بسبب» كوفيد 19«الدارالبيضاء تحت إيقاع ملء أسرّة الإنعاش، الاكتظاظ، تأخر التكفل بالمرضى، إرهاق مهنيي الصحة وارتفاع الوفيات والإصابات
أكد سعيد احميدوش أن جهة الدارالبيضاء سطات باتت تسجل أرقاما قياسية من حيث عدد الإصابات والوفيات، خاصة في العاصمة الاقتصادية، والتي يتم تحطيمها في ظرف زمني وجيز، مشيرا إلى أن حصيلة الخميس الأخير كانت سوداء لكن في ظرف يومين تم تسجيل أخرى أكثر قتامة يوم السبت، بسبب التنقل والانتشار الواسع لفيروس كوفيد 19 بسبب الحركية الكبيرة للمواطنين، بحكم طبيعة وحجم النشاط الاقتصادي والتجاري للمنطقة، والتراخي في احترام الإجراءات الوقائية ، مبرزا أن إجراءات 7 شتنبر التي تم إعمالها لمواجهة الجائحة والتي تم تعزيزها اليوم بتدابير أخرى مع توسيع نطاقها لتشمل عمالات أخرى على صعيد الجهة وليس فقط في الدارالبيضاء، من شأنها أن تساهم في الحدّ من انتشار الوباء، علما بأنه لا يمكن لأي أحد أن يتوقع النتائج المحتملة إذا ما لم يتم تفعيل تلك الخطوات، مؤكدا على أن الإجراءات الإدارية لا يمكن أن تكون لها فعالية إذا لم يلتزم المواطنون بالإجراءات الصحية الوقائية.
وشدّد والي جهة الدارالبيضاء سطات، الذي كان يتحدث خلال ندوة افتراضية نظمتها الجمعية المغربية للعلوم الطبية والفيدرالية الوطنية للصحة مساء الأحد 25 أكتوبر 2020، بشراكة مع مجموعة من القطاعات والفعاليات، في الصحة والإدارة الترابية والمقاولات والإعلام، على ضرورة تشجيع العمل عن بعد في الإدارات العمومية والمقاولات والشركات بالقطاع الخاص، مشيرا إلى أن ولاية الجهة جعلته قاعدة في علاقة بموظفيها إذ أن ثلثي الموظفين يشتغلون عن بعد، مع الحرص على استمرارية كل مرفق وتمكين مرتفقيه من قضاء أغراضهم المختلفة، مؤكدا أن هذا الخيار الذي أثبت نجاعته خلال المرحلة الأولى من الجائحة الوبائية والذي يجب استثماره، من شأنه أن يساهم في التقليص من انتشار العدوى، إذا ما انضاف إليه كذلك تقليل الاختلاط في كافة مجالات الحياة، والتقيد بالتدابير الوقائية وعلى رأسها الوضع السليم للكمامات والتباعد الجسدي وتنظيف وتعقيم الأيادي بشكل مستمر، داعيا الإدارات والمقاولات التي تقتضي الضرورة حضور موظفيها ومستخدميها إلى التقيد بالإجراءات الوقائية بشكل أكبر من السابق.
وأكد حميدوش أن المؤسسات الصحية العمومية تعرف ضغطا كبيرا في ظل موارد بشرية وإمكانيات محدودة وهو ما يتطلب دعما وتعزيزا من القطاع الخاص، منوها بمجهودات العاملين بالقطاعين معا وبكل التضحيات التي يتم بذلها للاستجابة لحاجيات المواطنين الصحية، مبرزا أن مهنيي القطاع الخاص آزروا ودعموا زملاءهم في القطاع العام واشتغلوا كمتطوعين، إلا أن هذا لا يلغي الحاجة الماسة اليوم إلى دعم أكبر، خاصة في مجال الإنعاش وفي تخصصات مختلفة، سواء على مستوى الأطباء أو الممرضات والممرضين. وشدد والي الجهة على أن السلطات العمومية تضطر إلى تطبيق المخالفات على عدم احترام التدابير الوقائية، من فرض للغرامات وإغلاق لعدد من المرافق للرفع من وعي المواطنين بضرورة التقيد بالإجراءات الاحترازية الفردية والتي لها أثر على الجماعة، خوفا وتحصينا لهم من العدوى لا رغبة في معاقبتهم، مؤكدا أنه سيتم الإعلان عن حصيلة هذه التدخلات في القريب.
