فيروز والرئيس: صورة الهرم والإمبراطور…

عبد الحميد جماهري

تذكرنا صورة الرئيس الفرنسي، مانويل ماكرون، أمام الأيقونة اللبنانية فيروز، كما تقول العاشقة، بصورة يحتفظ بها التاريخ لوقوف نابوليون بونابارت أمام الأهرامات…
وقد خلدها الرسام الفرنسي الشهير جان ليون جيروم في سنة 1886.
ففي صبيحة يوم 21 يوليوز 1798 م، خطب نابليون في قواته خطاباً شهيراً قال فيه: «أيها الجنود إن تاريخ 40 قرناً من الزمان يتطلع إليكم من خلال هذه الأهرام…
تحيا تلك الصورة مع وقوف ماكرون أمام هرم لبناني كبير، وهو يستشعر قوته في قلوب اللبنانيين..
من أعلى صوتها…
ومن أعلى نبراته تنظر إليه نظرة أبي الهول إلى جيوش الإمبراطور..
وربما تقول الصورة إن الرئيس عندما اختار أن يبدأ من بيتها زيارته العملية إلى بيروت، أراد أن يرسل رسالة إلى ما يحيط بها من خراب!
هي بذاتها صورة لبنان العميق، الموحد، فيها وبها…
بعد الانفجار اتضحت الصورة، كما لو أن هرم أبو الهول يترنح أمام الجنرال في معركة الأهرام، خلقت شظاياه تمزقات أكبر…
ولبنان المنفجر يعيش متوترا بالقلق من جوار صعب، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا…
لبنان الموشك على الانقراض والتحلل، يتشبث بصورة فيروز
بميتافيزيقا الصوت في الأغنية…
وحدها تقف وسط الأنقاض التي خلفها الساسة والطوائف والمحاربون من كل الكانتونات..
وحدها تقف لمخاطبة وريث الانتداب ونابوليون.
لأنها كانت الطهارة، ظل صوتها يحتفظ بلبنان الطاهر
والأصيل والموحد…
وظلت أناشيدها وأغنياتها تعتقه زلالا في الأفئدة…
بعد أن تلوث في كل الحناجر الطائفية
وفي كل الشعارات ..
وفي كل المناشير..
ليست فيروز سوى دولة الصدى العميقة، التي تلتقي فيها كل المناجاة، وما يحتفظ به لبنان عن نفسه النقية، وما يحفظه العالم من صوتها عن النَّفَس الباهر، في جداول الروح الباطنية…
ذلك النفس الذي ينفخ في الروح كثيرا من اللانهائي
ورعشات الأبدية…
ويرفع اللبنانيين أعلى من ساستهم..
إلى خاطرة الحنجرة وهي تدندن للإنساني في تضاريس بعلبك وبيروت والجنوب، وبين زهر البيلسان…
من صوتها مرت قوافل الذهب الفردوسي
ويمر الفدائيون
وتمر الأمهات إلى نشيدهن أو نشيجهن
لا فرق في البحة بين الدمع والندى…
غير أن في السياسة ما يقتل بالفعل هذا التسامي
وفيها ما ينهار بالإنساني إلى الغريزي القاتل…
جميل أن تذكرنا السياسة، مع ذلك، بأن في فيروز مقومات صمود معنوي، وعنصر وحدة، يتماهى مع الوطن بكل طوائفه…
لعل ماكرون كان سيقتبس من نابوليون هرمية اللغة وتراتبيتها بالقول: أيها اللبنانيون أمام هرمكم أذكركم أن تاريخا عميقا من الوحدة يطل عليكم.
ولن أتجاوز الهرم في محبة لبنان…
ولعل من مكر الصور الرهيبة أنها تغفر أيضا للإمبراطور نواياه السياسية ومواريثه الانتدابية، التي يرثها كرئيس لدولة تمارس الاستراتيجية بالقمح وبأصوات الوحدة…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 04/09/2020