التسجيل في اللوائح الانتخابية، من هنا نبدأ

عبد السلام المساوي

1- لا أحد يجادل، الآن وغدا، بأن التسجيل في اللوائح الانتخابية حق وواجب… مسؤولية وأمانة…. إنه واجب وطني بامتياز المواطنة… من هنا وجب علينا ضرورة أن ننخرط بقوة في التحسيس والتوعية، في الحضور الميداني والمساهمة النضالية: وجوب التسجيل في اللوائح الانتخابية على كل من بلغ سن 18 سنة أو سيبلغها في 31 مارس 2020… وكل من يسبق له أن سجل في اللوائح الانتخابية… فالكل مطلوب منه بل واجب عليه المشاركة في الحياة السياسية لإعادة الاعتبار للمؤسسات المنتخبة محليا وإقليميا، جهويا ووطنيا، ولكي تقوم هذه المؤسسات بالتنمية، وليتصالح المواطنون مع الشأن المحلي والعام لما يلعبه من دور حاسم في التنمية المجتمعية والتربية على المواطنة…
إن الرهان اليوم هو تنظيم مدن المغرب وتأهيلها وجعلها قبلة للاستثمارات المنتجة، كما أن الرهان اليوم يتجلى في تحسين جودة الحياة في المحيط الحضاري والارتقاء بالخدمات العمومية في الاتجاه الذي يقوي الإحساس بالمواطنة ويجعل السكان يشعرون بكل اطمئنان أن المؤسسة المنتخبة في خدمة التنمية، في خدمة المصلحة العامة لا خدمة المصالح الشخصية لمنتخبين قرصنوا المقاعد فخربوا البلاد والعباد..
ولكي ينطلق قطار التنمية ويتحرك بجميع عجلاته، نحن في حاجة إلى مفهوم جديد للمنتخب، مفهوم يفرز شخصيات تستوعب المرحلة، تقطع مع لغة الخشب وتعانق لغة الواقع؛ مرة ومؤلمة بمشاكلها، ولكنها جميلة بصراحتها وحقيقتها… فلم يعد مسموحا أن يخلف المغاربة موعدهم مع التاريخ حيث يتطلع الجميع إلى إفراز مؤسسات منتخبة جديرة باحترام المواطنين ومتجاوبة مع تطلعات العهد الجديد. وقد بلغنا، كما يقول جلالة الملك في خطاب 20 غشت «مرحلة لا تقبل التردد أو الأخطاء، ويجب أن نصل فيها إلى الحلول للمشاكل التي تعيق التنمية ببلادنا».
إن قدر المغرب ليس أن يبقى رهينة الذين يقفلون على الكفاءات المخلصة والمحبة لوطنها منافذ الطموح والمسؤولية في بلادهم. وهم من جعلوا الانتخابات وسيلة اغتناء عوض أن يجعلوها وسيلة خدمة للمواطنين والمواطنات. وهم سبب حقيقي من أسباب بقاء المغاربة غير مستفيدين من كثير الإصلاحات التي وقعت في البلد، رغم أهمية هاته الإصلاحات وثوريتها وعدم تحققها في بلدان أخرى… انتخابات 2021…
من الواضح أن السياسة كما تقترف في المغرب صارت عبئا على الديموقراطية بدلا من أن تكون مغذيا منعشا لها.
يلاحظ هاروك جيمس، المؤرخ والأستاذ بجامعة برينستون، أنه «لم يعد هناك من ينكر أن الديموقراطية معرضة للخطر في جميع أنحاء العالم، إذ يشكك كثير من الناس في ما إذا كانت الديموقراطية تعمل لصالحهم، أو أنها تعمل بشكل صحيح أصلا. ولا يبدو أن الانتخابات تسفر عن نتائج حقيقية، باستثناء تعميق التصدعات السياسية، والاجتماعية القائمة. أن أزمة الديموقراطية هي، إلى حد كبير، أزمة تمثيل، أو بتعبير أدق، غياب تمثيل.»
نحن قريبون من هذه الصورة، سوى أن هناك فارقا جوهريا، في الغرب تعيش الديموقراطية لحظة خطر لكن الثقافة الديموقراطية منتشرة على أوسع نطاق حتى أنها تسمح للخصوم السياسيين والمواطنين بالتكتل ضد فوز اليمين المتطرف بالأغلبية في الانتخابات، وفي حالتنا الخطر مزدوج: ديموقراطية ناشئة مهددة بهشاشة قواعدها الاجتماعية، وفراغ في الثقافة الديموقراطية يسمح بانتعاش إيديولوجيات غير ديموقراطية.
