«‬الربيع العربي‮» ‬أو‮ «‬الحلم‮» ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يكتمل‮ ‬

‬كانت أماني‮ ‬الغيماجي‮ ‬في‮ ‬الثامنة عشرة من عمرها حين شاركت في‮ ‬التظاهرة الكبرى في‮ ‬تونس ضد نظام زين العابدين بن علي‮ ‬في‮ ‬14‮ ‬يناير في‮ ‬تونس،‮ ‬تظاهرة أطاحت به،‮ ‬وألهمت شعوبا أخرى للسير في‮ ‬الاتجاه نفسه بغية الإطاحة بحكام مستبدين‮.‬
وتقول اليوم لوكالة فرانس برس‮ «‬أثبتت لي‮ ‬الثورة أن كل شيء ممكن‮».‬
من كان‮ ‬ينتظر أن‮ ‬يشكل إضرام البائع المتجول محمد البوعزيزي‮ ‬النار في‮ ‬جسده في‮ ‬مدينة سيدي‮ ‬بوزيد‮ (‬وسط‮) ‬في‮ ‬17‮ ‬ديسمبر،‮ ‬شرارة احتجاجات اجتماعية‮ ‬غير مسبوقة وتاريخية عمت البلاد وتدحرجت ككرة الثلج لتصل الى عدد من دول المنطقة؟
تلخص صورة أماني‮ ‬التي‮ ‬تصدرت الصفحات الأولى للصحف والمجلات العالمية‮ ‬غداة اندلاع ثورة تونس رافعة لافتة كتب عليها‮ «‬بن علي‮ ‬ارحل‮» ‬وسط حشود من المتظاهرين،‮ ‬وصارخة في‮ ‬وجه نظام فاسد بكل ما أوتيت من قوة،‮ ‬ثورة سلمية لشباب نجحوا في‮ ‬دفع الرئيس الأسبق الراحل الى مغادرة البلاد في‮ ‬14يناير‮ ‬2011‮.‬
وتروي‮ ‬أماني‮ ‬التي‮ ‬تعمل حاليا في‮ ‬قطاع الثقافة في‮ ‬تونس،‮ «‬لم نكن نملك مخططا للمستقبل،‮ ‬ولكن كن ا على‮ ‬يقين من أننا نستحق أفضل من هذا‮».‬
وانطلقت الاحتجاجات من تونس وسمع صداها في‮ ‬ليبيا ومصر وسوريا حيث حملت أحيانا مسؤولية إحداث فوضى وعنف،‮ ‬غير أنها تبقى في‮ ‬قلوب من شارك فيها محطة جميلة زرعت بذور الأمل بتحقيق حلم الحرية‮.‬
هويدة أنور هي‮ ‬واحدة من الشباب الحالم آنذاك،‮ ‬بالرغم من أنها كانت تخرج والخوف‮ ‬يتملكها للمشاركة في‮ ‬التظاهرات خلال شهر‮ ‬يناير ذاك،‮ ‬لأنها كانت تدرك أنها ملاحقة‮. ‬كانت هويدة ناشطة على الانترنت تدير نقاشات افتراضية‮ ‬غذت احتجاجات الشارع‮.‬
ليلة رحيل بن علي،‮ ‬غزت مقاطع فيديو تظهر المحامي‮ ‬الناصر العويني‮ ‬منتشيا بخبر هروب الرئيس في‮ ‬الشارع دون الاكتراث بقرار حظر التجول الليلي‮ ‬المفروض آنذاك،‮ ‬مواقع التواصل الاجتماعي‮. ‬وكان‮ ‬يصرخ مهللا‮ «‬بن علي‮ ‬هرب‮».‬
