حياة وتحولات التونسي إبراهيم العيساوي قاتل نيس الفرنسية
تفاصيل الاعتقالات والتحقيقات في تونس وفرنسا
أدانت المملكة المغربية الهجوم الذي وقع الخميس الأخير بمدينة نيس (فرنسا) ، معربة عن تضامنها وتعاطفها مع الضحايا وعائلاتهم ، وفقا لما جاء في بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج.
وجاء في البلاغ أن المملكة المغربية ، تدعو إلى تجاوز السياق السلبي، والمناخ المتوتر حول الدين، و تحث مختلف الأطراف على البرهنة على روح الاعتدال والحكمة واحترام الآخر .
وعقب الاستنكار الدولي الذي خلفه الاعتداء الجهادي ، دعت فرنسا مواطنيها المقيمين خارج البلاد إلى الحيطة وعززت تأمين أراضيها خاصة أماكن العبادة والمؤسسات التعليمية. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان عقب اجتماع لمجلس الدفاع أشرف عليه الرئيس إيمانويل ماكرون الجمعة الأخيرة، “ بعث رسالة +طوارئ هجوم+ (أعلى مستوى تحذير في خطة الأمن الفرنسية) إلى جميع مواطنينا في الخارج، أينما وجدوا، لأن التهديد في كل مكان”.
وساد الحداد نيس الخميس إثر مقتل 3 أشخاص في كنيسة، عقب أربعة أعوام من هجوم في 14 يوليو 2016 أودى بحياة 86 شخصا في المدينة الواقعة في منطقة الريفييرا.
وطعن منفذ الهجوم، وهو تونسي يبلغ 21 عاما ويدعى إبراهيم العيساوي، امرأتين إحداهما ستينية والأخرى برازيلية تبلغ 44 عاما تعيش في نيس منذ عدة أعوام، والأب لطفلتين.
ونقل منفذ الهجوم إلى المستشفى بعدما أصابته الشرطة.
ورغم أن دوافعه مجهولة، فإن مسار تحركه معلوم. وقالت مصادر فرنسية وإيطالية إنه وصل أوروبا بشكل غير قانوني عبر جزيرة لامبيدوسا في 20 سبتمبر. ثم وصل إلى مدينة باري (إيطاليا) في 9 أكتوبر وتلقى أمرا من السلطات بمغادرة البلد خلال سبعة أيام. عقب ذلك فقد أثر الشاب حتى الأربعاء حين اتصل بشقيقه ياسين القاطن بمدينة صفاقس في تونس. وقال ياسين العيساوي لوكالة فرانس برس الجمعة إن شقيقه “وصل إلى فرنسا (الأربعاء) حوالي الساعة 20,00. وقال إنه ذهب إلى فرنسا لأنها أفضل للعمل”، ولم يستطع تفسير سلوك أخيه الذي صار متدينا منذ نحو عامين بعدما بدأ مشروعا صغيرا لبيع المحروقات بشكل غير قانوني في بلاده.
وقال مصدر مقرب من التحقيق إنه وصل إلى نيس “بين 24 و48 ساعة قبل الاعتداء”.
هل تصرف المعتدي
بشكل منفرد؟
أفاد مصدر مقرب من التحقيق أن الرجل البالغ 47 عاما الذي أوقف للاشتباه بارتباطه بالشاب التونسي ليس له علاقة بالملف. لكن يمكن أن تسفر التحقيقات عن نتائج بفضل هاتفين عثر عليهما قرب إبراهيم العيساوي، إضافة إلى مصحف.وقد أفاد مصدر قضائي فرنسي، السبت، أن رجلا ثالثا مقربا من المشتبه به الثاني الذي أوقف، مساء الجمعة، وضع في الحبس على ذمة التحقيق، وذلك على خلفية هجوم مدينة نيس بالسلاح الأبيض الذي راح ضحيته ثلاثة أشخاص.
وأوضح المصدر ذاته أن الرجل البالغ 33 عاما كان حاضرا خلال تفتيش عناصر الشرطة، مساء الجمعة، لمنزل مشتبه به ثان كان على تواصل مع المنفذ عشية الهجوم، قائلا “نحاول توضيح دوره في كل ما حصل”.
وأوقف الرجل الثاني البالغ 35 عاما في نيس، مساء الجمعة، ووضع في الحبس على ذمة التحقيق.
وفي تونس، أوقفت فرقة الحماية من الإرهاب للحرس الوطني بقفصة صباح السبت، شخصين على ذمة التحقيق والتحري حول وجود تنظيم يدعى “المهدي بالجنوب التونسي” ومدى ضلوعه في عملية نيس .