من جهته وجّه الدكتور مولاي سعيد عفيف، في كلمة تقديمية للندوة، تحية خاصة إلى كافة مهنيي الصحة في القطاعين العسكري والمدني، العمومي والخاص، الذين يشتغلون على قدم وساق لمواجهة الجائحة ولتمكين المواطنين من العلاج بكافة أنواعه، ليس فقط المرتبط بالجائحة، منذ أشهر دون كلل وملل، رغم الصعوبات والإكراهات، والذي أدى ثمنه باهظا الكثير من مهنيي الصحة من أرواحهم، وتركوا وراءهم أرامل ويتامى وحزنا دفينا في القلوب، وفقا لتعبيره، مقدّما التعازي لأسر الضحايا بشكل عام.
ونوّه رئيس الفدرالية الوطنية للصحة بمهام نساء ورجال الإعلام، الذين اعتبرهم شركاء في الحرب ضد فيروس كوفيد 19، مؤكدا أن تنظيم الندوة جاء بسبب ما تعرفه الوضعية الوبائية من تطور وتصاعد للأرقام، مما يطرح الكثير من التساؤلات وحتى التخوفات، خاصة في ظل ملاحظات ترتبط بالتعثر على مستوى التشخيص والتكفل المبكرين، لتقديم التوضيحات المطلوبة لفائدة مهنيي الصحة وعموم المواطنين، وإبراز التدابير المتخذة من طرف منظومتنا الصحية في مواجهة الجائحة. وثمن المتحدث خطوة وزارة الصحة مع الوكالة الوطنية للتأمين الصحي والصناديق الاجتماعية لتعويض مصاريف العلاج الخاصة بفيروس كوفيد 19 ، بما فيها مصاريف إجراء اختبارات الكشف، والتي شدد على أنها ستساهم بدون شكل في التقليص من الأعباء المادية عن المواطنين وفي تخفيف الضغط عن المؤسسات الصحية العمومية لكي تتكفل بالمواطنين الذين لا يتوفرون على تغطية صحية والمصنفين ضمن خانة الفئات الهشة والمعوزة.
وفي مداخلة لرئيس هيئة الأطباء بالجهة، أكد المتحدث أن ما تسجله الدارالبيضاء راجع إلى موقعها في النسيج الاقتصادي وخصوصياتها، مشيرا إلى أنها أصبحت حديث القطاع العام والخاص بسبب الأرقام المتصاعدة، في ظل إكراهات متعددة على رأسها الإصابات في صفوف الأطباء ومهنيي الصحة، والإعياء، إلى جانب غياب التحفيزات، وهي العوامل التي أثرت، بحسبه، على الوضع بشكل عام إلى جانب أسباب أخرى.
وشدّد الدكتور عبد الكريم الزبيدي، على أن ثلثي الأطباء يعملون في القطاع الخاص بمعدل 6 آلاف طبيب والثلث الباقي البالغ عدده 3 آلاف في القطاع العام، وهو ما يتطلب تظافرا للجهود وتعاونا بين الجميع للمساهمة في التصدي الفعال للجائحة الوبائية، داعيا إلى ضرورة إشراك أطباء القطاع الخاص والعمل على توفير الأدوية الخاصة بعلاج كوفيد 19 في الصيدليات، لتبسيط مساطر التكفل بالمرضى وتفادي الحالات الحرجة.