كان شارع الحبيب بورقيبة في‮ ‬العاصمة التونسية مقفرا،‮ ‬حين خرج العويني‮ ‬وسط الشارع‮ ‬يصرخ‮ «‬أيها التونسيون المقهورون،‮ ‬أيها التونسيون المحرومون،‮ ‬بن علي‮ ‬هرب،‮ ‬بن علي‮ ‬هرب‮».‬
وتم بث مقطع الفيديو على شاشات القنوات الإخبارية،‮ ‬حتى أن بعضها اعتمده مقدمة لبرامج حوارية حول الانتفاضات العربية‮.‬
ويقول المحامي‮ ‬اليساري‮ ‬لوكالة فرانس برس‮ «‬كان ذلك بالنسبة إلي‮ ‬ثأر من‮ ‬18‮ ‬عاما تعرضت خلالها للمضايقة والسجن‮».‬
ولكن العويني‮ ‬يفصح أنه‮ ‬يشعر اليوم‮ «‬بالإحباط‮».‬
في‮ ‬تونس،‮ ‬البلد الوحيد بين دول الربيع العربي‮ ‬الذي‮ ‬نجح في‮ ‬مساره الديموقراطي،‮ ‬لا تزال البطالة والتهميش والتضخم وهي‮ ‬الملفات التي‮ ‬أوقدت فتيل الاحتجاجات في‮ ‬العام‮ ‬2011،‮ ‬على حالها،‮ ‬فيما الطبقة السياسية في‮ ‬البلاد تنخرها التجاذبات السياسية الحادة‮.‬
ويستدرك العويني‮ «‬الأمل قائم‮. ‬كنت حالما،‮ ‬لكن اليوم أنا واقعي‮».‬
بينما تقول هويدة‮ «‬اعتقد الناس أن رحيل بن علي‮ ‬سيغي‮ ‬ر الاشياء،‮ ‬ولكن‮ ‬يلزم عشرون أو ثلاثون عاما‮» ‬لتحقيق ذلك‮.‬
وتتابع‮ «‬لست متأكدة من أنني‮ ‬سأرى‮ ‬يوما تونس بطبقة سياسية تستحقها،‮ ‬ولكنني‮ ‬متفائلة‮. ‬ليس هناك تراجع في‮ ‬خصوص الحريات والتعددية الحزبية‮».‬
وتضيف‮ «‬عندما نشاهد ما حصل في‮ ‬مصر‮… ‬ندرك طول المسافة التي‮ ‬قطعناها‮». ‬ووضعت تونس بعد الثورة دستورا جديدا في‮ ‬العام‮ ‬2014‮ ‬وأنجزت حتى اليوم سلسلة انتخابات ديموقراطية‮.‬
في‮ ‬مصر،‮ ‬وبعد ثلاث سنوات شهدت فيها البلاد اضطرابات،‮ ‬تم عزل الرئيس الإسلامي‮ ‬الراحل محمد مرسي‮ ‬عام‮ ‬2013‮ ‬على‮ ‬يد الجيش قبل أن‮ ‬يخلفه على رأس السلطة نظام قائد الجيش السابق عبد الفتاح السيسي‮ ‬الذي‮ ‬ينتهج أداء قمعيا لا‮ ‬يقل عن أداء حسني‮ ‬مبارك الذي‮ ‬أطاحت به ثورة‮ ‬2011‮.‬
في‮ ‬ليبيا وسوريا وصولا الى اليمن،‮ ‬ضعفت السلطة المركزية،‮ ‬لكن الثورات استتبعتها حروب ونزاعات دامية مستمرة‮.‬
غير أن مجدي‮ ‬الليبي‮ ‬الثلاثيني‮ ‬لم‮ ‬يندم قط على الخروج والتظاهر سلميا الى أن سقط نظام الرئيس الأسبق الراحل معمر القذافي‮. ‬ويقول اليوم إن الثورة‮ «‬كانت مهمة ولازلت أؤمن بها‮».‬
ويتذكر مجدي‮ ‬أن بلاده كانت تحت وقع‮ «‬الصدمة‮» ‬في‮ «‬عدد من المدن‮» ‬وتظاهرات الناس كانت‮ «‬عفوية‮» ‬وفيها‮ «‬تضامن‮».‬
