في القضية الوطنية: انهيار منظومة وقيام أخرى..
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
لا يمكن فهم السعارالذي اختارته الفصائل الانفصالية، سواء في السنة الماضية أوالسنة الحالية، إزاء قرارات مجلس الأمن، إلا إذا استحضرنا التغيرات العميقة التي تطال المعالجة الأممية لقضيتنا الوطنية.
لنقرأ القرار الأخير من زاوية الانفصاليين:
– لم تمض سوى لحظات قليلة على التصويت الأممي، ليلة الجمعة 30أكتوبر 2020، حتى خرجت الجبهة لتعلن بأنها قررت« “تصعيد الكفاح التحريري الوطني..
– وقررت أيضا أن تتهم الأمم المتحدة ثم مجلس الأمن بالتقاعس كذا.
– القرار في نظرها لا يتضمن أي إجراءات ملموسة، لتمكين بعثة المينورسو من تنفيذ الولاية التي أنشئت من أجلها في عام 1991، وهي إجراء استفتاء.
– أكد بيان الجبهة من جديد على رفض مشاركة الجانب الصحراوي في أي عملية.
– اتهام الأمم المتحدة وكذا مجلس الأمن، بأن تقاعسهما يساهم في تدهور الحالة على الأرض بما في ذلك الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان»..
في هذا الموقف، اعلان انهيار مشروع بكامله، أدواته وأهدافه وفسلفاته.
ففي الوقت الذي تسري فيه منحيات المعالجة الأممية نحو الحل السلمي، الواقعي والمقبول من الطرفين، تعلن الجبهة أنها ستتوجه نحو “التصعيد الكفاحي” أو ما تسميه كذلك.
وهو قرار تدرك-جيدا- أنها لن تستطيع اتخاذه من غير الجزائر التي سلمتها وتسلمها أرضها لمغازلة أوهامها.
وهل يمكن للجزائر، لا سيما في ظروفها الآن أن تعطي الضوء الأخضر للحرب؟ في مواجهة إجماع دولي تمثل في كون القرار حظي بموافقة الأغلبية الساحقة، 13 عضوا مقابل امتناعين، هما لروسيا وافريقيا الجنوبية، اللتين لم ترفعا أي فيتو في وجه القرار ولم تصوتا ضده!
الجبهة تتهم الأمم المتحدة كلها، وهي التي اعتبرت أنها مرجعيتها في الحل والترحال، وهي التي قررت- حسب زعمها- وضع القضية في بند التصفية الاستعمارية، وهي التي، بالرغم من ذلك تقطع الغصن الذي تجلس عليه.
ووضعت نفسها، مرة ثانية في مواجهة الأمم المتحدة ومجلس الأمن..
الجبهة اعتبرت أن القرار لا يتضمن أي إجراء في أفق الاستفتاء، وهي على حق، وعوض أن تنصت للمجتمع الدولي، والجهازالتنفيذي للأمم المتحدة بخصوص الخيارالمطروح، وتراجع هوسها الاستفتائي، أرادت أن تعلم الأمم المتحدة، ما معنى الهدف من المينورسو، هي التي خلقتها.
الجبهة، اتهمت الهيئتين: – الأمم المتحدة ومجلس الأمن – بأنهما تساعدان على انتهاكات الحقوق، والحال أنهما أشادتا بالعمل الحقوقي المغربي، وأقرتا شرعية هيئتين جهويتين وطنيتين في العيون والداخلة في معالجة السؤال الحقوقي، ثم ثانيا، أشادتا بالتعاون المغربي مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وهما ضربتان لم تتوقعهما البوليساريو،ربما لاعتبارها أنها تملك الأسبقية الحقوقية، من خلال ملفات محدودة أواستفزازات فوق التراب المغربي..
إن الوضوح الذي تتسم به القرارات الأممية في الآونة الأخيرة، من شأنه أن يثيرحفيظة الانفصاليين والعاصمة الراعية لمخيمات عارهم، لكنه أكثر إدراكا بأن المنظومة برمتها تنهار، تلك التي بنوا عليها أحلامهم،
أي الوصول إلى تقرير المصير، بإعلان دولة، طريقها استفتاء مرقع، أوتسميم الجغرافيا السياسية بالتوترات.
والحال أن المنظومة المعتمدة من طرف قرارات مجلس الأمن تقول بهدف حل سياسي، متوافق عليه وبراغماتي، والوسيلة في ذلك هي الموائد المستديرة، والتهديد بمقاطعتها عنوان للضيق الذي تجد فيه أطروحة الخصوم نفسها، وأن المشكل الحقوقي، الذي ظل ركنا في منظومة الهجوم على المغرب، قد انهار وصار الساحرمسحورا، مطالبا بتقديم الأجوبة عن التجاوزات الحقوقية في المخيمات..
عماد آخر انهار من المجموعة المناهضة للمغرب، هو دور الجزائر، التي ظلت تراوغ بالرغم من تورطها في المعضلة، وصار ثابتا أنها عنصر في المشكل ويجب أن تكون عنصرا في الحل.
وتغيرت بذلك طبيعة النزاع، من نزاع مغربي مغربي إلى نزاع إقليمي يتطلب أفقا جديدا،
وليس صدفة أن القرار تحدث، كسابقه عن أفق مغاربي للتعاون، أي كنتيجة منطقية لنزاع إقليمي.أفق إقليمي لحل إقليمي بمشاركة أطرف إقليمية.
لقد تغيرت منظومة كاملة مبنية على أداة الاستفتاء بهدف تقرير المصير المودى الى منتصر ومنهزم، بانشاء دولة، على اساس نزاع بين المغرب والبوليساريو، الى منطومة متكاملة مغايرة تماما، مبنية على هدف حل سياسي واقعي، اداته الموائد المستديرة برعاية الامم المتحدة ، باطراف اقليمية، في قلبها الجزائر وبنتيجة متوافق عليها ، وهو ما يشكل المادة الصلبة لمشروع الحكم الذاتي المقدم من المغرب..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 02/11/2020