في تطور جديد ألقت قوات الأمن المصرية القبض على القيادي بجماعة الإخوان المسلمين محمود عزت القائم بأعمال المرشد العام للجماعة، وذكرت وزارة الداخلية المصرية أنه ألقي القبض عليه بإحدى الشقق السكنية بمنطقة التجمع الخامس، شرقي القاهرة، بعدما وردت معلومات لقطاع الأمن الوطني باتخاذه الشقة مقرا للاختباء، فمن هو محمود عزت؟
الدكتور محمود عزت من مواليد القاهرة عام 1944، وحصل على الثانوية العامة عام 1960، ثم تخرج من كليةالطب عام 1975، وحصل على ماجستير كلية الطب عام 1980، ونال درجة الدكتوراه عام 1985،وحصل عزت على دبلوم معهد الدراسات الإسلامية عام 1998، وانضم عزت للجماعة في سن مبكرة، يشير البعض إلى أنه كان بعمر تسع سنوات حينها، وصار عضوا فيها عام 1962 عندما كان يدرس في كلية الطب، اعتقل وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات عام 1965 وخرج من السجن عام 1974 وأتم دراسة الطب عام 1976.
وقد اختير عزت عضوا في مكتب الإرشاد عندما عاد لمصر في عام 1981، واعتقل لمدة ستة شهور في القضية المشهورة للإخوان المسلمين والتي عرفت إعلاميا باسم سلسبيل وكان ذلك على ذمة التحقيقات وخرج عام 1993.
واعتقل مرة أخرى عام 1995 وحكم عليه بالسجن مدة 5 سنوات وكانت تهمته حينها المشاركة في انتخابات مجلس شورى الجماعة واختياره عضوا في مكتب الإرشاد وخرج عام 2000 من السجن.
كما اعتقل أيضا في 2 يناير 2008 بسبب مشاركته في تظاهرة لجماعة الإخوان المسلمين في القاهرة تعترض على قصف إسرائيل على غزة.
القائم بالأعمال
وكان محمود عزت قد تولى تسيير أعمال الجماعة وفقا لتقاليدها المعمول بها بعد اعتقال مرشدها العام، محمد بديع، في غشت من عام 2013 في شقة سكنية في منطقة رابعة العدوية شرقي القاهرة.
وأوضح المنسق الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين، علاء عياد، حينئذ أنه لم يصدر قرار رسمي باختيار محمود عزت نائبا للمرشد ليحل محل مرشد الجماعة المعتقل محمد بديع.
وأضاف قائلا إن تقاليد وقواعد الجماعة تقضي أن يتولى نائب المرشد مهامه في رئاسة مكتب الإرشاد وتسيير أعمال الجماعة في حال غيابه.
وفي شتنبر2013 وبعد شهرين فقط من عزل مرسي، قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بحظر كافة أنشطة تنظيم الإخوان المسلمين، وفي دجنبر 2013 قرر مجلس الوزراء المصري اعتبار جماعة الإخوان المسلمين”جماعة إرهابية”.
وفي فبراير 2014 أصدرت المحكمة نفسها حكما بإلزام الحكومة بإعلان الإخوان جماعة إرهابية مما دفع رئيس الوزراء في ذلك الحين إبراهيم محلب إلى إصدار قرار في أبريل 2014 لتنفيذ الحكم.
الشباب والشيوخ
ومنذ ذلك الحين ظهرت بوادر شرخ بين تيارين في الجماعة، حتى كان بيان ما يعرف بالمكتب العام لجماعة الإخوان عام 2018 والذي كما بدا لاحقا من ردود الفعل عليه من داخل الجماعة وخارجها، بمثابة تأكيد على الشرخ الذي تعيشه الجماعة منذ عدة سنوات.
ففي التاسع والعشرين من يونيو عام 2018، وبعد مرور أقل من أسبوعين على وفاة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، أصدر ما يعرف بالمكتب العام لجماعة الإخوان في مصر بيانا دعا فيه إلى “توحيد القوى الثورية” مجددا لإنهاء ما وصفه بـ “الحكم العسكري”.