ويتابع‮ «‬في‮ ‬بداية الانتفاضة،‮ ‬لم‮ ‬يكن مطروحا قلب النظام‮… ‬فقط مطالب من أجل حرية وعدل وأمل أكثر‮».‬
كذلك في‮ ‬سوريا،‮ ‬يقول دحنون،‮ ‬كانت المطالب‮ «‬فقط من أجل الإصلاحات‮». ‬كان دحنون في‮ ‬الخامسة عشرة آنذاك ولا‮ ‬يزال تلميذا في‮ ‬الثانوية‮. ‬وشاهد التظاهرات السلمية في‮ ‬بلاده تتحول الى مجازر دامية تحت قمع النظام‮.‬
ويقول لفرانس برس‮ «‬هاجمتنا مجموعات تابعة للنظام ومن قوات الأمن‮» ‬في‮ ‬إدلب في‮ ‬شمال‮ ‬غرب البلاد،‮ ‬وهي‮ ‬المنطقة الوحيدة اليوم التي‮ ‬لا تزال خارج سيطرة نظام بشار الأسد‮.‬
وتسبب النزاع السوري‮ ‬بمقتل أكثر من‮ ‬380‮ ‬ألف شخص وتشريد الملايين‮. ‬ودعمت روسيا وإيران نظام الأسد بينما وقفت دول خليجية وتركيا الى جانب فصائل المعارضة،‮ ‬ونشر تنظيم الدولة الإسلامية الرعب في‮ ‬البلاد لسنوات‮.‬
ويقول مجدي‮ «‬تابعنا ما‮ ‬يحصل في‮ ‬تونس ومصر‮… ‬ثم جاء دورنا‮. ‬التغيير كان محتوما‮». ‬لكن بعد مرور كل هذا الوقت،‮ «‬لا أعتقد أننا كنا مدركين حقا لحجم الخراب الذي‮ ‬ألحقه نظام القذافي‮ ‬بأسس الدولة‮».‬
وعمت الفوضى وأعمال العنف ليبيا إثر سقوط القذافي،‮ ‬كما استغلت الجماعات الجهادية تدهور الوضع لتتغلغل في‮ ‬البلاد‮.‬
بالموازاة مع ذلك وكما في‮ ‬سوريا،‮ ‬عقدت تدخلات دول خارجية داعمة لأطراف مختلفة في‮ ‬صراعها على السلطة،‮ ‬الوضع،‮ ‬ولم تعرف البلاد الاستقرار منذ ذلك الحين‮.‬
ويأسف دحنون،‮ ‬وهو طالب في‮ ‬العلوم السياسية اليوم،‮ ‬لأنه‮ «‬لم‮ ‬يعد للسوريين كلمة‮» ‬اليوم‮. ‬ويضيف بمرارة‮ «‬القوى الخارجية هي‮ ‬التي‮ ‬تقرر،‮ ‬سوريا لم تعد لنا‮».‬
بعد عشر سنوات،‮ ‬يبقى بشار الأسد في‮ ‬السلطة،‮ ‬وحيدا بين قادة دول‮ «‬الربيع العربي‮» ‬الآخرين‮.‬
ويعتبر المدرس السوري‮ ‬الذي‮ ‬قدم نفسه باسم أبو حمزة والذي‮ ‬يقطن درعا،‮ ‬مهد الاحتجاجات،‮ ‬أن‮ «‬الأمور لا بد أن تتغير‮»‬،‮ ‬مشيرا الى الأزمة الاقتصادية الخانقة بسبب الحرب والعقوبات الاقتصادية الدولية على الحكومة السورية‮.‬
ويضيف رب العائلة‮ «‬عندما تجوع،‮ ‬يختفي‮ ‬الخوف‮… ‬يجب أن‮ ‬يحصل التغيير‮».


بتاريخ : 28/11/2020