شهادة في حق الفقيد عبد المجيد بوزوبع

المناضل السياسي والناشط النقابي والطبيب الإنساني

غيب الموت يوم 31 غشت الأخير وفي ظروف دقيقة واستثنائية سي عبد المجيد بوزوبع، الذي فقد فيه الوطن أحد أبنائه الغيورين على رفعته وتقدمه وعزته وكرامته .
في سبيل هذه الطموحات والتطلعات المشروعة، ناضل الفقيد العزيز والمبرور بكل ما أوتي من قدرات ذاتية وإرادية وإيمانية في صفوف الحركة التقدمية ببلادنا منذ ستينيات القرن الماضي، فبصم بأياديه البيضاء وبحمولة البذل والعطاء وبروح التضحية والسخاء مشهد الحركة الطلابية والحركة الاتحادية منذ طلعة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في يناير 1959 إلى إشراقة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عقب المؤتمر الاستثنائي في يوليوز 1975.
وهو طالب في كلية الطب، اختار الشاب عبد المجيد بوزوبع الحركة الاتحادية عقيدة ومذهبا وجد فيها قناعاته وتوجهاته وانسجم مع مبادئها وأفكارها كامتداد لحركة التحرير الشعبية. وعندما امتهن الطب في زهرة عمره وباكورة بذله وعطائه، ازداد التزامه بالعمل النضالي التنويري والتوعوي في الحركة الاتحادية في أوج عطائها وإنتاجها فاصطف في الجبهتين الحزبية والنقابية في إطار التنظيمين الرديفين، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ودرعه النقابي، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
وقد أهلته تجربته النضالية المتواترة والمتماسكة الحلقات للارتقاء إلى مهام ومسؤوليات قيادية كعضو بالمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وبالمكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل وأيضا ككاتب عام للمنظمة الديمقراطية للصحة لفترة زمنية طويلة.
ولم يكن لتعدد مهامه ومسؤولياته النضالية وثقلها أن يؤثر على مستوى ونوعية خدماته ونجاعة أدائه وكفاءته. فالرجل جسد بحق نموذج المناضل المثالي الذي يهون عليه كل صعب في خدمة الآخرين ومعانقة همومهم وانشغالاتهم وإرضاء انتظاراتهم. فوقته النضالي إلى جانب الكادحين والمحرومين وبسطاء الناس لا يقاس بمقياس الزمن المادي الذي يتوفر عليه ويملكه.
فعندما عمل سي عبد المجيد بوزوبع في ثمانينيات القرن الماضي بالعصبة الملكية لأمراض القلب والشرايين التي احتضنها مستشفى ابن سينا بالرباط، تطوع عن طيب خاطر لتخصيص حصة زمنية من وقته لاستقبال المواطنين الفقراء والمحتاجين الوافدين عليه ما بين الساعة السابعة والساعة الثامنة والنصف صباحا أي قبل ابتداء ساعة الدوام الرسمي لتقديم الخدمات الطبية لهم بالمجان.
وقد كلفته هذه المبادرة التطوعية معاناة مع إدارة العصبة كادت تؤثر على مساره الإداري والمهني ومع ذلك ظل صامدا ومصرا بعزم وحزم وإصرار على الإيفاء بما كان يعتبرها التزامات إنسانية في حق أبناء وطنه قبل أن تكون مجرد واجبات مهنية. وكثيرون من المواطنين من مختلف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية يشهدون دوما ل «طبيب الفئات الشعبية» بخصال الإيثار ونكران الذات وحب الخير وخدمة الغير التي اتصف بها وحملها طيلة حياته.
وأشهد لفقيدنا العزيز سي عبد المجيد بوزوبع التزامه السياسي الإيجابي والملموس بمفهومه الأخلاقي والقيمي، إذ كان وهو مسؤول قيادي في الحزب -الاتحاد الاشتراكي- وفي التنظيم النقابي –الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وفي ذراعها القوي في عهده -المنظمة الديمقراطية للصحة- ، حاضرا بانتظام وفاعلا بإخلاص وتفان وأريحية ومثالا حيا ورائعا في أداء مهامه بسخاء وبدون حساب، لا يكل ولا يمل ولا يتلكأ أو يستهين في الإيفاء بالتزاماته مهما كلفته من عناء وجهد على حساب صحته وراحته.
فلقد كان نجما ساطعا في مسارات نضاله وكان من صناع الأمل. أتيح لي أن خبرته شخصيا في ظروف نضالية كثيرة أذكر منها على سبيل الإشارة لا الحصر مناسبة ترؤسه المهرجان الخطابي الحزبي لدعم المرشح المشترك (لحزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي) بالجديدة في انتخابات 1973. فاستجاب سي عبد المجيد بوزوبع، عضو المكتب السياسي لطلبي له شخصيا بتأطير المهرجان الخطابي التاريخي الذي شهدته ساكنة الجديدة وجوارها في عز الحملة الانتخابية الضارية والحارقة والتي شابتها ممارسات مشينة ومسيئة للتنافس الديمقراطي الشريف.
والحق يقال، فقد برهن الفقيد العزيز بمثاليته وشجاعته السياسية عن مواقف نضالية زادته تقديرا واحتراما وأضفت على خطابه السياسي صدقية ومصداقية.
فإلى روحه الطاهرة أتوجه بالدعاء له ولرفيقة حياته المرحومة رجاء بوزوبع بالرحمة والمغفرة والرضوان وفسيح الجنان، وأجدد مشاعر التعازي والمواساة لأبنائه عثمان وعزيز وأفراد عائلته الصغيرة وإلى عائلته الكبيرة في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وفي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وإلى كافة زملائه في قطاع الصحة من أساتذة وأطباء وطلبة.
«يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي».
صدق لله العظيم
وإنا لله وإنا إليه راجعون


الكاتب : الدكتور مصطفى الكتيري

  

بتاريخ : 12/09/2020