وقال الناطق الرسمي باسم محاكم قفصة أن شخصين من معتمدية أم العرائس أوقفا على ذمة البحث العدلي الذي كانت النيابة العمومية بالقطب القضائي بتونس العاصمة قد أذنت به الجمعة، من أجل التحري في حقيقة ومصداقية وجود تنظيم يدعى “المهدي بالجنوب التونسي” تبنى هجوما وقع في مدينة نيس الفرنسية وأودى بحياة ثلاثة أشخاص.
وأضاف المصدر القضائي أن فرقا أمنية مختصة تولت التحريات والأبحاث الأولية، وقامت بعمليات مداهمات وتفتيش وحجز، على أن تقوم في وقت لاحق بإرسال ملف هذه الابحاث والموقوفين الاثنين إلى الجهة القضائية المختصة في تونس العاصمة.
وكان رئيس مكتب الإعلام والإتصال ونائب وكيل الجمهورية بالمحكمة الإبتدائية بتونس محسن الدالي قد صر ح أمس الجمعةل(وات) أن فتح هذا البحث العدلي يأتي إثر صدور تدوينة لشخص على شبكة التواصل الاجتماعي، ادعى فيها أنه ينتمي إلى تنظيم “المهدي بالجنوب التونسي”، الذي نفذ عملية نيس الإرهابية.
وأفاد مصدر أمني أن الموقوفين الاثنين هما الشخص الذي نشر فيديو على شبكة الفايسبوك ويقول في التسجيل إن جماعة أنصار “المهدي بتونس والمغرب العربي” هي من نف ذت هجوم مدينة نيس الفرنسية يوم الخميس الماضي،والشخص الثاني هو من قام بتصوير الفيديو.
وأضاف المصدر ذاته أن الشخص الذي يقول إنه من “جماعة أنصار المهدي بتونس والمغرب العربي” مصنف من بين العناصر السلفية المتشددة، وقد انتفع بالعفو التشريعي العام سنة 2011 .
مواقف
عبر عدة مسؤولين سياسيين عن غضبهم، وبينهم رئيس بلدية نيس كريستيان إستروسي (يمين). ودعا المسؤول إلى “تعديل الدستور” للسماح بـ”خوض حرب” ضد إيديولوجيا وصفها بأنها “إسلامو-فاشية”. ودعا النائب عن المنطقة إريك سيوتي، وهو من اليمين أيضا، عبر تلفزيون “سي نيوز” إلى إنشاء “غوانتانامو على الطريقة الفرنسية”.
من جهته قال وزير الداخلية جيرالد دارمنين “لسنا في حرب ضد دين بل ضد إيديولوجيا، الإيديولوجيا الإسلامية”.
وأضاف أن مجلس الدفاع المجتمع الجمعة قرر وضع 7 آلاف عنصر أمني بتصرف محافظي المناطق، نصفهم من احتياطيي الدرك، لضمان الأمن.
وسيكون تعزيز تدابير الأمن في محيط الكنائس “كبيرا” نهاية هذا الأسبوع لمناسبة عيد جميع القديسين في الأول من نوفمبر. وسيتعزز تأمين المؤسسات التعليمية أيضا مع العودة إلى مقاعد الدراسة الاثنين عقب العطلة لمناسبة العيد الكاثوليكي..
وكرر جان إيف لودريان أن “التهديد في كل مكان”، في تنبيه للفرنسيين المقيمين خارج البلاد.
وعقب اعتداء على عنصر أمن في قنصلية فرنسا في مدينة جدة السعودية الخميس، حصلت مواجهات محدودة الجمعة في بيروت قرب مقر إقامة السفير الفرنسي.
وقال لودريان “مررنا من الكراهية الافتراضية إلى العنف الواقعي، وقررنا اتخاذ جميع التدابير لضمان سلامة مصالحنا ومواطنينا”.
وصدرت رسائل تضامن مع فرنسا عقب هجوم نيس من دول حول العالم، من الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط وأوروبا والأمم المتحدة.
وظهرت مشاعر مختلطة في نيس التي تقطنها جالية مغاربية وازنة، من الغضب وحتى الكراهية لدى نحو 200 عنصر من حركة “إيدونتيتار” القومية تظاهروا مساء الخميس ورفعوا شعار “الإسلام إلى الخارج”. كما برزت دعوات للتسامح مثل التي جاءت على لسان فيرجيني (37 عاما) التي قالت إن “هذا يذكر بـ2016 و14 يوليو، لكن علينا أن نظل أذكياء”.
روبورتاج عن منفذ العملية
وصل المشتبه فيه بشن هجوم نيس الخميس ابراهيم العيساوي إلى فرنسا عشية الاعتداء وهو أصبح متدينا قبل سنتين تقريبا على ما تفيد عائلته المتواضعة الحال التي تقطن حي ا شعبيا في محافظة صفاقس (وسط تونس).
يقول شقيقه ياسين “هذا غير عادي” مبديا استغرابه من سرعة وصول ابراهيم (21 عاما) وقيامه بالهجوم.