وتحت عنوان “بيان من الإخوان المسلمين إلى الأمة حول الواقع الجديد للقضية المصرية” صدر البيان عشية الذكرى الخامسة للثلاثين من يونيو لعام 2013، والتي شهدت احتجاجات شعبية أدت إلى عزل الجيش لمرسي، ومن ثم إنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر في الثالث من يوليوز من نفس العام.
وكان هذا البيان هو الأول من نوعه من جانب فصيل بجماعة الإخوان المسلمين عقب وفاة مرسي يدعو صراحة إلى التخلي عن “شرعية الانتخاب” التي كان يمثلها الرئيس الراحل في نظر أنصاره منذ عزله لصالح “الشرعية الثورية” أو ” شرعية الميدان” بوصف البيان.
وقد وجد البيان ترحيبا معلنا من جانب بعض كوادر الجماعة واعتراضا من البعض الآخر، بينما صمتت الأغلبية كما بدا من متابعة أصداء البيان على حسابات العديد من أنصار الإخوان على مواقع التواصل الاجتماعي.
وحصل ذلك البيان على تأييد أشرف عبدالغفار، أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين القديمة، والموجود في تركيا.وقال عبدالغفار في مقابلة مع برنامج العالم هذا المساء المذاع على قناة “بي بي سي”إن أصحاب البيان “يبحثون عن الحركة، أما الأولون فيبحثون عن السكون”، مشيرا إلى أن البيان تحدث عن استراتيجية عمل ورؤية، وخطوات مستقبلية، وهذا لم يحدث منذ ست سنوات.
وأشار إلى أنه هناك شقاق داخل الإخوان، “هؤلاء شباب ونحن شيوخ فلماذا لا ينسحب الشيوخ جميعا ونترك الساحة للشباب”.
وقال عباس قباري، المتحدث باسم المكتب العام للإخوان المسلمين، صاحب البيان، في تصريحات إعلامية لمنصات إعلامية صادرة من تركيا، إن الشرعية هي لثورة يناير وقد ردّت للشعب بعد وفاة مرسي، مضيفا “لم تعد الشرعية هي شرعية الراحل محمد مرسي وإنما هي شرعية الثورة … ما يُطرح الآن هو نداء للقوى السياسية أن تترك خلافات الماضي وتعود لثوريتها”
وفي رد على بيان جبهة المكتب العام، أنكر طلعت فهمي، المتحدث باسم الجماعة من تركيا انتماء أصحاب هذا البيان للإخوان، وكتب في تصريح مقتضب على منصات للجماعة: “تؤكد الجماعة مسؤوليتها فقط عما يصدر عنها من مواقف رسمية عبر مسؤوليها ومتحدثيها المعروفين والمعلن عنهم”.
ويمثل فهمي جبهة رموز الجماعة التي تضم محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام والمختفي عن الانظار منذ 2013 وحتى تم اعتقاله، والأمين العام للجماعة محمود حسين، الموجود في تركيا، وإبراهيم منير نائب المرشد العام وأمين سر الجماعة الموجود في لندن.
وأصدر فصيل الشيوخ المنسوب لمحمود عزت بيانا في ذات اليوم التاسع والعشرين من يونيو أعلن فيه التمسك بـ “إرث مرسي”، وأضاف مرددا كلمة لمرسي : “لن نعطي الدنية من وطننا أو ديننا ولن ننزل على رأي الفسدة” ونفى ما تردد عن اقتراب السلطة في مصر من “انتزاع اعتراف بشرعيتها من قادة الجماعة داخل السجون”.
ثم أصدر نفس الفصيل بيانا في الثالث من يوليوز تحت عنوان ” 6سنوات عجاف وحق يأبي النسيان”، قال فيه إن “المقاومة المدنية السلمية هي اختيار الشعب المصري، واختيار الإخوان المسلمين … حفاظا على البلاد من الانزلاق إلى أتون الاحتراب الأهلي، وتفاديا لما يجلبه على الوطن من كوارث جمة، ومصائب كبيرة”.