إلى أين نسير بديموقراطية تستند إلى روافع تخترقها التصدعات؟ جانب من الأجوبة كان واضحا في انفلاتات التعبيرات الاجتماعية الجديدة في أكثر من مدينة مغربية، وهو أكثر وضوحا في حوادث السير التي تحدث في فضاءات التواصل الاجتماعي، وأشكال الصحافة الجديدة، ومن الواضح أيضا أنه كلما اهتزت روافع التأطير الديموقراطي لصالح التعبيرات العشوائية، كلما دخلت الدولة والمجتمع في صدامات أمنية والتباسات حقوقية، وفي لعبة كر وفر منهكة للطرفين.
هل تعي طبقتنا السياسية هذه المخاطر المحدقة بنا؟ ربما.
هل تعمل على تدارك الوضع؟ لست أدري.
هل المستقبل الديموقراطي في بلدنا أكثر مأساوية في هذا الجانب؟ ممكن.
هل يفرض هذا الوضع حالة استعجال واستنفار سياسي؟ ذلك مؤكد.
القاعدة الكلاسيكية تقول: لا ديموقراطية بدون ديموقراطيين، وفي واقعنا الحالي يمكن إضافة تحوير بسيط: لن تكون هناك لا ديموقراطية ولا ديموقراطيين من دون قاعدة اجتماعية موسعة حاضنة للمشروع الديموقراطي، وغير ذلك سيكون الخطاب السياسي الرسمي والحزبي حول الديموقراطية ومفاتنها كمن يبني قصور الأمل فوق الرمال.
2- يبدو لي أن الظرفية السياسية التي نعيشها والرهانات الكبرى التي تكتنف استحقاقات 2021 تضعنا فعلا وحقيقة لا مجازا أمام تحديات وأوضاع في غاية الدقة.
حقيقة لا مجازا نحن في حاجة إلى ضبط الحسابات السياسية على عقارب زماننا، وأكثر من أي وقت مضى.
نحن في حاجة إلى الانتباه لمخاطر عودة سيطرة الوجوه القديمة والمستهلكة إلى واجهة المؤسسات…
نحن في حاجة إلى الانتباه إلى مخاطر ترك الحبل على الغارب، في موضوع حالة الانفصام والانفصال والاغتراب بين نبض الشارع وذبذباته وبين حياة المؤسسات وديناميتها الخاصة…
نحن في حاجة إلى الاقتناع الجماعي بالحاجة إلى إعادة بناء الثقة بين الفرقاء الأساسيين، بين الدولة والمجتمع، باعتبارها أضمن وأقوى تأثيرا على النفوس من أية قوة عارية قد تتصور أو يتصور أصحابها أنهم قادرون على الحسم في كل الظروف.
في حاجة إلى القناعة الجماعية، بعد التقاط إشارات الحراك الشعبي، بأن انتحاريي الريع والذين يضعون مصالحهم فوق مصالح البلد كيفما كانت الظروف، يجرون البلاد إلى مأزق وانحباسات خطيرة.
نحن في حاجة إلى الوعي بخطورة هؤلاء ومخاطر ما يدفعون إليه، وأكثر من أي وقت مضى.
نحن في حاجة آلى التصرف والعمل بعيدا عن المنطق الضيق، الذي قد يدفع البعض إلى تصور أننا تجاوزنا المطبات الهوائية، كما تتجاوز الطائرة في السماء العالية قبل أن تستقيم في سيرها، لأن مطبات السياسة أخطر من مطبات الهواء.
نحن في حاجة إلى فتح المسالك الاستراتيجية أمام تطور البلد، بعيدا عن لعبة الكر والفر، أو لعبة العودة إلى أساليب زمان بعد هدوء العاصفة… نحن في حاجة إلى منطق ومقاربة جديدتين، وأكثر من أي وقت مضى.
نحن في حاجة إلى أن لا نستمع إطلاقا إلى أولئك الذين يجعلون من مقولة الاستثناء المغربي مسوغا للجمود، جاعلين من هذا الاستثناء جواز مرور لمعاكسة دينامية التطور وضرورات الانتقال. نحن في حاجة إلى عدم الاستماع إطلاقا لهؤلاء.
نحن في حاجة إلى الاقتناع الجماعي بأن السياسة إذا غاب عنها الجمهور وتقلصت المشاركة في الانتخابات إلى لعبة نخب حضرية وقروية، بعيدا عن الكتلة الشعبية الواسعة (الماينستريم بلغة العلوم السياسية) تصبح ممارسة مقرفة وتتحول الانتخابات إلى محطة تزيد في تنفير الناس من السياسة والسياسيين.
