أيادي الدولة البيضاء، آية أخرى! 2/2
![](https://alittihad.info/wp-content/uploads/2020/04/hamid-jmahri.jpg)
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
في هذا الوقت، الذي يميل فيه الكثير من المسؤولين إلى اعتبار أن إبقاء الوضع على ما هو عليه، هو أفضل طريقة لمواجهة الوضع القاسي، يجد صاحب اليد اليمنى للدولة أن عليه أن يفعل بند الإصلاح أكثر من أي وقت مضى، ولو كان ذلك بزعزعة الاستقرار المألوف في المورد البشري لجهازه، الأمن الوطني…
وهناك ما يستدعي بالفعل الإعجاب، ليس من باب الافتتان بالأسلوب، بل التفكير الذي يجعل الإصلاح هو الرديف الحقيقي للمناعة، مناعة الوطن والمؤسسات والمجتمع…
وفي حقيقة الأمر، كما قلنا في الجزء الأول من المقال.. فإن المقارنة مع الأيادي البيضاء الإيطالية، هو للتعريف بأن المجهود الوطني لا يقل تاريخية عن واقعة نالت إعجاب العالم ودخلت مدرسة التاريخ، مع انتظار استكمالها بتصحيح الأوضاع المرتبطة بالفساد «الأمني».
كان “البطل” على مستوى إيطاليا وعلى مستوى العالم، هو القاضي انطونيو دي بيترو، والذي ما زال التاريخ يحافظ له على مقومات البطولة من خلال القضية التي قادته إلى اعتقال «أكثر من 1300 شخص من السياسيين والحزبيين والنواب ورجال الأعمال، وإخضاع أكثر من 1400 شخص من الصناعيين وأصحاب الأموال وكبار موظفي الدولة، بالإضافة إلى أكثر من 150 نائبا ورؤساء سابقين للحكومات، إلى التحقيق».
يا سلام، كم نريد أن نشبه الآخرين في هذه الحكاية، لا سيما ونحن ندري أنه لا يوجد بائع خمور ليس له سلطة على سياسيين ونواب وكبار الموظفين ورجال أعمال وحزبيين وصناعيين، تماما كما في صقلية المافيا والخراب..
نريد أن تبدأ الشرارة من الخريبكي، لتقود إلى من سكتوا عن أعماله من الأمنيين ثم من القضاة ثم من الصحافيين ثم من السياسيين ثم من البرلمانيين ثم من ثم ثم ثثم .. حتى يبلغ السيل الزبى… أو الخراب..
نريد أن نعيد القصة الإيطالية باسم مغربي وبمعتقلين مغاربة، ولهذا أحببنا كثيرا السيد عبد اللطيف الحموشي، لأنه لم يتعلل بالجائحة ليترك جائحة أخرى تلتهم مصداقية الدولة والشعب، ولم يتعلل بالجائحة ليغض الطرف أو يتفاوض مع المفسدين، أو مع من يحميهم!
ونحن متأكدون أنه عندما ستتدحرج رؤوس صغار السياسيين، سيرفض الزعماء الكبار حمايتهم.. سيتنفس المغاربة هواء أكثر نظافة وأكثر انتعاشة..
سوف نرى اليد الأخرى، بيضاء من غير سوء..
وعندما تكون يدا الدولة، اليمنى واليسرى معا، نظيفة، ستستعيد يد المغاربة القدرة على حمل أوراق التصويت…
النظافة هنا، تساوي الالتزام الوطني هناك..
الواقع أننا في المغرب السعيد نسعد كثيرا بمبادرات، لا سيما عندما تهم جهازا قويا، يسارع إلى تنفيذ التوجيهات الملكية ويستجيب لحاجة وطنية..
والربط في هذا العمل، بين محاربة الإرهاب والفساد، ربط مغربي حقيقي، لأن الدول كلها قد تعاني من الإرهاب، لكن لا يمكنها أن تواجهه بدون قدرة على محاربة الفساد، فالذي يرشي رجل جمارك أو حرس حدود أو مراقب أمن، يمكنه أن يفعل ما يريد بما في ذلك إدخال السلاح أو الانفصال.
لهذا عندما نربط في بلادنا بين الإرهاب والفساد نضيف إليهما الانفصال، وربما نحن الدولة الوحيدة في العالم التي عليها أن تواجههم مجتمعين، وفي الزمن والمكان، ولهذا نحيي من يقوم باثنين من الثلاثية الأليمة وغير المقدسة التي تواجهها بلادنا..
ولعل التنويه هنا أيضا واجب برجل يجد نفسه في تقاطع الآفات الثلاث بنفس الحزم، سواء كمدير للأمن أو كرئيس لجهاز الاستخبارات الداخلية..
يجب أن نذكر سياسيينا النزهاء والشرفاء بأن“الأيادي البيضاء” في روما، عصفت بالتوازن الذي نظم علاقات السلطة السياسية فيها لمدة طويلة، بل غيرت من النظام السياسي الحزبي في إيطاليا. ويكفي نقرة بسيطة في الانترنيت لكي نكتشف أن كثيرا من السياسيين استقالوا أو هاجروا إلى المنفى، كما أن أحزاب إيطاليا الشهيرة أجرت عمليات «ليفتينغ» داخلي جذري..
أن الكثير من زعماء العصابات غيروا من«ألبستهم التقليدية ووضعوا ربطات عنق رجال الأعمال والسياسة وخرجوا إلى النور عبر الجسم السياسي والإعلام، وعبر قطاعات السياحة والمطاعم والبارات والغذاء والترفيه، ونقلوا معهم “مهاراتهم” الخاصة في التفاوض والابتزاز والرشى«، كما كتبت الصحافة عن الأيادي البيضاء في إيطاليا.
لست في حاجة إلى التأشير بالأحمر على التشابه عندنا.. ولابد أن نختم بما قاله الرجل الذي قاد الأيادي البيضاء هناك: «في زمن الأيادي البيضاء، ظن الناس أنهم يشاهدون معركة بين الشرطة والحرامية. واليوم لدى الناس إحساس بإنهم يشاهدون حربا بين عصابات عدة من اللصوص».
الفاسدون الجدد والقدامى لن يقفوا مكتوفي الأيدي، ونذكر أن «القاضي دي بيترو نفسه تعرض لحملات ترهيب وتشويه هائلة خصوصا عبر الإعلام. أثيرت شبهات حول تعاطيه المخدرات، في إطار محاولات لتقويض سمعته».
كما تم اغتيال رفيقه في درب مكافحة الفساد، القاضي جيوفاني فالكوني مع زوجته وحراسه بعبوة مفخخة كبيرة في طريق عام في ماي 1992. وقد يكون في التذرع السياسي درع لمقاومة محاربة الفساد، حين يتم الترويج ضد القضاة باتهامهم أنهم يعملون لتحقيق مصالح سياسية مختلفة!!!
ومن دروس الفساد الإيطالي التي لا يمكن إغفالها أن ثقافة الفساد « تكمن في تجذرها في الثقافة السائدة التي تولي أهمية أكبر للعائلة والأصدقاء، على حساب دولة القانون».
ومن أغرب وأقسى التبريرات هو الإدعاء الضمني أو الصريح بأن الفساد« ضرورة للأحزاب والسياسيين لتلبية احتياجاتهم المالية للاستمرار. إنه، كما يقول كثيرون، “ثمن الديمقراطية”!!!!!!..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 09/09/2020