نونبر 2020.. هذا رأيي/ أمريكا ونحن
باريس : أحمد المديني
وأخيرا تنفّسَ العالمُ اليوم الصعداء، فمنذ يوم الثلاثاء ثلاثة من الجاري وهو برٍأس وهمٍّ واحد، انتخاباتُ الرئاسة الأمريكية، شاغلُ الدنيا، تبدأ بها نشرات الأخبار وتنتهي، وأهمّ قضايا وقرارات البشرية معطلةٌ أو مؤجلةٌ إلى حين ينجلي الغبارُ عن الرئيس الذي ستعطيه صناديق الاقتراع. ليس الحدث جديداً ومثيراً فوق العادة، إلا نظراً للشخصية السِّجالية والمختلفة جداً لمن يقيم في البيت الأبيض ويترشح لولاية ثانية، أعني دونالد ترامب. رغم أن عنايتي بالسياسة الدولية محدودة، فأنا بالكاد مسؤول عن نفسي، أقلقني كثيرٍا شأنَ هذا الرئيس، بالطبع، هو رئيس إمبراطورية اقتصادية وعسكرية تتحكم في أهم ملفات وأخطر قرارات العالم، ولكن لأنه خاصة مثّل في ظرف أربع سنوات فقط رمزا لأفعال خرق كل المواثيق الدولية، وتحدي القانون، وممارسة العنصرية، والاستهتار بحقوق الشعوب المغلوبة ومصيرها، منها الشعب الفلسطيني بالذات، رئيس يجسد القوة والصلف ومنطق الغلبة فقط، وهو منتخب ديموقراطيا. من الطبيعي إذن أن تكون هذه الانتخابات حدثاً، ربما أقوى من تلك التي أوصلت أمريكيا ملوّنا(أوباما) إلى البيت الأبيض، ويتعلق العالم أجمع بأهدابها كأن مصيره رهين بنتيجتها، فلا حديث وتعليق أوانتظار إلا لما ستسفر عنه، بالأحرى بقاء ترامب قضاءً وقدراً أو مجيءَ رئيس جديد(المرشح جو بايدن) ليبشّر بعالم أفضل. لست معنياً ولا متفائلاً، ولي أسبابي.
نعم، يذهب ترامب ويأتي بايدن، فهذا أولاً شأنٌ أمريكي خاص وخالص، لكني أبقى الإنسان في عالم لأمريكا عليه سطوة، فلا بد أن أغتبط لرحيل طاغية، اتجه بنقل نظامها إلى الاستبداد والاستهتار حتى بأصوات الناخبين متشبثا بكرسي الحكم داعماً الاستبداد خارجه، ومتاجراً بحقوق الشعوب. لا أعوّل على بديل، ولن أنسى هيروشيما وفيتنام وخطط الانقلابات لإرساء الدكتاتوريات العسكرية، ودَوس حق فلسطين، أتى سين أو جيم، وأمريكا لم تكن يوما حلمي، طالما بقيت تحتكر الحرية لنفسها وتحرم الشعوب الأخرى بوسائل شتى لها بها خبرة. لا أكتم، أيضا، انتشائي بمتابعة الحفل الديموقراطي البهيج والمعقد الذي تقدمه كل أربع سنوات الانتخابات الأمريكية، إنما أسأل لماذا تحرم الشعوب المستضعفة من عيش حفل مماثل وتمعن في تسليط حكام مستبدين عليها ونهب ثرواتها بالتواطؤ معهم وتسخيرهم للمهمات القذرة؟! ولست معنيا أن يصنفني أي جهاز بأني يساري، أي أفظع من الشيطان، فأمريكا تفرخ الأجهزة وتكوّنها وكل خارج عن طاعتها يساري، بايدن نفسه، إذ يدخل البيت الأبيض اليوم من الباب الواسع، موصوم باليسارية هو وناخبوه، لست ولن أكون منهم، فأنا غير معنيّ بالحلم الأمريكي. سأظل أفرح للشعب الأمريكي كلما اختار بحرية، وعاش في بحبوحة الديموقراطية، ودافع عنهما كذلك بالنسبة لباقي البشرية، فلا يبقى اسم بلده مرتبطا بالرعب والدمار والتوسع والنهب والهيمنة، من غير أن أستعمل كلمات الماضي الكبيرة. لذلك، تتنفس الولايات المتحدة اليوم ومعها جزء من العالم التابع لها الصعداء، وآخرون فزعون، أما نحن الذين نحلم بعالم أفضل خاص بنا فغدنا لن يبنيه ترامب ولا بايدن، بل هممُنا وإراداتنا، والباقي حفل يتلهىّ به البلهاء!
الكاتب : باريس : أحمد المديني - بتاريخ : 09/11/2020