جماعة قروية بـ 12000 نسمة يترأسها رئيس واحد وجماعات ثلاث «6254 نسمة» بثلاثة رؤساء؟
لقد وقف مختلف المتتبعين للشأن المحلي بإقليم تارودانت على سلبيات التقسيم الجماعي لسنة 1992، خاصة عقب تفريخ 89 جماعة، سبع بلديات و82 قروية، وما نتج عنه من إكراهات تنموية عديدة، حيث طرحت تساؤلات عديدة حول مدى نجاعة هذا التقسيم، بعيدا عن الحسابات السياسية وغاياتها الثاوية؟
كنت رئيسا لإحدى الجماعات القروية سنة 1992 «جماعة النحيت» ولفترتين متتاليتين، وبحكم اتصالي المستمر بالمنطقة، استنتجت أن هذا التقسيم لم تراع فيه الكثافة السكانية ولا الإمكانيات المادية لهذه الجماعة أو تلك، فأغلبية الجماعات المحدثة والمجزأة سنة 1992 لم يكن يتعدى سكانها ظرفذاك ثلاثة آلاف ساكن، على سبيل المثال لا الحصر، جماعة والقاضي التابعة لدائرة إيغرم، كانت جماعة واحدة جعلها التقسيم المشار إليه ثلاث جماعات: والقاضي – النحيت – تيسفان. ظرفذاك أقل من ثلاثة آلاف نسمة لكل جماعة ولا إمكانيات مادية. جماعة النحيت كان مدخولها السنوي 40.000 درهم، لكونها تتوفر على سوق أسبوعي، وهناك جماعات لا تتوفر على أي مورد، وبالتالي فالأغلبية تعتمد على الحصة الهزيلة من الضريبة على القيمة المضافة لأداء أجرة الموظفين، وتعويض الرؤساء والأعضاء المعوضين، وتدفع منها أيضا أداءات سنوية عبارة عن قروض تفرضها الشراكة مع الدولة، لتوفير الكهرباء والطرق والماء وتجهيز المكتب، خاصة قبل حصول بعض الجماعات على الاستفادة من مبالغ التنمية البشرية التي تنقصها المراقبة القبلية والبعدية من طرف لجن إقليمية وجهوية ومركزية، تقوم بملازمة الأوراش قبل وأثناء وبعد انتهاء الأشغال؟
بالنسبة للجماعات الثلاث التي اتخذتها نموذجا لـ 82 جماعة قروية بإقليم تارودانت، جماعة والقاضي الأم قبل التقسيم سنة 1992 حوالي 9000 نسمة، يترأسها رئيس واحد ونائبان له بمساعدة ستة موظفين فقط، بعد التقسيم أصبحنا أمام ثلاثة رؤساء: رئيس جماعة والقاضي، رئيس جماعة النحيت ورئيس جماعة تيسفان، ما يناهز 40 عضوا بين نواب ومستشارين وأكثر من عشرين موظفا. ولعدم استجابة الدولة لمناشدة السكان، لتوفير التعليم الإعدادي وداخلية الجماعات الثلاث، رغم المطالبة بها منذ 1993 ورغم الشراكة وتوفير العقار منذ 2015 ورغم لقاءات ومقالات صحافية، فقد هاجرت مجموعة من الأسر إلى هذه المدينة أوتلك ، لضمان التعليم الإعدادي والثانوي والعالي لأبنائها كحق من حقوق المواطنة، وتتجلى تمظهرات الهجرة في معطيات إحصاء سنة 2014، ساكنة جماعة النحيت 1850 نسمة، جماعة والقاضي 2074 نسمة ، جماعة تيسفان 2330 نسمة، المجموع 6254 يترأسها ثلاثة رؤساء مع ما تمت الإشارة إليه من أعضاء و موظفين…بالموازاة نجد جماعة الفيض «12000 نسمة» ويترأسها رئيس واحد، جماعة اداوكماض «8000 نسمة» يترأسها رئيس واحد، جماعة توغمرت «6000 نسمة» يترأسها رئيس واحد. هناك أمر آخر، المتوفى في الجماعات الثلاث من الأعضاء لا يتم تعويضه، وكنموذج جماعة النحيت توفي عضوان رحمة الله عليهما ، عابد اسيل «دوار ايت ابورك» و بوقداير الحاج احيا «دوار افايان»، لم يتم تعويضهما.
القانون الجماعي طبعا واضح وضوح الشمس، يحث على انتخاب من يملأ مقعد المتوفى ومن تغيب لأكثر من ثلاث جلسات دون عذر، هناك من يتغيب لشهور؟ موتى الجماعات في العالم القروي بالمنطقة كثر لكن لايتم تعويضهم. هذا طبعا يعود إلى انعدام التأطير الحزبي الحقيقي، حيث لاتظهر بعض الأحزاب إلا عندما يقترب موعد التصويت، حيث يتم اكتراء المرائب وتعليق الشعارات أعلاها، والبحث عن أي كان لترشيحه؟
في بداية التقسيم كانت الداخلية تراقب الحضور والغياب بصرامة، بعدها قل أن يتحقق النصاب في الدورات العادية وقل أن تجد عضوا في هذه الجماعة أوتلك خارج الدورات، في الجماعة الموظفون أو بعضهم يقومون بواجب الحضور والأغلبية يحضرون. يوم السوق الأسبوعي ونفس الشيء بالنسبة لأغلبية الرؤساء لا يتواجدون حيث الجماعة يزورونها يوم السوق وقد لا يزورونها. إن عدم الوعي بواجب المسؤولية أفسد كل شيء، خاصة في الجماعات المنتمية إلى العالم القروي، حيث أغلب الرؤساء يسكنون ويشتغلون في هذه المدينة أوتلك، وقد يبتعد الواحد عن الجماعة التي يترأسها بمئات الكيلومترات ؟
إن الموضوع بحاجة إلى تحقيقات وإلى تدخل الدولة والأحزاب الجادة تدخلا ميدانيا مسؤولا، في أفق العمل على تجاوز كل السلبيات المسجلة خلال تجارب تدبير شؤون الساكنة، حيث يستوجب الوضع إعادة النظر في هذا الموروث السلبي، وذلك بتحديد الكثافة السكانية لكل مكتب وإجبارية المنافسة في المكاتب بدل ترشيح مرشح واحد في كل مكتب مع تطبيق القانون عند الغيابات والوفيات، بدءا بجمع الجماعات الثلاث، مثلا، والقاضي – النحيت- تيسفان، لقلة ساكنتها «6254»، مع رئيس واحد بدل ثلاثة رؤساء.