‭»‬مدارات‭ «‬يستضيف‭ ‬الكاتب‭ ‬عبد‭ ‬النبي‭ ‬دشين‭‬

العملية الإبداعية لا تجد مسوغها في‮ ‬غياب‮ ‬‭ ‬فعل‭ ‬القراءة
‭ ‬هناك‭ ‬دفق‭ ‬‮ ‬شعري‭ ‬في‭ ‬كتاباتي،‮ ‬لكن داخل محكي‮ ‬سردي‮

 

‭ ‬استضاف‭ ‬برنامج‭ »‬مدارات‭ «‬بالإذاعة‭ ‬الوطنية‭ ‬الذي‭ ‬يعده‭ ‬الزميل‭ ‬عبد‭ ‬الإله‭ ‬التهاني،‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضي،‭ ‬الكاتب‭ ‬المغربي‭ ‬عبد‭ ‬النبي‭ ‬دشين،‭ ‬معرجا‭ ‬على‭ ‬مساره‭ ‬الثقافي‭ ‬والإبداعي‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬،‭ ‬والمقالة‭ ‬،‭ ‬والكتابة‭ ‬النقدية،‭ ‬واهتماماته‭ ‬المسرحية‭ ‬والسينمائية‭.‬
د‭. ‬دشين‭ ‬أشرف‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬لجان‭ ‬تحكيم‭ ‬مهرجانات‭ ‬سينمائية‭ ‬وطنية،‭ ‬كما‭ ‬شغل‭ ‬عضو‭ ‬تحكيم‭ ‬جائزة‭ ‬المغرب‭ ‬للكتاب،‭ ‬وأشرف‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬على‭ ‬مجلة‭ «‬آفاق‭» ‬التي‭ ‬يصدرها‭ ‬اتحاد‭ ‬كتاب‭ ‬المغرب‭ ‬ومجلة‭ «‬تربية‭ ‬وتكوين‭» ‬التي‭ ‬تصدرها‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬الوطنية‭. ‬
إلى‭ ‬جانب‭ ‬إصداراته‭ ‬التي‭ ‬توزعت‭ ‬بين‭ ‬الكتابة‭ ‬الابداعية‭ ‬والنقدية،‭ ‬ومنها‭ ‬مجموعته‭ ‬القصصية‭ «‬رائحة‭ ‬الورس‭» ‬و‭»‬شعرية‭ ‬العنف‭» ‬والكتابة‭ ‬والحياة‭» ‬و‭»‬استراتيجيات‭ ‬تنمية‭ ‬القراءة‭»‬،‭ ‬تطرق‭ ‬اللقاء‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬استعادة‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‭ ‬لدورها‭ ‬الطلائعي‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬القراءة‭ ‬والتربية‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭.‬

 

المدرسة وفعل القراءة‮:‬

أكد الناقد والكاتب المغربي‮ ‬عبد النبي‮ ‬دشين أن العملية الإبداعية لا تجد مسوغها في‮ ‬غياب‮ ‬‭ ‬فعل‭ ‬القراءة،‮ ‬مؤكدا أن عبارة ‮‬‭»‬العزوف عن القراءة‭«‬‮ ‬في‮ ‬المغرب،‮ ‬غير دقيقة،‮ ‬البتة،‮ ‬لغياب فعل القراءة بالأساس ولأننا نفتقر إلى عادات القراءة كطقس‮ ‬يومي،‮ ‬معتبرا أن‮ ‬غياب الاهتمام بالقراءة هو الأصل في‮ ‬هذه المعضلة،‮ ‬وفي‮ ‬هذا السياق كان كتابه‭ ‬الصادر‭ ‬هذه‭ ‬السنة ‭»‬استراتيجيات تنمية القراءة‭«‬،‮ ‬بهدف الإجابة عن سؤال جوهري‮ ‬هو‮: ‬كيف نجعل فعل القراءة‮ ‬يتنمى داخل المجتمع؟‮ ‬
ومن أهم المداخل لتحقيق هذا الهدف،‮ ‬شدد دشين على دور المدرسة معتبرا إياها المشتل الأساسي‮ ‬لاستنبات قراء مفترضين،‮ ‬وأن كل اهتمام بالقراءة‮ ‬ينطلق وجوبا من المدرسة‮.‬
وتأسف مؤلف‮‬‭» ‬رائحة الورس‭«‬ على‮ ‬غياب هذا الدور‭ ‬اليوم قائلا‮: ‬لم تستطع المدرسية المغربية أن تخلق لدى المتعلم شغف القراءة؟
وأكد في‮ ‬هذا الاطار على أن فعل القراءة لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون مبنيا على الإكراهاتا لتربوية والمؤسساتية بل على الشغف الذي‮ ‬يُخلق لدى المتعلم،‮ ‬وهو ما‮ ‬يضعنا أمام إشكال حقيقي‮ ‬على الجميع المساهمة في‮ ‬رفعه،‮ ‬فاعلين اقتصاديين واجتماعيين وسياسيين،‮ ‬ومؤداه‭:‬‮ ‬كيف‮ ‬يمكن تنمية فعل القراءة داخل الإطار المؤسساتي‮ ‬لكن دون شروط مؤسساتية،‮ ‬أي‮ ‬عدم ربط لحظة القراءة بالأنشطة الموازية داخل المؤسسات التعليمية واعتبارها لحظة للترفيه‭ ‬فقط‮.‬
وإذا كان مؤلف ‮‬‭»‬شعرية العنف‭«‬‮ ‬يعتبر المدرسة المدخل الأساسي‮ ‬لتنمية الفعل القرائي،‮ ‬فإنه‮ ‬يقترح أن تخرج هذه المؤسسة الى المجتمع لتوجيه القيم عبر التربية على الجمال ومحبة الحياة،‮ ‬وأن تكون تجسيرا للمجتمع بأرضية معبدة حتى تتمكن من تحصين وتمنيع القارئ لمقاومة كل أشكال التمييع و التسطيح‮.‬