تروي الأم قمرة باكية لمراسل وكالة فرانس برس “عندما قطع دراسته من المعهد عمل في محل لاصلاح الدراجات النارية”.
تجلس والدة منفذ عملية نيس وشقيقه في بيتهما المتواضع، تجيب على أسئلة الصحافيين وعلامات الصدمة والذهول الشديدين بادية عليهما.
يعبر أفراد العائلة عن “صدمة” من خبر الهجوم وتشدد شقيقته عائدة “لا اتصو ر أن أخي يقوم بهذا الفعل”، ويضيف قريب العائلة قيس العيساوي “نحن ضد الارهاب ولا تشرفنا هذه الأفعال” في حال تأكدت.
ولد ابراهيم الذي انقطع عن الدراسة في المرحلة الثانوية، في عائلة تتكون من سبع بنات وثلاثة شبان في حي شعبي بالقرب من منطقة صناعية في محافظة صفاقس حيث البنية التحتية شبه معدومة.
وتؤكد قمر أن ابنها “جمع 1100 دينار إلى 1200 دينار (حوإلى 400 يورو) وأنشأ كشكا لبيع البنزين” على غرار الكثير من الشباب في المنطقة الذين يسترزقون من هذه المشاريع غير القانونية.
وتبين عائدة في “رسالة إلى العائلة” التي مات فرد منها في الحادثة “نحن عائلة متواضعة الحال، نريد منكم أن تساعدوننا على كشف الحقيقة … أخي ليس ارهابيا… ليس متشددا”.
وتقول “إذا ما تبين أن أخي صاحب الفعلة فالأكيد أن من ورائه أياد خفية. مستحيل (أن يكون بمستطاعه) فعل هذا (الاعتداء) لوحده”.
بدأ ابراهيم يلتزم الصلاة ويرتاد المسجد خلال السنوات الأخيرة. وتقول الوالدة بحسرة “منذ عامين ونصف العام أصبح يؤدي الصلاة ويتنقل فقط بين العمل والجامع والبيت ولا يجالس أحدا” من أبناء الحي .
وتتابع “كان قبل ذلك يشرب الخمر ويتعاطى المخدرات … كنت أقول له لماذا تنفق أموالك ونحن محتاجين”، وكان يجيبها “إن هداني الله فسوف يهديني لروحي”.
حاول ابراهيم الهجرة بطريقة غير قانونية مرات عدة إلى أن نجح في ذلك. وعند وصوله إلى إيطاليا في محاولته الأخيرة قبل شهر ونصف الشهر أخبر العائلة انه عمل في قطف الزيتون على ما يقول شقيقه.
وأبلغ ابراهيم العائلة بوصوله الأربعاء إلى فرنسا للبحث عن عمل بعدما ترك العمل مع ابن عمه في ايطاليا.
ويروي ياسين “وصل (الأربعاء) إلى فرنسا في حدود الساعة الثامنة ليلا…كان في إيطاليا وعمل في الزيتون ثم قر ر الذهاب إلى فرنسا بحثا عن عمل”.
شرع القضاء التونسي التحقيق مع أفراد عائلته. ويقول نائب وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس محسن الدالي لوكالة فرانس برس إن المشتبه فيه “ليس مصنفا إرهابيا لدى السلطات التونسية وغادر البلاد بطريقة غير قانونية في 14 سبتمبر الفائت ولديه سوابق قضائية في أعمال عنف ومخدرات”.
تؤكد العائلة انها لم تكن على علم بمشاريع ابنها الذي وصل كغيره من آلاف التونسيين إلى جزيرة لامبيدوزا بطريقة غير قانونية بحثا عن مستقبل أفضل وهربا من بطالة وأزمة اقتصادية في بلدهم.
وتعتبر ولاية صفاقس الساحلية من أهم النقاط التي تنطلق منها محاولات الهجرة، وتشهد في فصل الصيف خصوصا حوادث غرق لقوارب يموت فيها العشرات.
وتنشط محاولات الهجرة من السواحل التونسية في اتجاه أوروبا عبر “قوارب الموت” ويتم توقيف مهاجرين بصورة شبه يومية.
وتبين احصاءات وزارة الداخلية التونسية أنه منذ مطلع العام الحالي وحتى أواسط سبتمبر، حاول 8581 شخصا عبور المياه التونسية في اتجاه السواحل الأوروبية بينهم 2104 من جنسيات أجنبية.
واثر ثورة 2011، تنامت ظاهرة التشدد الديني في تونس وقامت جماعات بهجمات مسلحة في البلاد استهدفت فيها قوات الشرطة والجيش والسياح الأجانب، وأحكمت السلطات منذ ذلك الحين الرقابة على دور العبادة.
وتختم الوالدة والدموع لا تفارق عينيها “ذهب وتركنا”.