الإيديولوجيا المؤسسة لتصريح أمكراز 

عبد السلام المساوي

 

إن الإسلاميين تيار يسكن في المغرب لكنه يقيم روحيا في جغرافيا مفترضة هي إقامة الدولة الدينية في المغرب، أي الطريق إلى أخونة العالم، وإذا كانت حركة التوحيد والإصلاح تقدم نفسها باعتبارها ثمرة اجتهادات الحركة الإسلامية المغربية، ونتيجة التجاوب بين اجتهادات الإسلاميين المغاربة وإخوانهم في الشرق، وبرغم ذلك فإنها تؤكد على «مسافة تنظيمية من حركة الإخوان المسلمين»، وكذلك على مسافة من بعض اجتهادات هذه الحركة.
إذا ما دققنا النظر في هذا القول على ضوء تاريخ الكيانين وهيكلتهما التنظيمية، وكذلك على ضوء تقييم فترة ممارستها للحكم من خلال حزب العدالة والتنمية في المغرب (نونبر  2012 إلى الآن) وحزب الحرية والعدالة في مصر (يونيو 2012 إلى يوليوز 2013)، فسنجد أن هناك تماثلا بين الكيانين لا يخرج عن الإطار العام  الذي رسمه حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين في الثلث الأول من القرن العشرين.
اعتنق العدالة والتنمية، منذ نيله الشرعية وانخراطه في العمل السياسي داخل المؤسسات بفضل الراحل عبد الكريم الخطيب، وبفضل الراحل الآخر إدريس البصري، شعار الجبهة الوطنية المتطرفة في فرنسا وشعار كل الشعبويين في  العالم كله «كلهم فاسدون» أو «Tous pourris» وظل يقول لقواعده والمتعاطفين معه إن كل الأحزاب المغربية الأخرى مليئة بالمنافقين واللصوص والفاسدين والذين يملؤون بطونهم بمال الفقراء، والذين لا يراعون الله ولا يريدون دخول الجنة أبدا ولا يكترثون بالشعب المغربي إطلاقا.
دخل الحزب معمعة العمل الحكومي والبرلماني، وشرع في اكتشاف ملذات الحياة، وفجأة وجد المغاربة أنفسهم أمام زعيمه بنكيران وهو يمتشق المعاش تلو المعاش، ويرفض التخلي عن المناصب الدنيوية الزائلة، أو التي كان يصفها بأنها زائلة، ويجلس في الدار يراقب الفيسبوك ولايفاته، ويطلق من خلاله رصاص الرحمة على نفسه أولا، وعلى حزبه ثانيا، وعلى عديد الشعارات التي أمطر بها الناس هو ورفاقه، أو لنقل إخوانه، في الحزب سابقا على امتداد عديد السنوات.
الإجماع الوطني الحاصل حول الإشادة باعتراف الولايات المتحدة بمغربية صحرائنا توازيه روح وطنية لدينا جميعا تسير جنبا إلى جنب قرب الروح المغربية التي تصنع الفوارق كلها في نهاية المطاف…
الحاجة اليوم ماسة لأحزاب مواطنة، جادة وجدية تؤمن بالوطن وبالمصالح العليا للوطن، أحزاب تواكب هذا الإبداع الملكي لجلالة الملك محمد السادس، وهذا الإبداع المغربي في مجال مقاومة الخيانة والانفصال واللصوصية بوطنية وبتقدير حقيقيين، تقفل الباب على المتسللين سهوا إلى ميدان السياسة، وهم كثر… «فرسان» «الميادين الشيعية»… سحقا للخيانة!
نؤمن أن الزمن القادم سيحمل معه إلى زواله كثيرا من الأدعياء والمتسللين والخونة والمنافقين  ومنتحلي الصفات عنا، وسيعيد إلى ميدان السياسة قليلا من الاحترام الذي كان عليه، وسيجعل من المتعففين من أبنائه المناضلين الوطنيين وجوهه اللامعة، وسيلقي بمن تطفلوا عليه، تجار الدين، كل هاته السنوات إلى حيث يجب أن يكونوا.
ستكون هذه الاستفادة أفضل ما قد يقع لنا بعد زمن كورونا وتحديدا في 2021، وسنعطي بها الدليل أننا استفدنا قليلا من هذا الامتحان العسير الذي نمر منه.
ماذا وإلا سنكون فعلا رموزا لغباء كبير، إذا ما عدنا بعد زمن كورونا إلى ارتكاب نفس الأخطاء، والسماح لنفس المحتالين والمتسلطين والمتاجرين بالدين بأن يواصلوا احتيالهم السمج علينا وعلى حقل السياسة وعلى مؤسساتنا المنتخبة والتنفيذية التي مازلنا نقدسها رغم كل ما مر عليها من ضربات من طرف وزراء من طينة الرميد وأمكراز… وزراء فضائحيون، أساؤوا إلى الدين والسياسة سواء بسواء… أساؤوا إلى الوطن والمواطن، إلى البلاد والعباد….
إن الحزب المتاجر بديننا، والذي يجد من بيننا للأسف الشديد من يصوت عليه ومن يلعب به لعبة المزايدة السياسية الرخيصة وجه لوباء آخر أخطر بكثير من كورونا يتهددنا منذ القديم…
لقد  فهم الناس هذه المرة أن هؤلاء يدافعون عن متاجرتهم بالدين ولا يدافعون عن الدين ولا يدافعون عن الوطن… وتصريحات أمكراز أسقطت القناع عن القناع..
علماء حقيقيون يستحقون حمل لقب وصفة العلم هاته، تمكنوا من اكتشاف اللقاح لهذا الوباء الخطير الذي يهدد العالم كله، وجلالة الملك أمر بمجانية التلقيح لكل المغاربة، وبعد هذا الوباء ستعود إلينا هاته الأوبئة المتلفعة زورا وبهتانا في لباس الدين لكي تقصفنا بالمزيد من بذاءاتها ورداءاتها وخرافاتها وخياناتها…
علينا أن نستفيد من المرض الذي يعبر العالم اليوم، ومثلما تعلمنا جميعا أن النظافة مهمة لقتل أي وباء، يجب أن نستوعب أن تنظيف عقولنا ضروري للقضاء على فيروس الخرافة والتخدير خرافة المتاجرين بالدين والوطن…

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 15/12/2020