النصوص الأولى وزخم المرحلة

في‮ ‬حديثه عن بداياته الإبداعية،‮ ‬أكد‭ ‬عبد النبي‮ ‬دشين أن كل كاتب لابد في‮ ‬بداياته أن‮ ‬يتمثل زمنه السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬لأن البيئة المؤطرة‮ ‬‭ ‬تؤثر‭ ‬بشكل كبير في‮ ‬تشكيل وعي‭ ‬وحياة المبدع،‮ ‬وهكذا فقد قادة شغفه بالقراءة الى الانزواء والعزلة‮ ‬غير الواعية،‮ ‬بداية،‮ ‬إلى عوالم القراءة ومن ثم الإبداع كطريق لتجسيد الحلم الذي‮ ‬لا‮ ‬يتأتى إلا بالاطلاع على النصوص المشبعة بالخيال والغرابة،‮ ‬مؤكدا أن المقروءات تمنح القارئ إحساسا مضاعفا بالوجدان والذات،‮ ‬قبل الانتقال الى الكتابة التي‮ ‬يعتبرها ورطة جميلة،‮ ‬ومفتاحا سحريا للذات المغيبة والمقصية‮.. ‬
‮ ‬وكغيره من جيل السبعينات،‮ ‬فقد‭ ‬وشمت كتابات جبران والمنفلوطي‮ ‬والعقاد ذاكرته القرائية،‮ ‬ما جعله‮ ‬يطأ عوالم سحرية بأناقة لغوية ضاعفت شغف القراءة لديه،‮ ‬لكونها كانت لحظتها نصوصا تسمو عن ضيق الواقع وقبحه وهو ما دفعه إلى التورط في‮ ‬عوالم الكتابة وسحرها‮.‬
واعترف دشين أن النصوص الأولى‭ ‬غالبا‭ ‬ما تحاول معايشة اللحظة ورصد ماهو اجتماعي،‮ ‬مشيرا إلى أن كتاب تلك الفترة‭» ‬السنعينات‭ ‬والثمانينات‭«‬ كانوا متأثرين بهاجس التيمة والموضوعة أكثر من تأثرهم بالجمالي‮ ‬والفني،‮ ‬إذ كان من الصعب على جيل السبعينات والثمانينات الانسلاخ عن الشرط التاريخي،‮ ‬فكانت الكتابات مشحونة ومتوترة بالانفعالات التي‮ ‬كانت تصرخ بعنف في‮ ‬أغلب نصوص تلك المرحلة،‮ ‬قبل أن‮ ‬ينتقل الى كتابة القصة رغم ما للشعر من‮ ‬‭ ‬كبيروقع عليه،‮ ‬إذ‮ ‬يعتبره‮ ‬مغذيا للنثر،‮ ‬وهو ما جعل اللغة الشعرية تستوطن النثري‮ ‬في‮ ‬كتاباته،‮ ‬فغالبا ما‮ ‬يلمس قارئ دشين دفقا شعريا لكن داخل محكي‮ ‬سردي‮.‬

‭ ‬النص‭ ‬والقارئ‭ ‬الذكي‭ ‬

يعتبر‭ ‬عبد‭ ‬النبي‭ ‬دشين‭ ‬أن‭ ‬إقلاله‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬مرده‭ ‬الى‭ ‬اشتغاله‭ ‬المتأني‭ ‬والعميق‭ ‬على‭ ‬النصوص،‭ ‬فالكتابة‭ ‬تقتضي‭ ‬من‭ ‬الكاتب‭ ‬استحضار‭ ‬القارئ‭ ‬المتلقي،‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬المتلقي‭ ‬هو‭ ‬المحاور‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬يسعفه‭ ‬ككاتب‭ ‬في‭ ‬قول‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يقله‭ ‬في‭ ‬نصه،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أننا‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬قارئ‭ ‬مثقل‭ ‬بمرجعيات‭ ‬قرائية‭ ‬مهمة‭ ‬ومتنوعة‭.‬
وفي‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬يشتغل‭ ‬عليها،‭ ‬أكد‭ ‬دشين‭ ‬ان‭ ‬نصوصه‭ ‬يتفاعل‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شكل‭ ‬تعبيري‭ ‬ومنفتحة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬العوالم‭ ‬التي‭ ‬يهتم‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬مسرح‭ ‬وتشكيل‭ ‬وشعر،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يحاول‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬تطعيم‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬بركائز‭ ‬من‭ ‬فنون‭ ‬أخرى‭ ‬رغم‭ ‬قصر‭ ‬مساحة‭ ‬الشكل‭ ‬القصصي‭ ‬حتى‭ ‬يضمن‭ ‬كثافة‭ ‬معتقة‭ ‬للنص‭. ‬فبالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬ليس‭ ‬المهم‭ ‬هو‭ ‬قول‭ ‬الكتابة‭ ‬بل‭ ‬الأهم‭ ‬هو‭ ‬جعل‭ ‬الكتابة‭ ‬تقول‭ ‬نفسها‭ ‬بعد‭ ‬الانسلاخ‭ ‬عن‭ ‬ذاتها‭ ‬والتزيي‭ ‬بأزياء‭ ‬أخرى،‭ ‬تمنحها‭ ‬الكثافة‭ ‬والعمق‭ ‬الرؤيوي‭ ‬الذي‭ ‬ينتظره‭ ‬القارئ‭ ‬ويكسر‭ ‬أفق‭ ‬انتظاره‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭.


الكاتب : حفيظة‭ ‬الفارسي

  

بتاريخ : 01/09/2020