عن النهوض الديني- القومي : ومَثِيله الحداثي الغربي؟

عبد الله راكز

 

1-في شعار النهضة ومقاومة الاستبداد:
عندما بدأ رجال الدين النهضويون المسلمون في القرن التاسع عشر كفاحهم المُبجّل ضد السيطرة الأجنبية وضد التخلف المُزمن، جعل كثير منهم الدين أساسا لعملهم السياسي، ومنذ ذاك الحين ( وللأسف) وُضع الأساس الحديث لمشكلاتنا الراهنة.
لربما كانت شعارات النهضة ومقاومة الاستبداد والدعوة للحكم الليبيرالي.. خطوات إيجابية في سبيل النهوض العام ل «الأمة العربية «؟؟ ولكن-وبالمقابل- بقيت الشعارات الدينية- النهضوية غير مُدرِكة لطبيعة الجسم السياسي الديني المحافظ الكبير، التي راحت دون محالة ، تستثير نشاطه، ليغرقها هو، في النهاية بشبكيته الطائفية الواسعة ، وبجذوره الممتدة قرونا مديدة.
الغريب أن هذه الأفكار الحالمة، لم تكن على دراية(أو هكذا بدا) بحجم التركيبة الاجتماعية- السياسية والفكرية المحافظة، والتي هي في الظروف الحالية، الحاضنة لها،حيث تستعيد سطوتها على الحياة العربية( الغارقة في الظلام الآن ) عبر تغذية القوى الاستعمارية لها( في سوريا، العراق، اليمن،السودان ثم ليبيا..الخ) التي وجدت فيها أرضية أساسية لتفتيت «الأمة العربية «،سياسيا وإداريا، بعد أن غذت تنوعاتها الإقطاعية والعشائرية والمذهبية والمناطقية أيضا، بل وتم ربط اقتصادها المنتج للمواد الخام بالدول المسيطرة(=أمريكا) ، وهمشت بالتالي، قواها الاقتصادية والثقافية- التصنيعية. رفضت قوى علمانية تنويرية صغيرة مسار الانبعاث الديني القومي المتضافر، طارحة استيراد النموذج الحداثي الغربي، ولكن ظلت طاقاتها العقلية الهامة والمفيدة، معتمدة على تشكيل الإنتاج الثقافي غير المترابط (أو المطابق) مع الوعي السياسي المطلوب وإنتاج ممارسته المُطابقة؟؟.
2- في تلاقح الديني بالعلماني العابر؟:
بناء على ماسلف..فلقد تلاقح الاتجاهان الرئيسيان(الديني القومي والحداثي الغربي) في بعض الخطوط العابرة، حين استعارت بعض القوى القومية بعض الجوانب العلمانية ولو بشكل محدود. ولكن، ونظرا لانعزالية التيار الثقافي العلماني عن الممارسة الكفاحية،بدا وكأنه مرتبط بالسلطات الأجنبية، بل ونموذج تبعية فكرية للغرب.
**) تحصيل لابد منه:
إن الاتجاه الديني في عملية تغلغله بين الجمهور العربي، اعتمد النّفعية والعفوية، ووجد كاستتباع، أن استغلاله لمشاعر المؤمنين،وتنشيطه لبعض المفاهيم الدينية الشعارية قد وسع شعبيته، ما أدى إلى إحجامه عن تعميق الوعي العلماني في صفوفه، وتركيزه على الجانب الديني..؟؟.
لاشك أن تسييس الإسلام بشكل وطني وقومي حتى، قد أدى إلى توحيد بعض الشعوب العربية ضد الاستعمار(=السلفية الوطنية بالمغرب أكبر مثال) وعبر علمانية محدودة، وبيّن أن البعد عن الشبكة الاجتماعية المحافظة، هو بدور(أو ظهور) لنمو ديموقراطي هام، ولكنه لم يكتمل. ليس لأن تلك الشبكة ذات قرون من التأهيل في البنى الموضوعية والذهنية للعرب فحسب، بل لأن القوى التحديثية العربية لم تواصل مهماتها العصرية. بل هي عجزت عن تغيير نظم الامتيازات (=الريع) وكانت بالنتيجة،هي ، هي جزء من القوى المُسْتغِلة،حيث وجدت قسرا، أن من مصلحتها الإبقاء على الوعي المحافظ تثبيتا لنفوذها.

الكاتب : عبد الله راكز - بتاريخ : 08/12/2020