ولكن تبنى الفصيلان المتصارعان داخل الجماعة في الداخل المصري والخارج خلال السنوات الأربع الماضية ما بدا أنه سياسة تهدئة في السجالات الكلامية بينهما، حتى أن البعض لم يلحظ وجود كيانين يتحدثان باسم الجماعة في كثير من المناسبات.
جماعة الإخوان المسلمين في مصر والتفكك
رأى خبراء مصريون، أن جماعة الإخوان المسلمين تتجه إلى التفكك بعد القبض على القائم بأعمال المرشد العام محمود عزت وفقدان العديد من قياداتها، وأكدوا أن أجهزة الأمن المصرية سيطرت بشكل كامل على الجماعة التي أصبحت بلا قيادة.
وأوضحت الوزارة في بيانها أن عزت اتخذ من “إحدى الشقق السكنية بمنطقه التجمع الخامس في (شرق) القاهرة الجديدة مؤخرا وكر ا لاختبائه على الرغم من الشائعات التي دأبت قيادات التنظيم الترويج لها بتواجد المذكور خارج البلاد بهدف تضليل أجهزه الأمن”.
وتأسست جماعة الإخوان المسلمين في 1928، ورسخت نفسها في منتصف القرن العشرين كحركة معارضة رئيسية في مصر، وكذلك في دول أخرى في المنطقة. لكن الجماعة التي وصل القيادي فيها محمد مرسي لحكم مصر بعد ثورة 2011، أخرجت من المشهد السياسي تماما في العام 2013 بعد عام واحد فقط من حكم مرسي.
وكان مرسي، الذي توفي في السجن اثناء محاكمته في يونيو 2019، أول رئيس منتخب ديموقراطيا في تاريخ مصر.
إلا أن الجيش بقيادة قائده آنذاك عبد الفتاح السيسي أطاحه بعد احتجاجات شعبية كبيرة ضد فترة حكمه المضطرب، وبات السيسي رئيسا بعدها بعام واحد فقط،وكان عزت عضوا في جماعة الإخوان المسلمين منذ ستينيات القرن الماضي ووصل إلى عضوية مكتب الإرشاد في 1981. وقد سجن في عهد الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك.
ويوصف محمود عزت بأنه “الرجل الحديدي” في جماعة الإخوان المسلمين، التي صنفتها القاهرة تنظيما إرهابيا في ديسمبر 2013 وباتت الآن شبه مفككة.
وقتل أكثر من 900 شخص من أنصار الجماعة في 14 غشت 2013، خلال فض اعتصام رابعة في العاصمة.
ومذاك، سجن آلاف من أنصار الجماعة وأعدم العشرات وفر آخرون إلى دول تناصرها مثل قطر أو تركيا.
ويعد عزت المسؤول الأول عن تأسيس الجناح المسلح بجماعة الإخوان المسلمين، والمشرف على إدارة العمليات الإرهابية التي ارتكبها التنظيم في البلاد عقب ثورة 30 يونيو 2013 وحتى ضبطه، حسب الوزارة.
ومن أبرز هذه العمليات الإرهابية، عملية اغتيال النائب العام الأسبق هشام بركات، وحادث اغتيال العميد أركان حرب عادل رجائي، وتفجير سيارة مفخخة أمام معهد الأورام في غشت 2019، والذي أسفر عن مقتل 20 مواطنا وإصابة 47 آخرين.
وصدرت عدة أحكام قضائية بحق عزت، أبرزها حكما الإعدام في قضيتي “التخابر” و””الهروب من سجون وادى النطرون”، إلى جانب حكمين بالمؤبد في قضيتي “أحداث مكتب الإرشاد”، و”أحداث الشغب والعنف بالمنيا” جنوب القاهرة.
