ‬منفتح‭ ‬على‭ ‬مناقشة‭ ‬الاقتراح‭ ‬الفرنسي‭ ‬بشأن‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ “‬عقد‭ ‬سياسي‭ ‬جديد‭” ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ “‬بإرادة‭ ‬ورضا‭ ‬مختلف‭ ‬الفئات‭ ‬اللبنانية‭”.‬
وقال‭ ‬نصرالله‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ “‬سمعنا‭ ‬دعوة‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬زيارته‭ ‬الأخيرة‭ ‬للبنان‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬سياسي‭ ‬جديد‭”.‬
وأضاف‭ “‬نحن‭ ‬منفتحون‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬نقاش‭ ‬هادف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ (…) ‬لكن‭ ‬لدينا‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬النقاش‭ ‬وهذا‭ ‬الحوار‭ ‬اللبناني‭ ‬بإرادة‭ ‬ورضا‭ ‬مختلف‭ ‬الفئات‭ ‬اللبنانية‭”.‬
ولم‭ ‬يحدد‭ ‬نصرالله‭ ‬ما‭ ‬نوع‭ ‬التغييرات‭ ‬التي‭ ‬ينوي‭ ‬الحزب‭ ‬أخذها‭ ‬بالاعتبار‭. ‬لكنه‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ “‬سمعنا‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬رسمية‭ ‬فرنسية‭ ‬انتقادات‭ ‬حادة‭ ‬للنظام‭ ‬الطائفي‭ ‬في‭ ‬لبنان‭” ‬الذي‭ “‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬مشاكل‭ ‬لبنان‭ ‬والاستجابة‭ ‬لحاجاته‭”.‬
وكان‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬الأبرز،‭ ‬استبق‭ ‬مشاورات‭ ‬التكليف‭ ‬بإعلانه‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أمينه‭ ‬العام‭ ‬حسن‭ ‬نصرالله‭ ‬رفضه‭ ‬تشكيل‭ ‬أي‭ ‬حكومة‭ “‬حيادية‭”‬،‭ ‬وهو‭ ‬المطلب‭ ‬الذي‭ ‬يرفعه‭ ‬بعض‭ ‬المحتجين‭ ‬والبطريرك‭ ‬الماروني‭ ‬بشارة‭ ‬الراعي‭ ‬الذي‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬ماكرون‭.‬
ودعا‭ ‬نصرالله‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬مع‭ ‬حلفائه‭ ‬أكثرية‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬إلى‭ “‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬وحدة‭ ‬وطنية،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬ممكنا،‭ ‬حكومة‭ ‬ذات‭ ‬أوسع‭ ‬تمثيل‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬سياسيين‭ ‬واختصاصيين‭”.‬
ولم‭ ‬تكن‭ ‬آخر‭ ‬تجربة‭ “‬حكومة‭ ‬وحدة‭ ‬وطنية‭” ‬برئاسة‭ ‬الحريري‭ ‬ناجحة،‭ ‬إذ‭ ‬سقطت‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬تشكيلها‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬احتجاجات‭ ‬ضخمة‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭. ‬وكانت‭ ‬تضم‭ ‬ممثلين‭ ‬عن‭ ‬معظم‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬وولدت‭ ‬بعد‭ ‬سنتين‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬في‭ ‬سدة‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬إثر‭ ‬تسوية‭ ‬هشة‭ ‬شلت‭ ‬المؤسسات‭ ‬وعطلت‭ ‬القرارات‭.‬
وقال‭ ‬مصدر‭ ‬دبلوماسي‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬إن‭ ‬كارثة‭ ‬المرفأ‭ “‬لم‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬تعامل‭ ‬الأطراف‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬موضوع‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬وتكليف‭ ‬رئيس‭ ‬لها‭”.‬
وأوضح‭ ‬أن‭ ‬تكليف‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬جديد‭ “‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬سيتم‭ ‬بسهولة‭”‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تظهره‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬السابقة،‭ ‬لافتا‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ “‬ما‭ ‬من‭ ‬التفات‭ ‬جدي‭ ‬للشارع‭” ‬الذي‭ ‬يطالب‭ ‬بتغيير‭ ‬سياسي‭ ‬ويتهم‭ ‬الطبقة‭ ‬الحاكمة‭ ‬بالفساد‭ ‬والفشل‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمات‭.‬