نحن في حاجة اليوم إلى الاقتناع بمخاطر غياب الجمهور عن السياسة.
نحن في حاجة إلى الاقتناع من كون الأمر يتعلق بوطن. والوطن هنا ليس مجرد رقعة جغرافية لتجمع سكني، بقدر ما يعني انتماء لهوية ولحضارة ولتاريخ. والمرحلة تاريخية سيكون لها ما بعدها. سواء بنجاح ينخرط فيه الجميع، أو بتفويت، لا قدر الله، لمناسبة زمنية سيحاسب فيه الجميع في المستقبل القادم.
لا يمكن لعاقل أن ينكر ما بلغه المغرب من تطور في مجموعة من المجالات. ولا يمكن إنكار ما تحقق، لكن الممكن أحسن مما تحقق لا محالة. لكن أيضا لا يمكن إنكار حجم المشاكل التي يتخبط فيها المغرب، وهي مشاكل تتعلق بالمؤسساتي وبالعلاقات المجتمعية وبالانتماء والمواطنة التي تتصل أساسا من أخذ وعطاء.
هناك مشاكل اجتماعية تتعلق بعيش الناس أولا وبوجودهم. وهناك ثقة مفقودة في جملة من المؤسسات. وهناك هدر للزمن بانتظارية غير مفهومة. وهناك حيف وغياب عدالة مركزية ومجالية. وهناك شوائب عالقة من فساد وغش واستغلال. وهناك تفاوت طبقي خطير بين قلة تملك كل شيء وأغلبية تصارع الأيام من أجل قوتها اليومي. وهناك خلل في الحكامة. وهناك تأفف في كل موقع اقتصاديا كان أو ثقافيا أو رياضيا. وهناك رغبة من الجميع في التغيير.
المغرب،  اليوم، ليس في حالة ميؤوس منها، لكن هذا لا ينفي حجم المشاكل وتعقيداتها. وهذا موجود في كل التقارير الدولية والوطنية التي درست المغرب. يبقى الحل بيد المغاربة في خلق المناخ الملائم والصالح لهم.
طبعا هناك مسؤوليات خاصة بكل جهة؛ الدولة عليها تحملات لا يمكن أن تتنصل منها. وهناك التزامات عليها أن تتحملها بكل ما تتطلبه من إمكانيات مادية وبشرية. الدولة لا يجب أن تنفض يدها من قطاعات اجتماعية في الصحة والتعليم مثلا. كما تتحمل مسؤولية خلق المناخ الملائم للاستثمار ولصيانة المؤسسات والسهر على تطبيق القانون وخلق آليات للمراقبة والمتابعة والتقييم.
نحن في حاجة إلى رفع يد الدولة عن الحياة الحزبية، وبالتالي الإيمان العميق باستقلاليتها وقدرتها على العيش بدون موجبات السقوط أو النجاح الخارجة عن قدرتها الذاتية، والإيمان العميق بقدرتها على الفعل والإيمان بدورها كقاطرة ديموقراطية لا يمكن أبدا البحث عن بدائل لها، أو بدائل منها للعب دور غير دورها…
والمجتمع بكل مكوناته مطالب بأن يسهر على إيجاد آليات التطور والمشاركة والمساهمة في السياسة العمومية ومراقبتها وفرض المحاسبة بخصوص تحسينها وخدمتها للصالح العام…
كل هذا يتطلب ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته والإصرار على اشتغال المؤسسات من هذا المنطلق أي خدمة الصالح العام.
نحن في حاجة إلى مغرب يقوم على قيم واضحة للجميع انطلاقا من مجتمع الديموقراطية وحقوق الإنسان. ديموقراطية تنتفي فيها القبلية والدموية والمحسوبية والبيروقراطية القاتلة، ويحتكم الناس إلى القانون. ديموقراطية تكون فيها القوانين مسايرة لتطور المجتمع ولتطورات العصر. وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا انطلاقا من المرجعيات الدولية الموجودة في هذا الصدد.
نحن في حاجة إلى مغرب  دولة المؤسسات ودولة الديموقراطية التشاركية، لكن انطلاقا من قيم الديموقراطية كما هي معروفة، وليس ديموقراطية صناديق الاقتراع الشعبوية (توظيف الدين والمال)، وأكثر من أي وقت مضى.
المغرب الذي نريد؛ يعيش فيه الناس باختلاف وتسامح وبحقوق مضمونة. لكن أيضا بتنمية تحقق للمغرب مكانته الوطنية والإقليمية والدولية، وأكثر من أي وقت مضى…

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 05/12/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *