في تحريم الموسيقى والغناء
محمد بوبكري
يسود الاعـتقاد في مجتمعنا فـــي أوســـاط العوام أن الإسلام ُيحــــرم المــــوسـيقى والغناء، ويــــعود ذلك إلى تأثـر هؤلاء الــــعوام بخــطاب وفــتاوى الــفقهاء المتشــدديـن قــديــما وحــديــثا. وعـلى عـكس ذلك، لـيس هــناك تحــريــم للغناء، ولا للموســيقى فــي الإســلام، حــيث يســتند هؤلاء الــفقهاء فــي «فــتواهــم» هــذه إلى قــولــه تــعالــى: «ومن الناس من يشــتري لهو الحديث لــــيضل عــــن سبيل لله بغير عــــلم ويتخذها هزؤا أولئك لهم عذاب مهين» (لقمان 6). إن هذه الآية لا تشير إلى الغناء، ولا إلى الموسيقى، وإنما تتحـدث فـقط عـن لـهو الحـديـث. وقـد اسـتند هؤلاء الـفقهاء فـي تـأويـلهم لهـذه الآيـة إلـى أخـبار أغـلبها مـشكوك فـيه. وتـتضمن سـورة «لـقمان»، الـتي تحتوي هـذه الآيـة، عـلى تـقابلات بـين مـن يؤمـن ومـن يـكفر. ومـن الحق أنها لا تـــــروم تحـريم الــــغناء، ولا المـوسـيقى، وإنـما تـقصد أولــئك الـذيـن كــانـوا يــقومــون بــإلــهاء الــناس عــن الاســتماع إلــى الــقرآن الـكريـم فـي زمـن كـان يـنزل فـيه شـيئا فـشيئا، حـيث إن لله تـعالـى يـشير فـي هـذه الآيـة إلـى بـعض الـذيـن كـانـوا يـمنعون الـناس مـن الاسـتماع لـلقرآن المجيد. لـقد كــــان فـي إمكان لله تعالى أن يســــتعمل عبارة مــباشــرة تــفيد قـطعا تحريم المــوسـيقى والغناء، لكنه، ولحكمته، لــم يفعل ذلك، لأن الأمر لا يتعلق بالموسيقى، ولا بالغناء. كما قام هؤلاء الفقهاء المتشددون بالاسـتناد فـي فــتوى تحريم الــغناء والموسـيقى إلى الحـديــث الــقائــل: «لَيَكونَنَّ مِن أُمَّتي أقْوامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ، والخــــمر والمعازف». فهــــذا حديث رواه الــبخاري، لكنه غريب، لانــه ُروي بــصيغ مــتعددة ومــختلفة. صــحيح أن الأحـــاديـــث النبوية الشـريفة تُروى بالمعنى، لا بـالـلفظ، لكن هـــذا الحـديـث ضـعيف، فـقد انـتقده ابـن حـزم، كـما أنـه ورد فـي مـواضـع أخـرى فـي صـيغ أخرى. وهناك صـيغة أخرى ورد فيها كــل ما ورد فـي الـصيغة أعـلاه، لـكن لـم يـرد فـيها تحـريـم الخمر، إذ يـقول فـيه الـرسـول (ص) ما معناه: «فـي آخـر الـزمان تسـتحل أمتي الحر والحريـر والمـعازف».
لـم يـتم ذكـر الخـمر في هـذه الـصيغة. وكـلمة «المـعازف» هـي جـمع لـ «مـعزف» والمـعزفـة والمعازف لـغة هـو «الدف». هـكذا، فـالمـعازف هـي «الـدفـوف».
ويروي أغـلب المفسـريـن الأحـاديـث أن الـرسـول (ص) اسـتمع إلــى الــدف، واســتمتع بــه، ولــم يحــرمــه، وهــذا مــا يــعني أن الــدف حــلال، وإذا كـان الـدف حـلالا مـن جـهة، وحـرامـا مـن جـهة أخـرى، فـإنـنا أمـام خـلط كـبير هـدفـه الـتقول عـلى الـنص بـغية تحـريـم الـغناء والمـوسـيقى، فـي حـين أنـنا عـندمـا نـنصت إلـى الـكون، نجـده قـائـما عـلى أنـواع مـختلفة مـــن أنـــواع المـــوســـيقى؛ فـحينما تهـــب الـــريـــاح عـــلى الأشـــجار، تحـــدث ســمفونــية مــوســيقية رائــعة، كــما أنــه عــندمــا تتكســر أمــواج البحــر عــلى الــصخور، نجــد فــي ذلــك إيــقاعــا مــوســيقيا راقــيا.
ولمــا تــغرد الــطيور، فـــإنـــها تـــصدر مـــوســـيقى جـــميلة. إضـــافـــة إلـــى ذلـــك، فـــإن تـــعاقـــب الليل والـنهار يـشكل مــــوســــيقى داخــــلية عــــميقة، كــــما أن أصــــوات الــطيور والـحيوان هـي إيـقاعـات مـوسـيقية، بـل إن تـنفس الإنـسان نـوع مـن أنـواع الإيــقاعــات المــوســيقية… لــذلــك، فــإن هؤلاء الــفقهاء المتشــددون يــنكرون عـلى الإنـسان جـوانـبه الـروحـانـية والـوجـدانـية.
وهـذا مـا يفسـر رفـضهم للفنون والآداب والجــمال، وكــل مــا يــنتجه مــتخيل الإنــسان، وهــذا مــا جــعلهم بــدون ذوق… وعــندمــا يــنعدم الــذوق، يــسود الــعنف والــكراهــية وتنحــط قــيمة الإنــسان…. وإذا كــان فــي كــل المخــلوقــات شــيء مــن روح لله، فــــإن هؤلاء الــــفقهاء لا يــــعترفــــون بــــذلــــك، بــــدلــــيل أنــــهم يحــــرمــــون الموسيقى وكل ما يصدر عن مخلوقات لله من إيقاعات وأصوات…. إن هؤلاء الــفقهاء لا يــدركــون أن لـلموســيقى والــغناء أبــعادا إنــسانــية عــــميقة كــــثيرة، وهــــذا جــــعلهم يحــــرمــــونــــها لأنــــهم يجهــــلون أبــــعادهــــا وفوائدها… وبهـــذه المـــناســـبة، يـــحضرنـــي كـــلام الـــغزالـــي الـــذي يـــقول فـــيه: مـــن لا يحـــركـــه الـــربـــيع وأزهـــاره، والـــعود وأوتـــاره، فـــهو فـــاســـد المـــزاج، لـــيس لـــه عــلاج. لــذلــك أدعــو لهؤلاء الــفقهاء بــالــشفاء مــن عــلة فــساد المــزاج حــتى يــتمكنوا مــن الاســتمتاع بــالمــوســيقى وجــمال الــحياة. كــما أدعــو إلــى الاســتمتاع بــالمــوســيقى والــغناء وبــكل نــعم الــحياة الــتي أنــعم لله بــها عــــــلينا، شــــــرط أن يــــــكون هــــــذا الاســــــتمتاع بــــــما لا يــــــضر الإنــــــسان، ولا الكون…
الكاتب : محمد بوبكري - بتاريخ : 09/12/2020