بدوره، وقف البروفسور مولاي هشام عفيف المدير العام للمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد عند الوضعية التي يعرفها مستشفى ابن رشد، الذي يتكفل بالحالات الخطيرة والحرجة جراء الإصابة بفيروس كوفيد 19 إضافة إلى الحالات المرضية الأخرى وضحايا حوادث السير المختلفة، مبرزا أنه تم تخصيص 70 سريرا لمرضى كوفيد، 46 للإنعاش و 24 للعناية المركزة، إلى جانب 65 سريرا في الجانبين لباقي المرضى، مبرزا ارتباطا بتطور الأرقام الوبائية أنه خلال شهر غشت جرى استقبال 135 حالة بمصلحة مستعجلات ابن رشد، 112 حالة تمت إحالتها على الإنعاش و 36 حالة فارق أصحابها الحياة بعد مدة من وصولهم في حين تحسنت الوضعية الصحية لثماني حالات، في حين أنه في شهر شتنبر تم استقبال 188 حالة 46 منها لم يتأت إنقاذها، وخلال شهر أكتوبر الذي لم يكتمل بعد تم استقبال 181 حالة وفارق الحياة 45 مريضا ومريضة من بينها.
المداخلة التي قدمها البروفسور مولاي هشام عفيف والتي كانت شاملة، بيّنت أنه منذ مطلع شهر مارس وإلى غاية شهر أكتوبر تم استقبال 821 حالة، ولم يتجاوز عدد المصابين بكوفيد 19 الذين تمت إحالتهم على المستشفى خلال الخمس الأشهر الأولى 161 حالة، في حين جرى تسجيل 230 حالة في غشت و 240 خلال شهر شتنبر ثم 190 حالة منذ مطلع شهر أكتوبر، مشيرا إلى أن معدل بقاء المرضى في مصالح المستشفى هو 14 يوما، مما يشكل ضغطا على أسرّة الإنعاش والعناية المركزة، مبرزا أن معدل ملء الأسرّة في اليوم الواحد يصل إلى 59.42 سريرا، في حين بلغت نسبة الوفيات 55 في المئة. وأشار المدير العام للمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد إلى أن الوفيات التي تم تسجيلها توزعت ما بين 71 حالة خلال الخمسة أشهر الأولى للجائحة 143 في غشت و 149 خلال شتنبر ثم 94 حالة منذ مطلع الشهر الجاري. وأكد المدير العام للمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد أن هذه الحالات تم تسجيلها بسبب التكفل المتأخر بالحالات التي كانت تصل إلى المستشفى في وضعية صحية خطيرة وحرجة وجد متقدمة، إضافة إلى عاملي السن والأمراض المزمنة بالنسبة لحالات أخرى.
المسؤولة عن الصحة بجهة الدارالبيضاء -سطات، الدكتورة نبيلة ارميلي، أوضحت في مداخلة لها أن الكثافة السكانية التي تعرفها العاصمة الاقتصادية أدت إلى النتيجة الوبائية التي تمر منها الدارالبيضاء لأنها تعرف حركية أكبر من غيرها، مبرزة أن من العوائق الكبيرة التي تم تسجيلها في مواجهة الجائحة وصول المرضى في وضعية متقدمة، محذرة مما قد يعرفه الفيروس من تطور أكبر خلال شهر نونبر.
واستعرضت ارميلي الأرقام المسجلة على مستوى الإصابات والوفيات والمعدل التراكمي وغيرها من المعطيات الرقمية، مشيرة إلى أن 80 في المئة من الحالات النشطة تتابع العلاج في المنازل، محذرة من استمرار تفشي الوباء والذي ترتفع حدته ونسبه مقارنة بالمعدل الوطني، بالرغم من بعض الأرقام الأخرى المطمئنة كما هو الحال بالنسبة لحالات التعافي وغيرها.
من جهته، بسط الدكتور مولاي أحمد بودرقة، ممثل الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة بالجهة ورئيس مكتبها الجهوي، تفاصيل انخراط القطاع الخاص في مواجهة الجائحة الوبائية والدعم الذي خصصه لهذه الغاية، سواء في المرحلة الأولى أو الثانية، بعد اجتماع 18 غشت 2020، مستعرضا الأشواط التي قطعها تجهيز وتشغيل مصحة الزيراوي التي وضعها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي رهن الإشارة للمساهمة في التكفل بالمرضى الذين يحتاجون للعناية المركزة والإنعاش. وأوضح بودرقة أنه تم انتداب 8 أطباء في الطب العام للعمل في هذه المصحة إلى جانب 30 طبيبا متخصصين في التخدير والإنعاش، وجرى تجهيزها بتظافر للجهود، مبرزا أن 50 سريرا التي تم إحداثها استقبلت 191 مريضا نسبة 59 في المئة منهم من الذكور، ومتوسط عمر المرضى كان هو 40 سنة، في مدة للاستشفاء تتراوح ما بين 6 و 8 أيام في المتوسط.