وعقب‭ ‬انفجار‭ ‬المرفأ،‭ ‬توالت‭ ‬الدعوات‭ ‬الغربية‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الفرنسية‭ ‬والأمريكية،‭ ‬للإسراع‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬تعكس‭ “‬تغييرا‭ ‬حقيقيا‭ “‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أوساط‭ ‬الرئاسة‭ ‬الفرنسية‭ ‬تؤكد‭ ‬أنه‭ “‬لا‭ ‬يعود‭ ‬لنا‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭”‬،‭ ‬نافية‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مساعيها‭ ‬الجارية‭ ‬بمثابة‭ “‬تدخل‭” ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬اللبناني‭.‬
وبخلاف‭ ‬المألوف‭ ‬في‭ ‬الزيارات‭ ‬الرئاسية‭ ‬الرسمية،‭ ‬يستهل‭ ‬ماكرون‭ ‬زيارته‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬الذكرى‭ ‬المئوية‭ ‬الأولى‭ ‬لإعلان‭ ‬دولة‭ ‬لبنان‭ ‬الكبير،‭ ‬بلقاء‭ ‬فيروز‭ (‬85‭ ‬عاما‭ ) ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬أيقونة‭ ‬الفن‭ ‬اللبناني‭ ‬وسفيرته‭ ‬إلى‭ ‬العالم،‭ ‬ومن‭ ‬الرموز‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬يلتف‭ ‬اللبنانيون‭ ‬حولها‭ ‬بمختلف‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬وتوجهاتهم،‭ ‬وسيحصل‭ ‬اللقاء‭ ‬في‭ ‬منزلها‭ ‬شرق‭ ‬بيروت‭.‬
ويعود‭ ‬ماكرون،‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬دولة‭ ‬أجنبية‭ ‬زار‭ ‬بيروت‭ ‬عقب‭ ‬الانفجار‭ ‬الهائل‭ ‬في‭ ‬مرفأ‭ ‬العاصمة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬الاثنين‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬لمواصلة‭ ‬ضغطه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إجراء‭ ‬إصلاحات‭ ‬وإعادة‭ ‬الإعمار‭. ‬وفي‭ ‬زيارته‭ ‬الأولى‭ ‬بعد‭ ‬يومين‭ ‬من‭ ‬الانفجار،‭ ‬طالب‭ ‬ماكرون‭ ‬المسؤولين‭ ‬اللبنانيين‭ ‬المتهمين‭ ‬بالفساد‭ ‬والعجز،‭ ‬بـ‭”‬تغيير‭ ‬عميق‭” ‬عبر‭ “‬تحمل‭ ‬مسؤولياتهم‭” ‬و‭”‬إعادة‭ ‬تأسيس‭ ‬ميثاق‭ ‬جديد‭” ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬لاستعادة‭ ‬ثقته‭.‬
في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت،‭ ‬يبدو‭ ‬المتظاهرون‭ ‬الذين‭ ‬نزلوا‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬منذ‭ ‬أكتوبر،‭ ‬مطالبين‭ ‬برحيل‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬مجتمعة،‭ ‬متعبين‭ ‬بعد‭ ‬صدمة‭ ‬انفجار‭ ‬بيروت،‭ ‬لكنهم‭ ‬يصرون‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬ومحاسبة‭ ‬المسؤولين‭.‬
ويقول‭ ‬باحوط‭ “‬اعتقد‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬الكيل‭ ‬طفح‭” ‬بعد‭ ‬الانفجار‭ ” ‬لكن‭ ‬بالمقابل‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬انفجار‭ ‬شعبي‭ ‬حقيقي‭”‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يريح‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬الحالية‭.‬
في‭ ‬المحصلة،‭ ‬يبدو‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬الذي‭ ‬تمكن‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الأسبق‭ ‬سعد‭ ‬الحريري‭ ‬من‭ ‬الرياض‭ ‬حيث‭ ‬قدم‭ ‬استقالته‭ ‬واحتجز‭ ‬لبضعة‭ ‬أسابيع،‭ ‬وكأنه‭ ‬وحده‭ ‬يتعاطى‭ ‬بالملف‭ ‬اللبناني‭ ‬حاليا،‭ ‬مع‭ ‬هامش‭ ‬مناورة‭ ‬محدود‭.‬
وبينما‭ ‬تغيب‭ ‬السعودية،‭ ‬الداعمة‭ ‬التقليدية‭ ‬للقوى‭ ‬السنية‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬تماما،‭ ‬تنأى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بقيادة‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬بنفسها‭ ‬عن‭ ‬الملف،‭ ‬مواصلة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬التصدي‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ ‬المدعوم‭ ‬من‭ ‬إيران‭.‬
ويتحدث‭ ‬خبراء‭ ‬عن‭ “‬رضا‭” ‬أمريكي‭ ‬لرؤية‭ ‬فرنسا‭ “‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬الأمامية‭”.‬
لكن‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتوصل‭ ‬ماكرون‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬ملموسة،‭ ‬فسيكون‭ ‬عليه،‭ ‬وفق‭ ‬باحوط،‭ ‬أن‭ “‬يعيد‭ ‬الملف‭ ‬اللبناني‭ ‬إلى‭ ‬الأدراج‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭”‬،‭ ‬ومعه‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬النفوذ‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬


الكاتب : الاتحاد وكالات

  

بتاريخ : 01/09/2020