رأي في التطبيع

 

أثير نقاش واسع بين مختلف مكونات الشعب المغربي بعد اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على صحرائه، هل كان مقابلا لهذا الاعتراف عودة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل؟ أم أن هذه العلاقات مع اسرائيل هي شأن سيادي للدولة المغربية؟ وما هو انعكاس عودة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب واسرائيل على القضية الفلسطينية؟
تاريخيا كانت القضية الفلسطينية رمزا قوميا للمغاربة فلا يمكن أن نتصور نشاطا سياسيا أو جمعويا أو ثقافيا دون تواجد العلم الفلسطيني وشعارات الوحدة العربية وأناشيد مارسيل خليفة وأميمة الخليل. كما كان ولا يزال الربط دائما بين قضيتنا الأولى الصحراء المغربية والقضية الفلسطينية، وكان ولايزال الشعار دائما هو «فلسطين عربية والصحرا مغربية»، كل هذا والمغرب الرسمي كان دائما يقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل سواء في السر أو في العلن دون أن يتجاوز درجة التمثيل الدبلوماسي مكتب اتصال متبادل بين البلدين.
اليوم المغرب غير سياسته الدبلوماسية مع توالي إخفاقات البوليساريو وعزلتها الدولية وكذا المشاكل السياسية الكبرى التي تعيشها الجزائر جعل بلادنا تخترق إفريقيا اقتصاديا وسياسيا ويخترق حتى الدول الداعمة تاريخيا للانفصال، حيث أصبح المغرب لا يكتفي بسحب الدول لاعترافاتها بالكيان الوهمي بل أصبح يتجاوز ذلك لفتح تمثيليات دبلوماسية في الأقاليم الجنوبية التي كانت تعتبر إلى حد قريب في أدبيات الأمم المتحدة أقاليم متنازع عليها.
والعلاقات الدولية في كل بقاع العالم تخضع لموازين القوى الدولية وللتوازنات الجيواستراتيجية ولمصالح الدول، كل هذه الحيتيات جعلت الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء تتويجا لجهود الدبلوماسية المغربية التي غيرت استراتيجتها من وضع المدافع عن حق إلى وضعية المهاجم لتثبيت حق يكفله التاريخ والجغرافيا والبيعة والقرارات الأممية .
كل هذا يثبت أن الربط بين دفاع المغرب عن مغربية صحرائه مقابل إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل هو أمر لا يستقيم لكون المغرب الرسمي لايمكن أن يكون أكثر فلسطينية من الفلسطينيين الذين وقعوا اتفاق أوسلو وجلسوا للتفاوض مع العدو الصهيوني تحت رعاية أمريكية وما نتج عن ذلك من فشل، كما لا يمكن للمغرب أن يكون أكثر فلسطينية من الفلسطينيين الذين جعلوا من قطاع غزة دويلة مغلقة يعيش مواطنوها الويلات من جراء الحصار.
الموقف الرسمي والشعبي تجاه القضية الفلسطينية كان دائما مشرفا، مسيرات مليونية تحج لها كل مكونات الشعب المغربي، دعم مادي، مواقف سياسية مشرفة، مساعدات غذائية وطبية، هذه المواقف تكون مهما كانت العلاقات مع اسرائيل لذلك لايمكن أن تكون فلسطين ثمنا لأي اتفاق مهما كان نوعه، والعلاقات المغربية الإسرائيلية لم تكن يوما شيئا مخفيا على الفلسطينيين وكانت دائما في مصلحة الفلسطينيين.
الصحراء المغربية عرفت منعطفا جديدا بعد الحماقة التي ارتكبتها البوليساريو بدعم جزائري في الكركارات، والحسم فيها كان للجيش المغربي الذي بمجرد تحركه إلى المنطقة العازلة لم يجد إلا بقايا خيام قطاع الطرق وبعض نعالهم، والاعتراف الأمريكي له وقع سياسي ودبلوماسي ولم يغير شيئا على الأرض لأن المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها منذ استرجاعها من المستعمر الإسباني، من هنا لا يستقيم الربط بين القضيتين واستمرار الدبلوماسية المغربية في سياستها الهجومية سيكون له وقع سواء على السياسة الدولية أوعلى تنمية الأقاليم الجنوبية وعموم الوطن.