ووقف بودرقة عند الوفيات التي جرى تسجيلها التي بلغت نسبتها 13 في المئة، بمعدل عمري يقدر بـ 69 سنة، مشيرا إلى جملة من الإكراهات والتحديات التي تفرض نفسها على مستوى الأدوية والاختبارات فضلا عن الحاجة إلى دعم من تخصصات طبية مختلفة وموارد بشرية مهنية للإجابة على المتطلبات الصحية للمرضى.
الندوة الافتراضية التي جرى تنظيمها في لحظة دقيقة، عرفت مشاركة الكاتب العام لوزارة الصحة، عبد الإله بوطالب، الذي أكد أن هناك 2013 سرير إنعاش متوفرة في كل القطاعات، وبأن نسبة الملء بلغت حوالي 30 في المئة وطنيا في حين أنها وصلت في الدارالبيضاء إلى نسبة 55 في المئة، وبأن 40 في المئة من المصابين يتواجدون في الإنعاش والعناية المركزة في وضعية خطيرة. وأبرز المتحدث أن 64 في المئة من مجموع المتواجدين في هذه المصالح هم من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 سنة فما فوق، وهو ما يعكس وضعية حرجة، مستعرضا البنية التقنية التي تم تعبئتها لمواجهة الجائحة في جهة الدارالبيضاء سطات المتمثلة في 19 مستشفى و 13 مصحة بـ 223 سرير إنعاش، والدعم الذي وفرته وزارة الصحة المتمثل في أجهزة التنفس وأجهزة الفحص بالصدى والسكانير والإنعاش، فضلا عن موارد بشرية.
بوطالب، أكد كذلك أن هاجس الكشف المبكر عن المرض دفع وزارة الصحة إلى توسيع دائرة إجراء الاختبارات حتى لا تقتصر على 4 مختبرات عمومية في الجهة بطاقة يومية تصل إلى 2360 اختبارا، إذ انضاف إليها 18 مختبرا في القطاع الخاص بطاقة تصل إلى 4333 اختبار في اليوم الواحد، من أجل الرفع من قدرات التشخيص والكشف المبكر لكي يتأتى التكفل المبكر كذلك بالمرضى لتفادي الحالات الحرجة والخطيرة. وأكد المتحدث أن ما بعد رفع الحجر الصحي عرف تراخيا وتهاونا أدى إلى ارتفاع الحصيلة الوبائية مبرزا أن الدارالبيضاء تمر من مرحلة عصيبة يمكن الخروج منها متى كان هناك تظافرا للجهود الجماعية.
وأوضح المتحدث أنه في إطار التدابير الوقائية فقد عملت وزارة الصحة على توفير اللقاح ضد الأنفلونزا الموسمية بالنسبة لمهنيي الصحة وللمرضى المعوزين الذين يعانون من أمراض مزمنة، من أجل المساهمة في الحدّ من وقع الأنفلونزا التي تعرف انتشارا في هذه الظرفية الزمنية، والتي تتشابه أغلب أعراضها بأعراض فيروس كوفيد 19، حتى لا يقع أي خلط في تشخيص المرض ويؤدي إلى المزيد من التأخر في التكفل بالحالات المرضية التي قد تتطور وضعيتها الصحية وتتسم بالصعوبة والتعقيد. وبخصوص التجارب السريرية المرتبطة باللقاح المضاد لفيروس كوفيد 19، فقد أكد بوطالب أن كل الأشواط التي تم قطعها إلى غاية اليوم قد مرت في أجواء تبعث على الاطمئنان والتفاؤل، متمنيا أن تكتمل كل المراحل بنفس الكيفية لكي يتم التوفر على لقاح آمن وفعال ضد الفيروس.