وبإلقاء القبض على عزت، تكون كل القيادات الكبرى لجماعة الإخوان داخل السجون، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع ونائبه عزت الشاطر. وفي هذا الصدد، قال الخبير الأمني خالد عكاشة، إنه “دون شك، القبض على محمود عزت سوف يتسبب في حدوث زلزال كبير داخل جماعة الإخوان المسلمين، لأنه أحد القيادات التاريخية لها، كما أنه كان المشرف على كل النشاط المسلح والأعمال الإرهابية التي تنفذها الجماعة منذ العام 2013”. وأضاف عكاشة، وهو عميد شرطة سابق ومدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية حاليا، لوكالة أنباء (شينخوا)، أن عزت هو من أسس اللجان النوعية والحركات المسلحة التابعة للإخوان المسلمين مثل حركات “حسم” و “لواء الثورة” و “العقاب الثوري” وغيرها، وكان يقوم بإدارة هذه التنظيمات، كما تم توكيله أيضا بعد القبض على المرشد العام للجماعة بإدارة منصب المرشد، وهو المنصب الأول فى جماعة الإخوان.
وأوضح أن عزت كان يتمتع بنفوذ كبير داخل الجماعة، ولا يوجد شخص من القيادات الأخرى في الجماعة حتى من بين المتواجدين خارج مصر مرشح لأن يتولى منصبه. وتابع أن “الجماعة أمام مأزق داخلي يدفعها للدخول في طريق مظلم جدا، واعتقد أن الإخوان يتجهون نحو مرحلة تفكك وتحلل الجماعة بشكل نهائي داخل مصر، لكن سيبقى تنظيمها الدولي، وستحاول قياداتها المصرية التى تعيش في الخارج عبر وسائل الإعلام الترويج بأن الجماعة مازالت موجودة فى الساحة المصرية”.
ورأى أن إلقاء القبض على عزت “ضربة أمنية ناجحة وجهت للعمل الإرهابي والنشاط المسلح الذى تنتهجه الجماعة طوال فترة قيادة محمود عزت”. وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية تعمل بكل طاقتها من أجل عدم ظهور قادة جدد للجماعة، وستقف بالمرصاد لمن يلجأ للعنف من الجماعة. ومع ذلك، أكد عكاشة أن “المواجهة مع الجماعة مازالت مفتوحة إلى أن يتم القضاء عليها بشكل تام أو تعلن الجماعة بشكل واضح وصريح أنها ستخضع للقانون وتلتزم بعدم تهديد المجتمع المصري بأي شكل من أشكال العنف”.
من جانبه، اعتبر الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية أن محمود عزت “صيد ثمين”، وبالقبض عليه سيكشف الكثير من أسرار جماعة الإخوان خصوصا في الفترة منذ العام 2013 حتى اليوم. وقال غباشي لـ (شينخوا)، إن عزت هو المسؤول منذ العام 2013 عن جماعة الإخوان، التي كانت تقوم خلال السنوات الماضية بتمويه من خلال بث أخبار تشير إلى أن عزت متواجد خارج مصر، ورغم ذلك، رأى غباشي أنه من الصعب أن يكتب القبض على عزت نهاية الجماعة، خاصة أن هناك كوادر كثيرة من الجماعة تعيش فى الخارج، مشيرا إلى أن “نهاية جماعة الإخوان تحتاج إلى سنوات طويلة”. لكن الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد بان كان له رأي آخر، قائلا إن “جماعة الإخوان المسلمين ماتت سريريا”. وأوضح أن القبض على محمود عزت سيكون له تأثير على جماعة الإخوان لكنه ليس التأثير الأكبر بالنظر إلى أن الجماعة فقدت عددا كبيرا من قياداتها. وأردف أن الجماعة تعاني حاليا من “الخلل القيادي الذي لابد أن ينعكس على حركتها”، وأشار إلى أن محمود عزت ينتمي إلى “تيار الصقور” داخل الجماعة، وكان يراهن على الحراك السلمي والمزج بين تنفيذ عمليات عنف محدودة والحراك في الشارع. وأكد أن “الدولة سيطرت بشكل كبير على الجماعة” التي أصبحت بلا قيادة….